إسرائيل، بغارتها الوحشية، لم تقتل القنطار فحسب، بل قتلت صورة المناضل المثـــالية في داخلــــنا، وشوّهت صورة الفدائي.
في عام 1962 ولد في بلدة عبيه اللبنانية طفل مختلف، اسمه سمير القنطار. ﺍﻟﺘﺤﻖ وهو شاب صغير بمعسكرات التدريب ﻓﻲ «جبهة ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ الفلسطينية». نفّذ عملية فدائية ضد إسرائيل وعمره 17 سنة، وكان قائدها. سُمِّيت عملية «جمال عبدالناصر». استقلّ الشاب زورقاً مطاطياً مع ثلاثة من رفاقه هم: عبد المجيد أصلان، ومهنّا المؤيد، وأحمد الأبرص. انطلق الثلاثة من شاطئ مدينة صور عند الثانية فجراً. هدف العملية كان الوصول إلى مستوطنة نهاريا وخطف رهائن من الجيش الإسرائيلي. اخترق القنطار وزملاؤه حواجز إسرائيل ومراقبتها. أﺳﺮت المجموعة ﻋﺎلِم ﺍﻟذرّﺓ ﺍلإﺳﺮﺍئيلي ﺩﺍني ﻫﺎﺭﺍﻥ، وانتهت العملية بقتل ستة إسرائيليين، بينهم داني ﻫﺎﺭﺍﻥ، وجرح 12. قُتِل في العملية اثنان من زملاء القنطار، هما عبد المجيد أصلان ومهنّا المؤيد، واعتُقِل سمير القنطار وأحمد الأبرص الذي أُطلِق عام 1985.
في عام 1980 حُكِم سمير بخمس عقوبات بالسجن المؤبد، أُضيفت إليها 47 سنة. بقي القنطار أسيراً لثلاثة عقود. حصل على لقب أقدم سجين لبناني في السجون الإسرائيلية. أُفرِج عن سمير القنطار عام 2008 في صفقة تبادل بين «حزب الله» اللبناني وإسرائيل، واستُقبِل القنطار بحشد غير مسبوق. كان في مقدّم مستقبليه رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة. واحتفى به «حزب الله» كبطل. السبت الماضي شنّت إسرائيل غارة على المبنى الذي يقطنه سمير القنطار في منطقة جرمانا بدمشق، وقُتِل.
حياة القنطار تذكِّرك ببطولة الضفادع البشرية في الجيش المصري في عملية إيلات، التي فقد فيها الرقيب البطل محمد فوزي البرقوقي حياته دفاعاً عن وطنه مصر، وجسّدت السينما المصرية العملية في فيلم «الطريق إلى إيلات». لكن سمير القنطار لم تعجبه نهاية محمد فوزي المشرّفة، فاستبدل دور جلال طاهر في فيلم «ليلة القبض على فاطمة»، بدور بطل إيلات، تخلى عن دوره الشجاع في نهاريا، استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وخذل فاطمة.
إسرائيل، بغارتها الوحشية، لم تقتل القنطار فحسب، بل قتلت صورة المناضل المثـــالية في داخلــــنا، وشوّهت صورة الفدائي. أنهت حياة بطل نهاريا وهو يخوض معركة موجعة وملتبسة، قتلته بعــــيداً من فلسطين التي كسب مجده فيها. ليت الراحل سمير القنطار مات على فراشه وتمسّك بصورة كنا نحملها له. الــــله كم هي قاسية ومحزنة نهاية القنطار. بدأ حياته يقاتـــل المحتل وانتهى يشارك في قتال السوريين واقتتالهم. تمـــنيتُ أن سمير مات في سجنه. سامحك الله يا سمير، حتى لم تدع لنا مجالاً لوصف ما فعلت بأنه وجهة نظر. قَـــتَلتَ بموتك ما تبــقى لنا من ذكريات كنا نظن أنها جميلة، وحــــفرتَ لها قبراً عميقاً وموحشاً. كنتَ خبراً شجاعاً ومفرحاً، فأصبحت ذكرى موجعة.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة