اللاجئون نموذجًا.. روسيا تظهر في سوريا عسكريًّا وتخفت إنسانيًّا
بداية من التدخل السياسي في الأزمة السورية منذ نشوبهاعام 2011 حتى التدخل العسكري المباشرهذا العام تتدخل روسيافي مفاصل حياة الشعب السوري
وتعد روسيا لاعبًا رئيسيًّا في القضية السورية وقد تكون أحد أسباب إطالة الأزمة التي تنعكس على استمرار زيادة موجات اللجوء السوري، إلا أنها ترفض في الوقت نفسه منح صفة اللجوء للسوريين الموجودين على أراضيها، وتدير ظهرها عن تقديم أي مساعدة مادية لهم على الرغم من انضمامها إلى فئة البلدان الغنية في العالم منذ عام 2013، حسب التقييم السنوي للبنك الدولي.
ويعاني السوريون في روسيا، ويبلغ عددهم نحو ألفي لاجئ -وهو عدد ضئيل جدًّا مقارنةً بأعداد اللاجئين التي تستضيفهم دولا أوروبية- أوضاعًا صعبة جدًّا، فهم، حسب حديث اللاجئ السوري قيس إسحاق لـ"بوابة العين"، لا يتلقون أي مساعدات مادية من السلطات الروسية ولا من أي جهة أخرى ويُتركون لمواجهة صعوبات العيش في هذا البلد المرتفع التكاليف وحدهم، بل يتعرضون للابتزاز في دوائر الهجرة الروسية للحصول على اللجوء المؤقت، على حد قوله.
وأضاف إسحاق الذي ترك روسيا لطلب اللجوء في الدنمارك، أنه "على الرغم من تعليمات دائرة الهجرة الروسية بمنح السوريين حق اللجوء المؤقت، إلا أن هذا لا يطبّق إلا نادرًا ويخضع اللاجئون لإجراءات بيروقراطية طويلة، ويتم رفض الكثير من طلبات اللجوء، مما يضطر الكثيرين إلى الإقامة في روسيا بصورة غير شرعية، الأمر الذي يحرمهم من الاستفادة من الخدمات الأساسية كالتعليم والعلاج".
وخصصت السلطات الروسية ثلاثة معسكرات لاستيعاب اللاجئين السوريين في ثلاث مدن هي: سراتوف، وتفير، وبيرم، غير أن "الطاقة الاستيعابية لهذه المعسكرات مجتمعة لا تزيد على 150 عائلة، وظروف المعيشة في هذه المعسكرات هي أقرب ما تكون إلى السجن، مما يدفع الكثير من اللاجئين إلى الهروب إلى دول أوروبية"، كما يقول إسحاق.
أما اللاجئ السوري محمد ضاهر، القادم من مدينة درعا جنوب سوريا، فقد قرر الرحيل من هناك عام 2013 "هربًا من جحيم الحرب"، وكانت روسيا واحدة من الوجهات القليلة التي ما زالت متاحة فاشترى تأشيرة سياحية وسافر إلى روسيا بصحبة زوجته وأطفاله الأربعة.
وعن طبيعة المشكلات التي تواجهه في روسيا قال ضاهر لـ"بوابة العين": "المشكلات بدأت منذ وصلنا المطار فقد احتُجزنا لساعات طويلة قبل إطلاق سراحنا، ومنذ يومنا الأول انتابنا شعور بالخوف والضياع، وتمنينا لو كان باستطاعتنا العودة، ولم أكن أعرف إلى أين أذهب، فكلفة العيش هنا مرتفعة، ولم يكن في جيبي سوى 1600 دولار أمريكي".
وبمساعدة قريب له يعيش في روسيا وبعد مراجعة المفوضية السامية للاجئين، حصل عام 2014 على ما يُعرف بـ"اللجوء المؤقت" لكنه يقول: "طوال تلك الفترة لم نتلقَّ أي معونة من أي جهة كانت، بينما بقي أطفالي دون مدرسة لعام ونصف إلى أن تسنّى لي إدخالهم مدرسة روسية".
ويعمل أبو محمد حاليًّا نادلًا في أحد المطاعم العربية، ويتقاسم شقة صغيرة من غرفة وصالة مع أسرة سورية لاجئة تتألف من زوجين وطفل، وهو بالكاد يستطيع سداد الحد الأدنى من احتياجاته، ويأمل أن يتمكن من اللجوء إلى إحدى الدول الاسكندنافية حيث يلقى اللاجئون معاملة أفضل، على حد قوله.
لكن وضع اللاجئ أبو براء كان أسوأ حالا بكثير من سابقيه، وهو نادم بشدة على أنه قدم إلى روسيا ولديه نية التوجه إلى أوروبا لطلب اللجوء هناك.
ووصف أبو براء معاناته في روسيا عندما قال لـ"بوابة العين": "أنا وعائلتي نعاني الأمرّين في روسيا وأظن أن العديد من اللاجئين السوريين يعيشون الأمرّين أيضًا، حيث إن بعضنا لا يخرج من مسكنه في ضواحي العاصمة موسكو إلا نادرا وتحت جنح الظلام، خوفًا من الشرطة التي تتعرض لنا بسبب عدم حيازتنا على أي وثائق".
وأضاف أبو براء أن "الحصول على وثيقة اللجوء المؤقت أمر في غاية الصعوبة، والأمر يكلف دفع رشوة بقيمة 700 يورو على أقل تقدير، وإن تجديد حق اللجوء لمدة ثلاث سنوات غالبًا ما يجابَه بالرفض أو يستغرق أيامًا وليالي".
أما معز أبو الجدايل، عضو اللجنة المدنية للمساعدات الإنسانية لدى مفوضيه اللاجئين في موسكو، فقال إن دور اللجنة لا يخرج عن نطاق تقديم الاستشارات والنصائح القانونية للاجئين وتسجيلهم في سجلات المفوضية ومنحهم رسائل للتوجه للسلطات الروسية.
وأوضح أبو الجدايل في تصريحات صحفية أن تصنيف وزارة الخارجية الروسية للأوضاع في سوريا على أنها "غير مستقرة وليست حربًا يوجِد غطاءً قانونيًّا لرفض كثير من طلبات اللجوء، ومن يتقدمون بطلبات اللجوء في المطار قد يُتركون لعدة أيام في ظروف صعبة لحين النظر في طلباتهم، أو يعودون من حيث أتوا بحجة أن تأشيرة الدخول مزورة مع أنها صادرة من السفارة الروسية في دمشق".
وأعرب عن أمله في أن "يكون لروسيا دور أكبر في تخفيف معاناة اللاجئين السوريين لا سيما أن روسيا دولة تقدم نفسها كحليفة لسوريا وصديقة للشعب السوري، وذلك بتسريع الإجراءات الروتينية للحصول على اللجوء، وإيجاد أماكن لاستقبالهم وبرامج لاستيعابهم، والعمل على تقديم بعض المساعدات المادية لهم لحين حصولهم على فرصة عمل".
في مقابل تلك الروايات، قالت ماريا زخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، في تصريحات لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية مؤخرًا، إنه "منذ سنة 2011 تقدم روسيا حق اللجوء المؤقت للسوريين، فعلى عكس أوروبا، نحن نعيش المشكلة منذ وقت طويل، ذلك أننا نتصرف وفق القانون الروسي، بينما الاتحاد الأوروبي يتصرف وفق الأحداث الخارجية".
وحسب الإحصائيات الرسمية، منحت روسيا حق اللجوء الدائم لسورييْن اثنين فقط، وأن أكثر من 7650 سوريًّا في روسيا هم لاجئون لفترة مؤقتة، ولا تُجدد إقاماتهم إلا بشق الأنفس.
وتختلف سياسات دول العالم في تعاملها مع أزمة اللاجئين السوريين، وحول منحهم حق اللجوء من عدمه.
ففي حين تمتنع دول أخرى ذات دخل مرتفع، مثل الصين، واليابان، وسنغافوة، وتشيلي، وكوريا الجنوبية، إلى جانب روسيا، عن تقديم أي دعم سواء كان الدعم ماديًّا أو إتاحة الفرصة لإعادة توطين السوريين، وذلك حسب منظمة العفو الدولي، كما يمتنع عديد من الدول الأوروبية أيضًا عن استقبال أي لاجئ سوري على أراضيها، وهذه الدول هي: كرواتيا، قبرص، جمهورية التشيك، استونيا، لاتفيا، بولندا، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا... يفتح عديد من الدول العربية والأوروبية أبوابها لاستقبال اللاجئين السوريين (دول الجوار مثالا) وتضم نحو أربعة ملايين لاجئ موزَّعين بين تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.
كما استقبلت دول أوروبية مثل ألمانيا والسويد وفرنسا والدنمارك وبريطانيا والنرويج ما يزيد على 200 ألف لاجئ سوري، إلى جانب 1500 لاجئ في أمريكا، و2.370 سوري في كندا مع تعهد الحكومة الكندية بقبول 10 آلاف لاجئ سوري على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
aXA6IDMuMTQ0LjIuNSA= جزيرة ام اند امز