ليس من السهل الكتابة وقلوبنا يعتصرها الألم، وليس من السهولة أيضًا الكتابة عن خير قلم عرف أنه خير من يرسم ويكتب فن "البروفايل".
ليس من السهل على الإطلاق الكتابة وقلوبنا يعتصرها الألم، وليس من السهولة أيضًا الكتابة عن خير قلم عرف أنه خير من يرسم ويكتب فن "البروفايل"، فضلًا عن قلم تمتلئ سطوره نورًا إذا ما كتب عن الحطيم وزمزم، وخطى وأطلال أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم.
لن أكتب عن أيامي معه ولا عن ذكرياتي الخالدة، ولا عن اللحظات الجميلة التي عشتها معه، تلك أشياء سأتركها في صندوق قلبي، سأحفظها وسأعيش عليها عرفانًا له عن كل لحظة من تلك اللحظات التي لم أعش مثلها قط مع أخ ولا صديق.
إذا ماذا سأكتب، سأكتب عن أبا عبدالمحسن، جانبًا واحدًا من جوانبه ومواهبه المتعددة التي عرف عنها، وهو "فن الكتابة"، أجل فقد عرف عنه رحمه الله بأنه صاحب قلم كلماته وتعابيره قبسات من نور، ومعانيها مغسولة بماء زمزم حتى استحالت تلك الكلمات التي يكتبها بأوردة قلبه إلى نصوص لا تحمل من المعنى الذي يقدمه، ولا الرسالة التي يحملها قدر ما تحمله من جمال؛ لأنها مستقاة من أجمل بيان، من كلمات التنزيل الحكيم، ومن كلم المصطفى الذي عاش وتعبد الله بحبه حتى آخر لحظة من لحظاته.
كان أبا عبدالمحسن، إذا أراد أن يكتب، يتهيأ طويلًا لذلك، فيركبه وسواس الإبداع وهاجس الأحرف والكلمات التي سيكب بها، وهاجس حسن نظم عقده وتنضيده حتى يستوي حبكة واحدة بل سبيكة ذهبية أخاذة لا يمل النظر إليها.
كنت أعرف في أيام خلت منه ذلك الهاجس، الذي يبدأ بفن تحضير الفكرة، ثم فرزها والتأكد من فرادتها، وضمان التمكن منها واستقصائها حد التطرف في ذلك، لم يكن يهمه قط أن يجد قضية يكتب عنها، فما أكثرها أمامه، بل همه أن يجد قضية تتمسك بتلابيبه، تناديه في يومه، وتتسلل إليه في منامه حتى تقض مضجعه، حينها إذا وجد أن الأمر لا مفر منه وأصبح لزامًا، وعلم أنه أصبح رسول الفكرة أو القضية يبدأ.. وكيف يبدأ؟ يبدأ بدخول محرابه، محراب إبداعه، محراب لا يخرج منه إلا بسك ذلك التبر الخالص النقي الأخاذ.
لربما نتذكر من ذلك، يوم أن سبك واحدة من تلك الأعمال الجميلة والجليلة، يوم أن كتب عن المرقد المبارك، عن الحجرة النبوية الشريفة.. ليخرج علينا بتحقيق ملأ قلوبنا ضياءً وشغفًا حتى أصبحنا ممسوسين به.
حيث يقول رحمه الله: "غمست وجهي محدقًا من بين فتحات الحجرة.. كنت خائفاً حتى الموت، لكن شيئًا ما دفعني للنظر.. ومتعت عيني في بقعة ضمت الشطر الأكبر من حياة الرسول الكريم، أنوار تتجلى في ذات المكان، وهديل حمائم جاورت، كما جاورت غار ثور يوم هجرة الرسول وصاحبه أبي بكر الصديق".
لم يكن يكتب بعقله، كان قلبه يمتلئ؛ إذ يتعقب خطى النبي الكريم وصحبه وآثارهم، ثم لا يلبس القلب أن يمتلئ فيفيض بما امتلأ به من نور بكلمات، كأنها قبس من قبسات النبوة التي عشق محرابها وعاش له حتى آخر ليلة من حياته المضيئة.
رحمك الله أيها الفارس النبيل.. رحمك الله يا حارس زمزم والحطيم.. واسكنك بجوار من أحببت وتعقبت خطاه.. فالمرء مع من أحب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة