إذ يعتقد الإسرائيليون أن مصالحهم في سورية قد لا تتأثر سلباً مع هيمنة موسكو على أجوائها من خلال نشر منظومة صواريخ إس400
مثلما كان متوقعاً، لم تفوت إسرائيل الفرصة لاستغلال تداعيات حادثة إسقاط مقاتلتين تركيتين من طراز «إف 16» قاذفة روسية من طراز «سوخوي 24» آواخر الشهر الماضي، بغية إنجاح استراتيجيتها المغرضة حيال سورية، سواء في ما يتّصل بضمان حماية المصالح الإسرائيلية حال تمكّن المجتمع الدولي من إيجاد تسوية سياسية نهائية للأزمة السورية. إذ أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، خلال محادثاته أخيراً مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن، الخطوط الحُمر الإسرائيلية والتي لن تسمح تل أبيب بموجبها بأية هجمات من الأراضي السورية ضدها، كما لن توافق على فتح جبهة إيرانية ثانية ضدها في هضبة الجولان، مع العمل في الوقت ذاته لإحباط أيّة محاولات لنقل أسلحة من سورية إلى «حزب الله» في لبنان، أو ما يخص مواصلة تل أبيب عملياتها العسكرية والاستخباراتية في العمق السوري.
إذ يعتقد الإسرائيليون أن مصالحهم في سورية قد لا تتأثر سلباً مع هيمنة موسكو على أجوائها من خلال نشر منظومة صواريخ إس 400، التي أجهضت مساعي تركيا لفرض منطقة آمنة شمال سورية. فلن يكون عصياً على إسرائيل، التأقلم مع تلك المنظومة الروسية في سياق حالة التنسيق العسكري عالي المستوى مع موسكو، فيما قد يتعذر عليها التعاطي مع المنطقة الآمنة التي كانت تركيا تسعى الى إقامتها، والتي كانت ستقيِّد خروقات الطيران الإسرائيلي الذي يستبيح الأجواء السورية منذ سنوات.
وعلى رغم عدم ثقتها بجدوى التدخل العسكري الروسي في سورية، لم تخف تل أبيب شيئاً من الانحياز أو التعاطف إزاء الجانب الروسي في أزمة إسقاط تركيا القاذفة الروسية. فمن جهة، لم تكفّ تل أبيب عن الإلقاء غير المباشر باللوم على أنقرة كونها تسرعت في إسقاط القاذفة الروسية، على رغم أنها لم تكن مسلّحة بعدما أتمَّت مهمتها وألقت بصواريخها وذخيرتها في الأراضي السورية قبل أن تخترق الأجواء التركية لمدة لم تزد عن 17 ثانية فقط، وفقاً لرواية تركيا والناتو، في الوقت الذي لا تتعرض تل أبيب للمقاتلات الروسية التي ما برحت تخترق الأجواء الإسرائيلية منذ بدء موسكو عملياتها العسكرية في سورية نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي.
فبموجب التنسيق العسكري الجوي عالي المستوى بين روسيا وتل أبيب، أمِنت الطائرات الحربية الروسيّة على نفسها حالة اضطرارها لاختراق المجال الجوّي الإسرائيلي، على رغم عدم تردد الإسرائيليين في أيلول من العام الماضي، في إسقاط طائرة حربية سوريّة دخلت المجال الجوي الإسرائيلي فوق هضبة الجولان المحتل من طريق الخطأ، وهو الأمر الذي اعتبره خبراء ومسؤولون إسرائيليون نوعاً من المساندة الإسرائيلية الضمنية للموقف الروسي حيال أزمة إسقاط القاذفة الروسية من جانب تركيا.
في المقابل، عمدت موسكو إلى غض الطرف عن قيام الطيران الحربي الإسرائيلى، كما الطائرات من دون طيَّار، بهجمات داخل سورية، خصوصاً في مناطق تمركز القوات الروسية شمال البلاد، ما بين الفينة والأخرى. فإلى جانب إعلان الجيش الإسرائيلي أنه لا يكف عن الرد من خلال المدفعية على سقوط صواريخ من هضبة الجولان السورية، التي يحتلّ قسماً منها ضمّته إسرائيل إليها عام 1981، أكد نتانياهو قيام طيران بلاده الحربي بعمليات استهدفت مواقع المسلّحين في الشمال السوري، وفي الجنوب على مسافة 18 كيلومتراً فقط من الحدود مع إسرائيل، وقرب دمشق لتدمير قوافل أو مخازن سلاح يقال إنَّها كانت في طريقها إلى حزب الله.
وعلى رغم حديث بعض الخبراء الإسرائيليين عن تواضع مستوى التنسيق العسكري بين سلاحي البحرية الروسي والإسرائيلي، مقارنة بذلك القائم بين سلاحي الطيران في البلدين، حيث تعاظم أخيراً خطر احتكاك السفن الحربية الإسرائيلية مقابل الشواطئ السورية، على أثر ازدياد أعداد السفن الحربية التابعة لدول عدة مقابل شواطئ لبنان وسورية خلال الآونة الأخيرة، بسبب الحرب في سورية التي أدت إلى كثافة تمركز القوات الأجنبية ووسائل الحماية المتطورة، إضافة إلى تنامي أعداد الطائرات الحربية الروسية والغربية من ناحية، علاوة على تدفّق موجات الهجرة السورية من ناحية أخرى، إلا أن نائب رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال يائير جولان - المكلّف مهمة «عدم الإزعاج المتبادل»، أكد وجود تنسيق، لا بأس به، بين الجانبين، إذ لم تحدّد البحرية الروسية مناطق لا ينبغي للسفن الحربية الإسرائيلية العمل فيها على سبيل المثل، وهو ما خوَّل الأخيرة حرية التحرّك غير بعيد من الشواطئ السورية بموجب تنسيق واستيضاح روتيني مع نظيرتها الروسية عبر أجهزة الاتصال.
وعلى رغم ثقتها بأن رجب طيب أردوغان لا يتصرف من تلقاء نفسه أو في منأى عن واشنطن والناتو في إدارته أزمة إسقاط القاذفة الروسية، وبالتزامن مع توجّه الأوروبيين لتمديد عقوباتهم على موسكو بجريرة الأزمة الأوكرانية، لا تتورع إسرائيل عن التلويح بمباركة المساعي الروسية الرامية إلى تكثيف الضغوط على الرئيس التركي بغية حمله على إبداء مزيد من المرونة في هذا الصدد، بما يحضه على تقديم اعتذار رسمي عن الحادث وإظهار استعداد لتقديم التعويضات المرضية للجانب الروسي، وذلك عبر بلورة رأي عام تركي داخلي ضاغط ومناهض لسياسات أردوغان في هذا الخصوص، إن من خلال الإجراءات الانتقامية والتدابير العقابية الاقتصادية المتنامية التي شرعت موسكو في فرضها على أنقرة، أو عبر اللعب على وتر اهتزاز ثقة غالبية الشعب التركي في طبيعة وحدود المساندة التي يمكن أن تتلقاها بلادهم من الأميركيين والحلف الأطلسي.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة