الأردن يدخل موسوعة "جينيس" بعدد المتبرعين بقرنياتهم بعد الوفاة.. والجدل يتواصل
التبرع بالأعضاء يثير جدلًا واسعًا بالأردن،وبالرغم من أنه سيمنح شخصًا آخر حياة أو أملًا بحياة أفضل،إلا أنه يواجه رفضًا مجتمعيًّا أحيانًا
منذ طفولته وهو يجري بحثًا عن النور، النور الذي سيخرجه من ظلام المعاناة، المحامي الأردني عمرو مقدادي أبصر النور بعد أربعة عشر عامًا من الظلمة، ويقول: "كل يوم كنت انتظر أملًا جديدًا، لعلي أبصر الحياة، وبعد زراعة القرنية لي من قبل المرحوم بسام ابو نجم، رأيت الحياة بألوانها، واستطعت أن أكمل دراستي الجامعية بتخصص المحاماة، ما أعظم أن يمنح الإنسان حياة كاملة لمن يحتاجها".
ويروي مقدادي حكايته: " كم هو مخيف الظلام، ولا أحد يستطيع معرفته إلا من ذاقه، وبالنسبة لي سأتبرع بما يصلح من جسدي بعد وفاتي؛ لأنني شعرت معنى المعاناة والخوف والألم، فلماذا لا أتبرع وأنا قد انتقلت لمرحلة الموت، ليستفيد غيري ممن هم على قيد الحياة، فهذا عمل خير ولكل متبرع الأجر والثواب".
موضوع التبرع بالأعضاء يلقى جدلًا واسعًا في الأردن، ويختلف قبول هذه الفكرة من شخص إلى آخر، وبالرغم أن التبرع بأي عضو سيمنح الشخص المحتاج حياة وأمل بحياة افضل، إلا أن هذه العملية محفوفة بالكثير من التساؤلات والرفض المجتمعي أحيانًا.
التبرع بالأعضاء لا يقتصر فقط من نقل أي عضو أو نسيج من الشخص الذي يرغب بالتبرع إلى الشخص المحتاج، بل أيضًا يشمل نقل أي عضو أو نسيج من الشخص المتوفي إلى الشخص المحتاج.
مقبول عند الشباب
غيداء حمدان ناقشت فكرة التبرع بالأعضاء مع أسرتها بعد وفاتها، إلا أنها لم تجد قبولًا من قبل الأسرة، وتقول: "لا مانع عندي من أن أتبرع بعد وفاتي بما يصلح من الأعضاء لأي شخص محتاج، ولكن عندما ناقشت الموضوع مع عائلتي، بدأت أمي بالصراخ حتى أنها لم تمنحني فرصة لشرح تفاصيل الموضوع".
تعتقد غيداء وهي طالبة جامعية، أن فكرة التبرع بالأعضاء غير مرفوضة بالأجيال الجديدة، في حين أن الأجيال القديمة يرفضون الفكرة قطعيًا، وتقول: "تناقشت مع صديقاتي في الجامعة بالموضوع بكل هدوء ولم أجد رفضًا، ولكن اكتشفنا أن الأهل لديهم خوف من المساس بالجثة بعد الموت؛ لأن التبرع سيتضمن عمليات جراحية للمتوفي، ومن هنا جاء الرفض".
في حين أن الثلاثيني محمد خير يرفض التبرع بالأعضاء ولكن بشكل جزئي، ويقول: "أقبل التبرع بكليتي أو أي نسيج مني وأنا على قيد الحياة، ولكن لا أقبل بعد الموت أن أتبرع بأي عضو؛ لأنني لا أعرف مدى مصداقية الجهات التي ستأخذ أعضائي، وهل فعليًا ستمنحها لشخص محتاج بدون ثمن، أم أنهم سيبيعون هذا العضو، لذلك أرفض التبرع بعد الموت، وأفضل أن يتركوني بسلام".
صدقة جارية لابني
وفي المقابل يوجد أشخاص كثر استطاعوا تقبل فكرة التبرع بالأعضاء، وتبرعوا بأعضاء ممن فقدوهم، المهندس شوكت عبابنة، تبرع بقرنيات ابنه "غيث"، يقول شوكت: " شاءت الأقدار أن يرحل ابني "غيث" نتيجة لحادث سير، وبعد يوم من الوفاة كان تشريح الجثمان، وقد سخرني ربي لأن اتخذ قرارًا بالتبرع بقرنياته لمن يحتاجها من خلال بنك العيون الأردني، وفاة الابن مصاب يصعب شرحه، فالحزن الذي انتابني على وفاته كبير، إلا أنني قررت التبرع بقرنياته لعل شخص يبصر النور، وبالفعل تم التبرع لشخصين تعرفت عليهم، وأتمنى أن يكون لابني صدقة جارية وأجر وثواب".
4 آلاف قرنية
ويجد نائب سمو الامير رعد بن زيد رئيس الجمعية الأردنية لتشجيع التبرع بالأعضاء، أحمد جميل الخانجي: "إن ثقافة التبرع بالأعضاء في التسعينات كانت شبه معدومة، وفي ذلك الوقت تم تأسيس جمعية أصدقاء بنك العيون الأردني والوقاية من فقدان البصر في عام 1979، وبعد مضي عشر سنوات تم الحصول على أول قرنية، وأثار ذلك عواطف المرحوم الملك الحسين بن طلال وتبرع بقرنيته بعد الوفاة وأوصى المواطنين بالتبرع لأهمية الأمر، وقد حصلنا الآن على أكثر من 4 آلاف قرنية، يبلغ ثمنها لو تم استيرادها من الخارج قرابة 6 ملايين دولار".
ويضيف الخانجي: "دخل الأردن موسوعة جينيس للأرقام القياسية العالمية بسبب توقيع حوالي 50 الف مواطن تبرعوا بقرنياتهم بعد الوفاة، وبعد التوسع بموضوع التبرع تم تأسيس الجمعية الأردنية لتشجيع التبرع بالأعضاء، ويتم من خلالها معظم حالات زرع الكلى والكبد والرئتين والقلب، وتكون عمليات نقل وزراعة الكلى من حي إلى حي، ولكننا نكثف الجهود لتصبح من متوفي إلى حي".
95% نسبة النجاح
أما أخصائي جراحة الأوعية الدموية وزراعة الكلى، الطبيب وليد مسعود، فيجد أن أهم شروط التبرع، هو سلامة العضو الذي سيتم التبرع به، ويقول: "يخضع الشخص الذي يود أن يتبرع، سواء في حال كان متوفي أو على قيد الحياة، لفحوصات معقدة وبسيطة لمعرفة سلامة العضو، وكذلك الشخص الذي سيتم نقل العضو إليه، هنالك بعض الحالات التي لا نستطيع أخذ أعضاء منها وهي: مرضى السرطان بأنواعه المختلفة، وإن كان لدى الشخص التهابات فيروسية وبكتيرية في الدم كأمراض الكبد والكثير من الأمراض".
ويضيف مسعود: "نسبة النجاح في نقل وزراعة الأعضاء تبلغ 95 %، وتتم عملية النقل والزراعة بشكل مجاني في مستشفى المدينة الطبية، لتشجيع ثقافة التبرع والتخفيف المادي على كاهل الحكومة في علاج الأمراض، فمثلًا مرضى الفشل الكلوي الذين يغسلون الكلى بشكل دوري يكلفون الحكومة ما يقارب 35 مليون دينار سنوي، ويقارب عددهم 3 آلاف شخص، وإذا تمت زراعة كلية لـ 70 شخص منهم سيتم توفير مليون دينار من التكلفة.
جائز شرعًا
ومن الناحية الشرعية يبين أمام الحضرة الهاشمية، الدكتور أحمد هليل :" إن التبرع بالأعضاء جائز شرعًا، فالإبقاء على حياة الإنسان مقصد ثابت من مقاصد الشريعة، وذلك بالسعي بمعالجته طبيًا بالأدوية والعقاقير الصناعية وبالأعشاب أو بالأجهزة الصناعية، فإذا لم تنجح هذه المعالجات وتحقق الأطباء من عدم نجاحها في الإبقاء على حياة الإنسان والمحافظة عليه بمشيئة الله تعالى من خلال إنسان آخر متبرع على قيد الحياة أو من إنسان ميت كان قد أوصى هو بذلك أو وافق أولياؤه على ذلك، وإذا اقتضى الأمر سرعة الإسعاف والإنقاذ لحياة الإنسان جاز نقل العضو من الميت دون وصية مسبقة أو موافقة أوليائه".
ويؤكد هليل أن لا بد من مراعاة الأمور التالية: مراعاة الأحكام الشرعية، المحافظة على حرمة المتبرع، أن يتحقق الأطباء من نجاح عملية الزراعة، إذا أوصى المتبرع أثناء حياته بتبرعه ببعض أعضائه بعد موته لا بد من التاكد من وفاته قبل نقل العضو منه لغيره، وأن يستنفذ الأطباء جهدهم من الأدوية والعقاقير والأعضاء الصناعية وغيرها.
aXA6IDMuMTQ1LjM5LjE3NiA= جزيرة ام اند امز