افتح افتح افتح... تلك هى حملات التأهب القصوى لمقاومة الإرهاب.. حملات تبدأ بمراقبة مدى انضباط الناس للنظام العام والآداب العامة والأخلاق
افتح فمك وتنفس لأتثبت هل أنك مخمور أم لا
افتح يديك لأتبين هل تحمل الزطلة (مخدرات) أم لا
افتح حاسوبك لأرى هل تشاهد أفلام البرنو أم لا
افتح صفحتك على الفيس بوك لأراقب ما تكتب
افتح يديك لنتأكد أنك لامست صديقتك
افتح افتح افتح... تلك هى حملات التأهب القصوى لمقاومة الإرهاب.. حملات تبدأ بمراقبة مدى انضباط الناس للنظام العام والآداب العامة والأخلاق لتنتهى بالقبض على المشبوه فيهم.
ينتقد الناشطون الحقوقيون وعدد من السياسيين فى المعارضة وضع الحريات فى تونس مؤكدين أنها حملات تتماهى مع هيئات «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» ويذهب بعضهم إلى أن هذه الممارسات تندرج فى إطار التشويش على حكومة بقيادة ندائية ادعت أنها قادرة على الحفاظ على «نمط حياة التونسيين» فإذا بحملات الشرطة الأخلاقية تضيق الخناق على المواطنين وتذكرهم بسالف العهد. وبعيدا عن نظرية المؤامرة يميل بعضهم إلى اعتبار هذه الحملات رد فعل من قبل الجهاز الأمنى لاستعادة موقعه والدفاع عن «هيبته» بعد أن صار هدفا للعمليات الإرهابية.
أما الأمنيون فإنهم يبررون هذه الوتيرة المتسارعة فى تتبع المشتبه فيهم ومراقبة الآداب العامة بأنها «تنفيذ للقوانين» وعلامة دالة على «تفعيل النصوص التشريعية» وإشارة مطمئنة للتونسيين. فأمنهم مستتب وشرطتهم «الجمهورية والمدنية» بسطت نفوذها على المجال العمومى وحتى الخاص. ويعتبر بعض المسئولين فى النقابات الأمنية أن الانتهاكات المسجلة فى حق المواطنين ليست إلا حالات «شاذة» لا يمكن الارتكاز عليها لانتقاد المؤسسة الأمنية التى تسعى جاهدة إلى أداء عملها فى ظروف قاسية. وهكذا يحول النقاش من دعوة المؤسسة الأمنية إلى مراجعة سياساتها الإصلاحية والاعتراف بمواطن التقصير والتجاوز إلى الدعوة إلى التنويه بأداء الأمنيين والإعلاء من شأن المؤسسة والعمل على تحسين الظروف الاجتماعية لكل العاملين فيها والنظر إليهم على أساس رابطة المواطنة.
ولئن كانت مطالب الأمنيين مشروعة بالنظر فى ظروف عملهم القاسية فإن تحويل وجهة الموضوع لافت للانتباه. فبدل البحث فى أسباب هذه الصحوة المفاجئة والرغبة فى تفعيل نصوص تعود إلى القرن الماضى قد تجاوزها الواقع الاجتماعى المتحول وما عادت تتلاءم مع طبيعة العصر يصر عدد من المسئولين الأمنيين على أنهم ينفذون القوانين فهذا هو واجبهم.
●●●
إن التجاوزات الأخيرة (حجز فتاة قاصر وتصويرها وتنزيل الفيديو، مطالبة الركاب بفتح أفواههم للتأكد من عدم احتسائهم للخمر...) مثيرة للجدل باعتبار أنها تشير إلى تعدد الفهم للنصوص القانونية من جهة، واختلاف المناظير بشأن التطبيق ومن ثمة السلطة التى يمتلكها الشرطى. فهل الأمنى والقاضى ينفذان التشريعات التى بقيت متخلفة عن روح الدستور والحقوق الجديدة التى تضمنها، بطريقة آلية تلغى إعمال العقل أم أنهما مطالبان بالتفكر فى روح النصوص وتأويلها وفق منظومة قيمية حكمت مسار كتابة الدستور والسياق الانتقالى وأهمها اعتبار كرامة المواطنين فوق كل اعتبار؟
وبالإضافة إلى ما سبق ما الذى يجعل شرطية، وهى موظفة عمومية تحل فى لبوس الداعية فتتوجه إلى فتاة ألقى عليها القبض بتهمة «شتم البوليس» على صفحات الفيس بوك بعبارات من قبيل «أنت كافرة وملحدة، ولا مكان لك بيننا». إن هذه التجاوزات معبرة فى قسم منها، عن تدخل الأيديولوجى فى الأداء المهنى الوظيفى فكل من احتل موقعا صار يستغله للتعبير عن مواقفه وآرائه وقد لمسنا ذلك فى المؤسسة التربوية إذ انقلب عدد من المعلمين والمعلمات والأساتذة إلى دعاة يسوسون الأطفال بمنطق الإمام فى المسجد وعاينا ذلك أيضا فى بعض المؤسسات العامة.
تبقى طريقة التعامل مع هذه الأحداث معبرة عن عسر استيعاب مفهوم المواطنة وثقافة حقوق الإنسان وميل بعض الناس إلى استغلال نفوذهم.. كل ذلك من أجل حمل الناس على الانضباط «لروح الشريعة» حتى وإن أدى ذلك إلى ممارسة العنف.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة