لم يمر عام 2015 على سوريا عابرًا، إذ شهدت وتيرة الأحداث تصاعدًا بدايةً من أزمة اللاجئين ومرورًا باشتعال المعارك بين الأطراف المتنازعة.
وأمام فشل اجتماعات جنيف هذا العام في إيجاد حل سياسي وقطعي للكارثة التي حلّت بالمنطقة الواقعة شرق شاطئ البحر الأبيض المتوسط، تمكّن تنظيم "داعش" من التمدد أكثر وأكثر، واستطاع وفي فترة وجيزة الاستيلاء على عدة مدن في كلٍّ من سوريا والعراق.
وحشية "داعش"
وبعد الإعلان عن تشكيل تحالف دولي يؤكد قيام القوات الأمريكية بالتعاون مع دول أخرى باستخدام المقاتلات الحربية وراجمات الصواريخ وصواريخ "توماهوك" للقضاء على "داعش" في الأراضي السورية، منذ سبتمبر/ أيلول 2014، باتت تصرفات عناصر التنظيم تأخذ منحى أكثر عنفًا وبطشًا مما كانت عليه في السابق.
وبدأ "داعش" ببث مقاطع فيديو لحوادث إعدام بشعة لضحاياه بدءا من الصحفيين وعمال الإغاثة الأجانب المختطفين من قِبلهم مثل جيمس فولي، وستيفن سوتلوف، ودايفيد هاينز، مرورًا بالمقطع المصوّر لحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، ثم إلى تصوير حالات الإعدام الجماعية التي لم تفرّق بين رجل وطفل وامرأة.
ولم يتوقف التنظيم الإرهابي عند بث مشاهد قتل كل بشر يحاول أن يحيد عن قواعده أو يعتدي عليه، بل الحجر أيضًا كان له نصيب وافر من جرائم "داعش"، فلم يتوانَ التنظيم عن هدم أي متحف أثري أو تمثال تاريخي يقع ضمن المناطق الخاضعة لسيطرته، بدعوى أنها "أصنام" يجب تدميرها.
ووسط كل هذا رحبت الحكومة السورية بأي جهود دولية لمحاربة الإرهاب بما في ذلك الضربات الأمريكية والدولية على الأراضي السورية، كما أعلنت أن الولايات المتحدة أبلغتها بالعمليات العسكرية التي سيقوم بها التحالف على أراضيها ولكن الولايات المتحدة نفت أي تنسيق مسبق مع الحكومة السورية بخصوص العمليات العسكرية ضد "داعش".
كذلك الأمر كان بالنسبة إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، عندما رحّب هو الآخر بالعمليات العسكرية الدولية واعتبر هذه العمليات تمثّل دعمًا له لتركيز جهوده في تنفيذ أهدافه.
إلا أن روسيا -التي تعتبر نفسها حليفة لسوريا حكومةً وشعبًا- استنكرت العمليات العسكرية بقيادة الولايات المتحدة على الأراضي السورية، معتبرة أن هذه العمليات تشكل انتهاكًا للسيادة السورية، على اعتبار أنها تمت خارج نطاق مجلس الأمن والشرعية الدولية.
لكن نقلة نوعية سرعان ما شهدها موقف موسكو إزاء الأزمة في سوريا، فمن "فيتو" الدفاع عن سيادة البلدان، ومنع التدخل الأجنبي، وحتى القصف والتدخل العسكري الصريح، مرّ الموقف الروسي بتطورات درامية كثيرة، وصلت إلى أن اعتبرها البعض "احتلالا".
وفي سبتمبر/ أيلول 2015، تواترت أنباء وتقارير إخبارية عن تعزيز روسيا -التي كانت تدعو دومًا للحل السياسي- من وجودها العسكري في سوريا، لتنفي موسكو على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها ماريا زاخاروفا، هذا الأمور، قائلة إنه "لا صحة لما تتناقله وسائل إعلام غربية، حول تغيير مزعوم في موقف روسيا، بشأن الحل المطلوب للأزمة السورية".
توسُّع عسكري
لكن سرعان ما خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 28 من الشهر نفسه، ليعرض في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خطةً لتحالف دولي، لمواجهة "الإرهابيين" في سوريا، بالتعاون مع النظام في دمشق، مشيرًا إلى أن بلاده "تقدم الدعم العسكري والفني لكل من العراق وسوريا اللتين تخوضان الحرب ضد الجماعات الإرهابية".
وما لبثت وزارة الدفاع الروسية أن أعلنت بدء غاراتها الجوية التي حددت، حسب موسكو، هدفين أساسيين لتدخلها العسكري المباشر في سوريا، وبناءً على طلب من النظام السوري.
الهدف الأول، والذي تم الإعلان عنه بعد 6 أيام من بدء الضربات الروسية، على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، هو منع التحالف الأمريكي من القيام بأي خطوات من شأنها تحديد "مناطق محررة" وفرض حظر جوي عليها، ومن ثم منع المعارضة السورية المسلحة من التكتل في تلك المناطق وشن هجمات برية تحت غطاء جوي لقوات التحالف.
أما الهدف الثاني، فهو رغبة "الكرملين"، كما قال، في دعم النظام "الشرعي" في مكافحة الإرهاب، والدفع في الوقت نفسه إلى لقاءات أو اتفاقات ولو أولية بين مختلف القوى السورية، بما فيها النظام السياسي لتسوية سياسية، وهو الأمر الذي يسمح لروسيا بالحفاظ على مصالحها، على عكس ما حدث لها في العراق وليبيا.
بدورها، سعت فرنسا بعد الهجمات التي هزّت العاصمة باريس يوم 13 نوفمبر/ أيلول 2015 وتبناها تنظيم "داعش"، وراح ضحيتها 130 قتيلا ومئات الجرحى، إلى تشكيل تحالف دولي يضمن أكبر عدد ممكن من القوى الدولية لخوض حرب حقيقية على التنظيم، وتحديدًا في المناطق الخاضعة لنفوذه بشمال سوريا (الرقة وإدلب)، وذلك في ظل محدودية نتائج الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة منذ عام وظلت مكتفية بغارات جوية لم تحلّ دون تمدد التنظيم في سوريا وبلاد الرافدين.
لكن أحلام فرنسا في توحيد الصف الدولي ضد تنظيم "داعش" اصطدمت بتضارب حسابات الأطراف الدولية في الساحتين العراقية والسورية، وهي حسابات ورهانات ازدادت تعقيدًا بتفاقم التوتر بين موسكو وأنقرة على خلفية إسقاط الطيران التركي مقاتلة روسية على الحدود مع سوريا.
وقبل السعي لتشكيل تحالف دولي، لم تجد فرنسا إلا حشد قواتها الذاتية والبدء في شن ضربات جوية على مواقع التنظيم في الأراضي السورية، بعدما اقتصر دورها ضمن التحالف الدولي على المشاركة في ضربات جوية على التنظيم في العراق فقط.
ومضت باريس في ضراوة حملتها على تنظيم "داعش" بالدفع بحاملة الطائرات الشهيرة "شارل ديغول" إلى محيط الأزمة لشن مزيد من الضربات الجوية على معاقل التنظيم في محافظة الرقة.
وبدل ذلك التحالف الدولي الطموح، حصلت فرنسا على دخول أطراف دولية قوية بارزة في الحرب على تنظيم "داعش"، على رأسها بريطانيا وألمانيا، بعدما أعطى برلمانا البلدين الضوء الأخضر لحكومتي أنجيلا ميركل وديفيد كاميرون لشن غارات جوية على تنظيم أبو بكر البغدادي في سوريا.
شبح الموت
ووثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في عام 2015، مقتل 21179 شخصًا، من بينهم 3443 طفلا، و2610 امرأة، و1592 قضوا تحت التعذيب.
ولم يكتف شبح الموت الذي يطارد السوريين بهذه الأعداد، بل حتى الذين فرّوا من الصراع الدائر في سوريا في محاولة لإيجاد ملاذ آمن في إحدى الدول الأوربية ليلجؤوا إليه، نال قسط الموت من الكثير منهم.
وشهد العام 2015 أكبر نسبة هجرة للسوريين منذ بداية الحرب في سوريا، سواء من بلد المنشأ أو بلد العبور كالأردن ولبنان وتركيا.
وهاجر هذا العام عبر البحر الأبيض المتوسط –حسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- نحو 950.000 لاجئ سوري إلى أوروبا، قضى منهم أكثر من 3600 غرقًا، الأمر الذي وصفه المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة بأسوأ أزمة لاجئين يواجهها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وتعد صورة الطفل السوري "إيلان"، البالغ من العمر 3 سنوات، والذي لقى حتفه بعد غرق قارب يضم مهاجرين، من أبرز الصورة التي عكست معاناة المهاجرين والتي وصفتها وسائل إعلام بأنها "صورة العام".
وفي ظل تنامي عدد اللاجئين الذين يتدفقون على أوروبا في عام 2015، وبخاصة بعد استفحال الأزمة السورية، طالب أعضاء في الاتحاد الأوروبي بمزيد من الإجراءات "الجدية" لمواجهة أزمة المهاجرين غير الشرعيين التي تجاوزت طاقة أي بلد منفردًا.
وسجلت الأعداد القياسية للمهاجرين، خصوصًا في ألمانيا والسويد، توجَّه منظمات تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان انتقادات إلى الدول الأوروبية لتقصيرها في معاملتهم.
وخلال قمة في بروكسل عُقدت خصيصًا لمناقشة أزمة اللاجئين في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وقّع الاتحاد الأوروبي مع تركيا اتفاقًا يعرض عليها أموالا بقيمة 3 مليارات يورو مقابل مساعدتها في وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
وتبع هذا الاتفاق الأوربي-التركي بحق اللاجئين السوريين، قرار أكثر إجحافًا من قبل الحكومة التركية ينص على فرض تأشيرات على دخول السوريين إلى أراضيها جوًّا ابتداءً من الثامن من يناير/ كانون الثاني 2016.
aXA6IDMuMTQ0LjQxLjIwMCA= جزيرة ام اند امز