الكتب الأبرز في 2015.. عودة إلى السير والتوثيق
شهد العام 2015 كمَّا كبيرًا من الإصدارات الأدبية وغير الأدبية والكتب المترجمة، ما يمثل مائدة متنوعة أمام قارئ
رغم كل ما يقال عن ضعف حركة النشر في مصر والعالم العربي، والشكاوى التي يرددها الناشرون والكتاب عن مشاكل التوزيع والتسويق والعراقيل التي تواجه سوق الكتاب عموما، فإن سيل الكتب والإصدارات يكاد لا ينقطع على امتداد العالم العربي كله، أدبا وفنا ودراسات وفكرا، للدرجة التي يصعب معها الحصر الدقيق لكل العناوين التي صدرت طيلة عام واحد.
ورغم ذلك، فإن العام 2015 شهد كمَّا مهولا من الإصدارات الأدبية (رواية وقصة قصيرة وشعرا)، وغير الأدبية (فكرا وتاريخا وفلسفة وسيرة ذاتية.. إلخ)، والكتب المترجمة، ما يمثل مائدة متنوعة الأشكال والصنوف أمام القارئ الذي لن يجد مفرا من الانتقاء والاختيار بحسب اهتماماته وتفضيلاته الخاصة.. هنا وفي هذا العرض الموجز قائمة بأبرز عشرة كتب (غير أدبية) صدرت في 2015 نرشحها للقراءة باعتبارها من أفضل أو أهم الكتب التي صدرت خلال العام، من واقع متابعة وقراءة إصدارات السنة، وغنيّ عن البيان أنها اختيارات صاحبها وتمثل تفضيلاته الخاصة وذائقته الفنية والأدبية، ولا تمثل إلا رأيه ولا تحمل أي نوع من التعميم أو الحكم، لكنها تمثل اجتهاده الخاص في الاختيار والتفضيل..
الكتب غير الأدبية الأبرز في 2015..
«مكتوب على الجبين ـ حكايات على هامش السيرة الذاتية» لجلال أمين
يمثل هذا الكتاب (صدر عن دار الكرمة للنشر والتوزيع) الجزء الثالث من سيرة جلال أمين الذاتية التي استهلها بـ «ماذا علمتني الحياة؟» وثناها بـ «رحيق العمر»، ولاقى الكتابان حين صدورهما قبولا رائعا من القراء وراجا بشكل منقطع النظير.
في 288 صفحة من القطع المتوسط، تحتل حكايات جلال أمين موضعها ومكانها، كمقالات طويلة (أو فصول تتفاوت قصرا وطولا) يمكن أن تقرأ بتسلسلها الطبيعي، أو كفصول مستقلة منفصلة... خمسة أبواب تضم تحتها عددا من الفصول يجمعها موضوع واحد، وإن اختلفت تفصيلاته وأحداثه حسب ما استدعته ذاكرة صاحبها عن شخصية من الشخصيات أو حدث من الأحداث، ففي الباب الأول (عائلتان محترمتان) جمع جلال أمين ما كتبه في مناسبات متفرقة عن عائلته؛ والديه، أشقائه، أسرة زوجته الإنجليزية.. ورغم أن جلال أمين قد تحدث بوفرة واستفاضة عن أسرته في كتابيه السابقين، فإنه هنا يركز حديثه على شخصية بعينها أو موقف بذاته، يجتليه على صفحة الذاكرة، ويكثف رؤيته في ما يعتبره مفتاحا لهذه الشخصية أو ذاك.
«القاهرة ـ خططها وتطورها العمراني» لأيمن فؤاد سيد
ربما يكون هذا الكتاب المرجعي الضخم، أهم ما صدر عن مدينة القاهرة، تاريخها وخططها وتطورها العمراني، ويتناول تطور عواصم مصر الإسلامية منذ فتح عمرو بن العاص لمصر عام 20 هجرية، وإنشاء مدينة الفسطاط كأول عاصمة إسلامية فى أفريقيا، ثم تطور العواصم مع العسكر العباسية والقطائع الطولونية التى كوّن مجموع هذه المدن الثلاثة عاصمة مصر الاقتصادية غداة تأسيس الفاطمية لمدينة القاهرة أول عاصمة ذات أسوار وأبواب فى مصر الإسلامية، والتي منحت اسمها بعد ذلك لمجموع عواصم مصر الإسلامية. ما يميز الكتاب إضافة إلى اعتماد جميع هذه المصادر وجميع الأوقاف والوثائق، اعتماده على الوصف المرئي الذي قام به المستشرقون في عهد محمد علي قبل اختراع التصوير، مع عقد مقارنة بينها وبين الوضع الراهن لهذه المباني. أما أثمن ما في الكتاب هو المجلد الضخم الذي ألحق به، ويحتوي على أكثر من 500 صورة حديثة توضح المعالم الأثرية للقاهرة منذ العصر الطولوني وحتى القاهرة الحديثة في منتصف القرن العشرين، بالإضافة إلى سلسلة من الخرائط التفصيلية التي توضح آثار القاهرة الإسلامية، وأيضاً خريطة ماتيو بجانو، وهي أول خريطة تُرسل للقاهرة فى عصر السلطان المملوكى قايتباي، وخريطة وصف مصر التي تعد الأساس الذي رسمت عليه خرائط القاهرة التى نشرت في وصف مصر، وكذلك خريطة جراند بك للقاهرة في عصر الخديوى إسماعيل 1874.
«من الأرشيف السري للثقافة المصرية» لغالي شكري
هذا كتاب صغير الحجم، لا يتجاوز عدد صفحاته 142 صفحة من القطع الصغير، صدر ضمن إصدارات مكتبة الأسرة الشعبية الشهيرة في 2015، صدرت طبعته الأولى عام 1975 في بيروت عن دار الطليعة، ويبدو عنوانه مشوقا يحمل قدرا من الإثارة ويفجر فضولا متناميا في نفس قارئه، خاصة إذا كان من المهتمين بتاريخ الثقافة المصرية خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. جاء توقيت صدوره في منتصف السبعينيات ليسجل غالي شكري شهادته المهمة حول وقائع عايشها وعاينها حول من أطلق عليهم "كتّاب اليمين" بين عصري عبد الناصر والسادات. تطال الحكايات أسماء توفيق الحكيم، ويوسف السباعي، والشاعر العراقي مهدى الجواهري، والشاعر صالح جودت، وإحسان عبد القدوس، والأخوين مصطفى وعلي أمين.. ويرصد الكتاب بجرأة تحسب له وبيد ثابتة دونما ارتعاش صعود من أطلق عليهم غالي شكري "مثقفي اليمين" ليتبوَّؤوا مقاعدهم من السلطة، ويتحالفوا معها، ويرصد بوضوح الدور الذي أداه بعضهم لتمرير سياسات وأهداف نظام السادات، داخليا وخارجيا، ولو على حساب التاريخ وضمير المثقف كيفما يجب أن يكون!
«جمال عبد الناصر الأوراق الخاصة» هدى جمال عبد الناصر
في ثلاثة مجلدات ضخمة، وبمناسبة الذكرى الستين لثورة يوليو، أعادت مكتبة الأسرة نشر «الأوراق الخاصة» للزعيم جمال عبد الناصر، عكفت على جمعها وإعدادها ابنته هدى عبد الناصر، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تحوي كتابات بخط يده تعليقا على الأحداث التي مرت بها مصر والعالم العربي، والتي توضح منهج فكره الوطني والقومي العروبي. هذه الأوراق لم تكن معدة للنشر، دونها الزعيم الراحل لنفسه، لذلك خرجت بلا حسابات، معبرة عن أفكاره وأحلامه دون تعديل أو تنقيح. جاء الجزء الأول في 450 صفحة من القطع الكبير عن "جمال عبد الناصر طالبا وضابطا"، والثاني في 620 صفحة عن "الثورة في سنواتها الأولى"، أما الثالث فيقع في 632 صفحة عن "تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي".
«الفن وتطور الثقافة الإنسانية» لشاكر عبد الحميد
يأتي هذا الكتاب الضخم (يقع في 310 صفحات من القطع الكبير) للناقد الفني وأستاذ علم نفس الإبداع، الدكتور شاكر عبد الحميد (وزير الثقافة المصري الأسبق)، والصادر عن دار ميريت للنشر، ليسد فراغا هائلا في المكتبة العربية، موسوعة حقيقية في الفنون وعلاقتها بتطور الثقافة الإنسانية عبر العصور، يستكمل فيه مؤلفه محاولاته الدؤوب للبحث عن معنى "الفن"، وكذلك فهم معنى "الثقافة" بالتوازي مع محاولة جادة ومستقصية لاستكشاف تطور الاهتمام بالإنسان عبر الفن، من خلال لوحات البورتريه، وتطور صناعة النجوم في عالم السينما، وفي الصور الفوتوغرافية وعلاقتها بالحياة والموت.
وعبر مقدمةٍ، وسبعة فصول يخوض شاكر عبد الحميد رحلة عامرة بسياحات رائعة في مختلف الفنون، تاريخها وتطورها وموضعها من الثقافة المعاصرة، يستهلها بفصل رائع عن مفهوم الثقافة عامة، وعلاقته بالفنون خاصة، ويتتبع التعريفات التي لا تحصى للمفهومين الشائعين، محاولا الربط بين هذه التعريفات المتناثرة والوصول إلى الجوهري والمشترك بينها.
«شارع الهرم وفرق موسيقى الشباب في السبعينيات» لعادل أسعد الميري
هذا الكتاب الذي صدر عن دار آفاق للنشر والتوزيع في صيف 2015، للكاتب والروائي عادل أسعد الميري، حلقة من حلقات السيرة الذاتية لصاحبها، أراد لها أن تكون في قالب روائي، دون أن تتخلى عن طابع المذكرات وإيراد المعلومات الشائقة حول "شارع الهرم وفرق موسيقى الشباب في السبعينيات".
يحكي المؤلف في سرد متدفق عن العصر الذهبي لشارع الهرم الشهير في السبعينيات، والذي استمر حتى أحداث الأمن المركزي في العام 1986.. إنه أيضا العصر الذهبي للفرق الموسيقية العربية والغربية، كان الميري عضوا في فرقة لعزف الأغنيات والموسيقى الغربية، وبالتالى فإن شهادته على المكان والبشر من قلب الصورة، ومن أفضل زاوية. دراما إنسانية عميقة تؤشر إلى تغيرات اجتماعية واقتصادية هامة وخطيرة. تاريخ لن يُعثر عليه سوى في الصدور الحزينة الملبدة بالحلم. شهادة دالة على زمن التحولات الكبرى فى حياة مصر والمصريين والعرب أيضا.
«الكارو والمرسيدس ـ حداثة لم تكتمل» لهبة شريف
صدر هذا الكتاب المدهش، صغير الحجم (112 صفحة من القطع الصغير)، عن دار سلامة بالقاهرة، في يناير 2015، للناقدة وأستاذة الأدب الألماني الدكتورة هبة شريف، وسبب الإدهاش ليس صغر حجم الكتاب ولا ما احتواه من أفكار قد لا تبدو جديدة بالنسبة للكثير من المثقفين المصريين والعرب، ولكن من الطريقة التي تم عرض هذه الأفكار من خلالها، فالكتاب يعالج معضلة "الحداثة" في مجتمعاتنا، ويحاول أن يجيب عن السؤال المرهق: لماذا نعاني الازدواجية المرعبة بين مظاهر لثقافة حديثة، أشكال خارجية، قشرة برانية، مجلوبة ومستجلبة من احتكاكنا بالثقافة الغربية، وبين ثقافتنا القديمة الراسخة المتجذرة في بنية الوعي واللا وعي على السواء، على مستوى السلوك والحكم والتصرف، وتعود إلى مشكلات وقضايا وطريقة تفكير ترتد بنا إلى القرون الوسطى؟
«صوت من المنفى ـ تأملات في الإسلام» لنصر حامد أبو زيد
هذا الكتاب المهم يروي سيرة المفكر الراحل نصر أبوزيد كما رواها للباحثة الأمريكية إيستر نلسون، يمثل هذا الكتاب مع كتاب جمال عمر (أنا نصر أبو زيد) مدخلا رائعا لقراءة نصر أبو زيد، وتمهيدا ممتازا لقراءة كتبه ودراساته المتعددة، وكذلك التعرف على أبرز ملامح مشروعه الفكري، النقدي، ومفاهيمه التي استخدمها في أبحاثه وكانت سببا في هجوم الإسلاميين عليه.
