متحف شهوان .. 10 آلاف قطعة أثرية وتراثية توثق حضارة فلسطين
150 مترًا مربعًا تشكل مساحة المتحف، تضم بين جنابتها حوالي "10 آلاف قطعة" كلها تدلل على هوية هذه الأرض الكنعانية العربية الفلسطينية.
يتنقل مروان شهوان بين الآلاف من المقتنيات الأثرية والتراثية بعناية وحذر، شارحًا تاريخ حضارات العالم القديم والحديث التي مرت من فلسطين أو استقرت فيها بحثًا عن الطعام والشراب والمأوى.
150 مترًا مربعًا تشكل مساحة المتحف، تضم بين جنابتها حوالي 10 آلاف قطعة "4 آلاف قطعة أثرية، و6 آلاف قطعة تراثية" كلها تدلل على هوية هذه الأرض الكنعانية العربية الفلسطينية.
بداية الشغف
لمعت فكرة البحث عن الآثار يوم أن تناهى لمسامع شهوان شكوى كهول فلسطينيين عن تجنيد وزير الجيش الإسرائيلي موشي ديان ( بعد حرب حزيران 1967) طواقم من خبراء الآثار الإسرائيليين للتنقيب عن الآثار في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، للسيطرة عليها وسرقتها وعرضها في متاحف إسرائيلية على أنها "آثار يهودية".
النجار الماهر في صنعته والمشهور بالحفر والنقش على الخشب قرر أن يحفر أيضًا في باطن الأرض بحثًا عن الآثار، لينقش في ذاكرة الفلسطينيين الجمعية والفردية تاريخ البلاد التي يحاول الإسرائيليون سرقتها في محاولة لتزوير التاريخ عبر تزييف الآثار.
تحدي الاحتلال
بدأ جمع المقتنيات عام 1984 بابتياع براد شاي تراثي يقدر عمره بمائة عام، بعد اقتناء البراد، قرر أن يخصص جزءًا من وقته ومن أمواله الخاصة لشراء تلك المقتنيات من أسواق المدن الفلسطينية "فإذا بي أجمع خلال سنتين أكثر من 300 قطعة" هنا كان علي أن أواصل الطريق".
يقول مروان لبوابة "العين"، لم يكن قرار مواصلة العمل في التنقيب عن الآثار واقتنائها أمرًا مسموح به من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي "فقررت جمعها بصمت في غرفتي .. وبعد الزواج نقلتها إلى منزلي، وخصصت لها غرفة خاصة" ويكمل مروان "إلى أن فاضت المقتنيات عن الغرفة وأخذت تمتد لغرف ثانية ولجزة من صالة المنزل، هنا كان علي البحث عن مكان آمن لعرض هذا التاريخ المادي".
جهد فردي
إلى قبو منزل كان الانتقال عام 2004، يقول لبوابة العين: "عملت على ترميم القبو وجهزت تصاميم هندسية تناسب المتاحف لعرض المقتنيات الأثرية والتراثية"، مضيفًا "كل هذا بجهد فردي لم تقدم لي أي جهة دولار واحد للمساهمة في الحفاظ على هذا التاريخ".
لم يمنعه شح الدعم المالي من الجهات الفلسطينية الرسمية والأهلية، ومن المانحين الخارجيين من مواصلة العمل للحفاظ على مقتنيات متحفه" أقضي نحو 12 ساعة من يومي هنا لمتابعة المقتنيات والتدخل للحفاظ عليها".
وتضم الأراضي الفلسطينية (51) متحفًا، بتخصصات مختلفة، منها تراث شعبي، وأثواب، وقطع تراثية، وآركيولوجي، وشخصيات أو قضايا سياسية أو ثقافية أو تاريخية أو تعليمية، أكبرها متحف شهوان بحسب "التسجيل الموضح في وزارة السياحة والآثار".
