نعم، أمسكت الحكومة البريطانية العصا من المنتصف عندما أعلنت تقريرها الذى طال انتظاره حول جماعة الاخوان
نعم، أمسكت الحكومة البريطانية العصا من المنتصف عندما أعلنت تقريرها الذى طال انتظاره حول جماعة الاخوان التى أعلنت تنظيما ارهابيا فى مصر والسعودية والامارات بعد الثورة الشعبية ضدها فى 30 يونيو 2013 ولكنه تقرير يفتح الباب أمام اختبار حقيقى للقدرة على النفاذ الى داخل النظام السياسى البريطانى وتقديم حقائق عن طبيعة الجماعة وأدبياتها وهياكلها المحلية والاقليمية وتنظيمها الدولي. فالتقرير ليس سوى نقطة بداية لتعريف الرأى العام الغربى بخطورة التنظيمات التى تتستر بالدين فى المنطقة العربية والشرق الأوسط وتعمل على شق وحدة المجتمعات من خلال احتكار الحديث باسم المعتقدات الدينية وتوظيفها لأهداف سياسية لعقود من الزمن خلفت فى النهاية جماعات وحشية تسيء الى جوهر الدين الاسلامى أكثر مما تشارك فى بناء الدولة الحديثة. المعلن من التقرير بضع صفحات فقط والخفى لا نعرف حجمه أو مضمونه وهو بالقطع فى حوزة المؤسسات العليا فى المجتمع البريطانى وربما اطلع عليه النافذون فى السياسة الأوروبية لمعرفة حجم الخطر الكامن فى تقوية شوكة التنظيم الأم. قال كاتب أمريكى بعد صدور التقرير إن النتائج هى من قبيل الاستهلاك المحلى فى بريطانيا لأنها لم تعلن الاخوان جماعة ارهابية رغم الاعتراف بوجود روابط «غامضة» بينه وبين التطرف ويرى أن الافصاح عن اطالة أمد المراجعة لشهور طويلة والاعلان من البداية عنه لم يصب فى صالح الخروج بتقرير ناجع يكشف أكثر مما يخفى عن الأسس الفكرية التى استند اليها التنظيم ويقدم «روشتة» فعلية عن التنظيم المتشعب فى العالم الاسلامى وفى أوروبا والغرب اليوم وهى قراءة ربما نتفق معها ظاهريا، ولكنها لا تقدم الحقيقة كاملة الى القاريء حيث لم تتطرق الصحافة الغربية فى مجموعها بالتحليل الكافى للنصوص التى استندت اليها جماعات العنف فى المنطقة على مدى أكثر من 80 عاماً والتى خرج معظمها من رحم الجماعة الأم فى مصر وقويت شوكة تلك التنظيمات بعد الدعم الهائل فى أفغانستان ثم بعد حرب العراق مما جعلها تتحرك فى فراغ جغرافى هائل يتيح لها ترجمة الأفكار الى واقع. من ناحية، يبدو أن شوكة المنظمات المرتبطة بالاخوان فى بريطانيا قد لعبت دورا فى تحجيم نتائج التقرير وتقليل المعلن منه، فالحكومة البريطانية تحسب حساباً لاتحادات نشطة مثل اتحاد المسلمين فى بريطانيا the muslim council of britain ويضم تحت مظلته 500 منظمة ورغم أن التقرير أشار اليه بالاسم فى العلاقة الغامضة مع تنظيم الاخوان الا أن الاتحاد يملك دائرة من العلاقات والاتصالات الداخلية التى تحيل الأمر الى معركة سياسية داخلية. قبل أسابيع، قابلت فى بروكسل قياديا نشيطا فى الاتحاد هو نائب فى البرلمان الأوروبى يقوم بعملية «غسل الأدمغة» داخل البرلمان ويدافع بشراسة عن تنظيم الاخوان ويردد مقولاتهم عن القمع والوحشية وعملية التطهير المزعومة ضدهم فى مصر، وبالقطع هو واحد من ضمن مجموعة تحمل الخلفية الفكرية نفسها يمارسون السياسة فى اطار مفتوح وحر ولا يجدون غضاضة فى الدفاع عن التيارات المتشددة ويدعون أنهم ينحازون للانسانية ويجدون من يستمع اليهم من التيارات الليبرالية واليسارية الأوروبية دون أن تكلف تلك التيارات نفسها بسؤال النائب ومن يدور فى فلكه عن المنابع الفكرية التى خرجت منها جماعات العنف. حتى يكتمل عمل التقرير البريطاني، تحتاج المؤسسات المدنية، السياسية والحقوقية، فى مصر وبعض الدول العربية الى تعويض الرأى العام الغربى سواء فى البرلمانات ووسائل الاعلام بمواد تشرح وتفسر ما تمثله تلك الجماعات من خطر حقيقى على الحريات العامة والممارسة السياسية التعددية فى مجتمعاتنا وكيف تعارض أفكارها بناء الدولة الحديثة. نعم، هناك جهد حدث فى الوصول الى دوائر السياسة البريطانية فى الشهور الماضية لتقديم أدلة على تورط أعضاء الاخوان فى أعمال العنف وفى توفير غطاء لممارسات ضد الديمقراطية والتعددية وبخاصة ما جرى فى مصر خلال عام من وجودهم فى السلطة ولكن تلك الشروحات تبدو منقوصة طالما لم تكون رأياً عاماً واسعاً يؤيد تلك النظرة ويحاصر الفكرة السائدة فى الغرب أن البديل للحكومات الحالية فى المنطقة العربية هو جماعات الاسلام السياسى فى المدى الطويل. لو نظرنا الى مضامين كثير من التقارير والدراسات الغربية نجدها تتعامل مع تاريخنا الحديث كما لو كان قد بدأ مع حرب أفغانستان وتنسى النضال من أجل الدولة المدنية فى بلد مثل مصر من ثورة 1919 وحتى اليوم .. لكن البعض يرغب عن عمد، فيما يبدو، فى نسيان تلك الحقب التى كان الصوت الأعلى فيها للشعوب ضد المستعمر!.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الآهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة