انقسامات "الإخوان".. الشباب يتمردون وتحذير من سيناريو الجزائر
صراع الأموال والنفوذ يهدد الجماعة
جماعة الإخوان المسلمين تعاني انقساما داخليا بين أعضائها من مؤيدي الحرس القديم والشباب
صعّد الشباب من تمردهم داخل جماعة الإخوان المسلمين المصنّفة إرهابية في العديد من الدول العربية، وذلك في تعميق لأعنف أزمة تشهدها الجماعة على مدار تاريخها الذي يتجاوز الـ80 عاما منذ الإطاحة بها من حكم مصر بعد ثورة "30 يونيو" الشعبية والتي دعمها الجيش.
وعلى مدار اليومين الماضين شهدت صفوف الجماعة انقسامات جراء احتدام الصراع بين الشيوخ والشباب على القيادة والموارد المالية والأمور التنظيمية التي تخص تنظيم الإخوان في الداخل والخارج.
ووصلت الأزمة إلى فورتها بتقديم عدد من الشباب استقالاتهم من المكتب الإداري للتنظيم في الخارج، وهو المعروف إعلاميا باسم "مكتب الإخوان المصريين بالخارج" احتجاجًا على قيام مجموعة القائم بأعمال المرشد محمود عزت بإدارة تنظيم الإخوان بشكل اعتبروه "غير مؤسسي" يخالف لوائح الجماعة المعمول بها، ورفضهم للبيانات الصادرة من تلك المجموعة والتي قالوا إنها "تؤدي للمزيد من الانقسام"، وفق بيان صدر عنهم.
وحمّلت هذه القيادات الإخوانية المنسحبة مجموعة "عزت" مسؤولية هذا الانهيار داخل صفوف الإخوان، فيما كان بينها صهر خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة المحبوس حالياً على ذمة قضايا عنف، أيمن عبد الغني، والذي شغل أيضاً أمين الشباب بحزب الحرية والعدالة التابع للإخوان وتم حله بأحكام قضائية.
مصدر مُقرب من اللجنة الإدارية العليا لجماعة الإخوان المسلمين داخل مصر كشف في تصريحات خاصة لبوابة "العين" تفاصيل الصراع الدائر داخل التنظيم: "تيار الشيوخ المُمثل في "إبراهيم منير" أمين التنظيم الدولي، و"محمود حسين" الأمين العام للجماعة" و"محمود عزت" القائم بأعمال الإرشاد بالجماعة يسعون إلى إحكام السيطرة الكاملة على الجماعة، وفرض رؤيتهم بشكل ديكتاتوري من خلال سلسلة إجراءات تضمنت الحدّ من نفوذ مجموعات شبابية متواجد أغلبها داخل مصر مبرراً إجراءاتهم الأخيرة المُتمثلة في تحويل العديد من الأعضاء إلى التحقيق، إلى سيطرتهم على موارد تمويل أنشطة الجماعة بجانب علاقاتهم الإقليمية في الخارج التي تكسبهم شرعية".
وأضاف المصدر، أن اللجنة الإدارية العليا، وهي اللجنة المُمثلة لتيار الشباب، لديها سيطرة كاملة على كافة المكاتب الإدارية في مصر، مؤكداً أن المكتب له سيطرة على الإعلام والمكاتب الإدارية خلافاً لتيار الشيوخ الذي يتحكم في إمدادات الجماعة داخل مصر بتوفير الموارد المالية من الخارج للداخل وتمويل أنشطته، ويسعى كذلك إلى تأسيس إعلام موازٍ للمنابر الإعلامية التي يسيطر عليها اللجنة الإدارية".
وتابع المصدر، أن اللجنة الإدارية العليا سعت بقيادة كل من محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، ومحمد منتصر المُتحدث الرسمي للجماعة، والمُعين من جانب هذه اللجنة إلى تدعيم شرعية هذا التيار باتصالاته مع مكاتب الجماعة بصعيد مصر، مؤكداً أن هذا التيار يسعى إلى إصدار قرارات داخلية تتضن عسكرة الصف، وأن تتحول الجماعة إلى "جبهة النصرة" السورية في استخدام نفس أدواتها لمواجهة النظام الحالي، والتي بدأت فعلياً في ممارسة عدد من الأعمال النوعية بعدد من المحافظات.
لم ينكر "محمد سودان"، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، والمتواجد بالعاصمة البريطانية "لندن" لبوابة "العين" وجود خلافات داخل التنظيم:" الخلافات برزت مؤخراً بين مجموعتين داخل الجماعة، والتي تتعلق بمسار ورؤية العمل التنظيمي لتسيير أمور التنظيم خلال الفترة المُقبلة سواء داخل مصر أو خارجها، وأن هذا الأمر تطور بعد استقالة عدد من القيادات."
يضيف "سودان" أن هذا الخلاف يتمثل في وجود تيار يسعى للسلمية كخيار أوحد للعمل التنظيمي في الداخل والخارج وتيار آخر يتبنى العنف خياراً مقابلاً كوسيلة لتحقيق أهدافه ومساعيه وتحقيق انتصارات ضد السلطات الحالية، مؤكداً أن الفريق الذي يرغب في هذا الأمر يسعى لكتابة نهاية قريبة للجماعة، وليس مدركاً مآلات هذه الممارسات والعمليات النوعية على أعضائها وعلى وجود التنظيم نفسه وعلى شرعيته.
تزامنت هذه الخلافات التنظيمية داخل جماعة الإخوان المسلمين، مع إصدار الحكومة البريطانية تقرير أعدته حول نشاطات حركة الإخوان المسلمين أن عضوية الحركة أو الارتباط بها يجب أن يعد مؤشرا ممكنا للتطرف، وأن هناك بعض فروع الجماعة لها صلة بما وصفه بالتطرف العنيف، وأن قرار حظرها من عدمه في بريطانيا مازال قيد المراجعة.
يعتبر "سودان"، أن التوصيات التي تضمنها تقرير بريطانيا عن أنشطة الجماعة ارتبطت بشكل كبيرة بهذا الصراع الدائر داخل الجماعة، وله تداعيات كبيرة على توصياته، نافياً في الوقت ذاته أن تكون هناك أي إجراءات صدرت من الحكومة البريطانية لترحيلهم ممن بريطانيا، أو تتعلق بتحجيم أنشطتهم الدعوية داخلها.
وفي معرض تعليقه على الأزمة التي تواجهها جماعة الإخوان قال "عمار علي حسن" الباحث في شئون الحركات الإسلامية، في تصريحات لبوابة "العين" إن جماعة الإخوان المسلمين في تركيبتها التنظيمية في المرحلة الحالية أشبه بحال الجيوش المنهزمة، الذي يتبادل أعضاؤه الاتهامات لهم بعد الهزيمة كمحاولة لتبرئة كُل عضو من كونه سبباً للهزيمة، ما خلق هذه الانقسامات الموجودة حالياً، محذراً من أن بعض التصريحات الصادرة من عدد من قيادتها يسعون من خلالها لتمرير رسائل، وتوزيع أدوار بين أعضائها.
وأضاف "حسن" أن خطاب العنف والإرهاب متجذر في الخطاب الإخواني لأدبيات الجماعة خصوصاً بعد وصولهم للسلطة، وحالة التماهي مع التيارات السلفية، مؤكداً أن تيار الشيوخ ليس ضد العنف لاعتبارات فكرية ولكنه يحاول تسويق هذا الأمر خارجياً لكسب دعم الغرب في قضيتهم المُناهضة للسلطة، خصوصاً أن رموز هذا التيار هم من ينسجون علاقات الجماعة بالعالم الخارجي.
واستبعد "حسن" تمكن تيار الشباب من إحكام سيطرته على الأمور الداخلية للجماعة ومقاليد السلطة، لأسباب مرتبطة بعدم قدرتهم على توفير موارد مالية لمُمارسة أنشطتهم، وعدم تمتعهم بثقة أجهزة المخابرات الأجنبية التي تمول الجماعة مقابل احتكار قيادات الشيوخ العلاقات مع الخارج، وبعض هذه الأجهزة التي توفر لهم التمويل لمزاولة أنشطتهم، وتتولى الترويج لهم خارجياً.
وعلى غرار ذلك يرى الباحث في شؤون الجماعة الإسلامية أحمد بان أن الصراع داخل الجماعة ليس صراعا بين العنف أو السلمية أو الصقور والحمائم مثلما يريد أفراد في التنظيم تصويره بل بين الصقور وأفراخ الصقور والآباء والأبناء.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"العين" أن الفريقين واحد، ولا صراع على الفكرة أو رفض العنف بينهما بل هو تصارع من أجل النفوذ الإعلامي والأموال.
في السياق ذاته عبر أحمد رامي، المتحدث الرسمي لحزب الحرية والعدالة المنحل، عن مخاوفه من تكرار سيناريو إخوان الجزائر حيث شهدت صفوف الجماعة هناك انقسامات كبيرة، مما يؤكد حالة الخلاف والانقسام في جماعة الإخوان على مستوى القيادة، وصولا إلى قواعد التنظيم.
وقال رامي فى بيان له عبر صفحته على "فيسبوك" الأحد الماضي، إن "القيادة عندما تنقسم قد تتوحد بعدها بالتوافق أو بانتصار طرف على الآخر، لكن الصف إذا انقسم فلن يلتئم لأن البعض يشيطن الطرف الآخر، وفي الجزائر عبرة ، فلو اتفقت هناك القيادات التي تنازعت لما حدث تفككه".