يقول نصر أبو زيد: "اتصلت بي باحثة من جامعة أمريكية، اسمها "إيستر نلسون"، في مايو، وأتت للقائي بهولندا، التقينا على مقهى أسفل مترو لايدن، شمرت أكمامي للحوار، طلبت مني أن أكتب كتابا عن حياتي باللغة الإنجليزية، يعرض رحلتي الشخصية والفكرية، دون التركيز على وقائع القضية، أخبرتها باستخدامي للغة الإنجليزية كلغة علمية، لكن أجد صعوبة في الكتابة بها كلغة قص. واهتماماتي الأكاديمية تجعل كتابة كتاب عملية صعبة. فعرضت عليّ أن نتحدث وتسجل هي حوارنا، ثم تصيغ الكتاب بالإنجليزية وأراجعه وأدخل عليه التعديل. ثم أرسلت لي "استير نلسون" بالإيميل، مخطوطة كتابنا عن حياتي، بالإنجليزية، تحت عنوان «صوت من المنفى».
«صورة العربي في سرديات أمريكا اللاتينية».. مشروع كلمة للترجمة أبو ظبي
في هذا الكتاب الذي ترجمه عن الإسبانية أحمد عبد اللطيف، يحاول البروفيسور الكوبي المتخصص في الشؤون العربية، ريجوبيرتو مننديث باردس، تتبع هذا الأثر الذي تركه العرب المهاجرون ورصد التحول الثقافي لدول أمريكا اللاتينية، التحول الذي ترك بصمته اللافتة في أدب هذه القارة وساهم، إن لم يكن أنشأ، أحد أهم التيارات الأدبية التي ظهرت في القرن العشرين "الواقعية السحرية".
اختار المؤلف أبرز تجليات هذا التأثير، فأورد نماذج من أعمال الكُتّاب الأكثر تأثيرًا في الأدب العالمي: جابرييل جارثيا ماركيز، خورخي لويس بورخس، جورجي أمادو، إيزابيل الليندي، ورصد فيها ظهور شخصية "العربي".
«موت في فلورنسا.. أسرة ميديتشي، وسافونارولا، والصراع على روح النهضة».. مشروع كلمة للترجمة
يؤرخ هذا الكتاب لصاحبه المؤرخ البريطاني بول ستراثيرن (ترجمه إلى العربية الكاتب والمترجم الأردني ناصر مصطفى أبو الهيجا) لبدايات عصر النهضة كما تجلت في فلورنسا مع نهايات العصر الخامس عشر، حين مثلت أسرة ميديتشي الروح الإنسانية الجديدة، وذلك بما اضطلعت به من رعاية للفن والفنانين من أمثال بوتيتشيلي، وميخائيل أنجلو. ويسلط ستراثيرن الضوء على الصراع الذي شهدته فلورنسا في ذلك العصر، وقد مثّل قطباه "لورينزو ميديتشي" الملقب بالعظيم، والراهب "سافونارولا" الممتلئ برؤى العهد القديم ونبوءاته القيامية تلك الرؤى التي وجدت صداها بين المواطنين المحرومين، الذين آثروا اليقينيات الكتابية القروسطية على الأسئلة الفلسفية ذات المشرب الإنساني، التي ميزت فكر عصر النهضة.