مقتنيات عبر 7 عصور
تتنوع القطع الأثرية في متحف شهوان بين الحجريات والفخاريات والزجاجيات والخرزيات والنحاسيات والعملات، والطوابع، الأوان وغيرها، من القطع التي تعود لحقب تاريخية متعددة تعكس عراقة الشعب الفلسطيني وحضارته.
يشير شهوان إلى مجموعتي المقتنيات الأثرية والتراثية؛ فالمجموعة الأثرية، تضم قطعًا تعود إلى عصور مختلفة، من العصر اليوناني والروماني والبيزنطي والعهد الإسلامي منذ بداياته وحتى العثماني.
ويعرض هنا طاحونة فرعونية وفاخورة ماء إغريقية وسلاح روماني، ويوضح "المقتنيات الأثرية تضم قطعًا كانت تستخدم في الدفاع عن النفس، وفي المأكل والمشرب وحرث الأرض والإضاءة والنقود الرومانية والبيزنطية..".
المجموعة التراثية
وينتقل شهوان إلى المجموعة التراثية في متحفه " إنها مقتنيات يعود تاريخ أقدمها لحوالي 120 عامًا، تضم المواد والمعدات التي كان يستخدمها الفلسطيني في حياته اليومية، وتشمل الأواني المنزلية وأدوات الطعام والزراعة وعدة الحرب ووسائل الإضاءة والتنقل والنقود المعدنية".
يخصص المتحف جناحًا صغيرًا لعرض النقود المستعملة منذ قديم الزمان وحتى العهد الفلسطيني الحديث، ومن الأجنحة المتميزة، الجناح المخصص للوسائل القتالة القديمة، من طبول الحرب وقذائف المنجنيق الصخرية، والرماح والسيوف والدروع، وأسلحة وصناديق ذخيرة تعود لفترة الانتداب البريطاني.
يقف شهوان قرب قطع صخرية، ويقول: "إنها أجزاء من غرفة لملك روماني نقشت صورته على قطعة منها، وقطع أخرى من بلاط حمام ملكي يعود للعهد الروماني".
في منتصف المتحف يرص في صف واحد، مطاحن صخرية للقمح وأحواض غطس للأطفال ومسامير حديدية طويلة كانت تستخدم في صناعة السفن والمراكب البحرية.
جدران المتحف اكتظت بالمقتنيات الأثرية والتراثية، فهذه أواني نحاسية نادرة وأباريق وبكارج قهوة وأسرجة زيتية للإضاءة وتحف متنوعة وغلايين التدخين وأدوات الحلاقة القديمة ومكاييل الوزن النحاسية وربع صاع منقوش عليه "مد نبوي".
مراحل المسيرة
مر المتحف بمراحل عدة بدأت بالفكرة قبل (31 عامًا) ثم مرحلة التنفيذ وبدأ جمع المقتنيات التراثية والأثرية، وتمثلت المرحلة الثالثة في الحفاظ عنها بعيدًا عن أعين سلطات الاحتلال ( كانت تمنع اقتنائها وتصادرها)، ثم جاءت المرحلة الرابعة بإقامة المتحف، ويكمل شهوان "أناضل منذ سنوات لتحقيق هذا الهدف".
ويتابع "هذا المكان يضيق بتلك الآثار والتراث.. ومطلوب متحف على مساحة كبيرة" ويقول: "وزير السياحة والآثار السابق" قرر تخصيص خمسة آلاف متر مربع لإقامة متحف كبير يليق بتاريخ فلسطين.. اليوم أبحث عن تمويل لبناء المتحف وفق المواصفات الهندسية المعروفة".
ويشير شهوان إلى تلقيه وعودًا من جهات محلية ودولية عدة أهمها من اليونسكو التي وعدته بالمساهمة في بناء متحف يضم مقتنياته "لكن تلك الوعود لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع بعد".
بانتظار الحلم
ويلفت أن مشروعه لن ينتهي عند إنشاء متحفًا كبيرًا، بعد ذلك مطلوب مرحلة خامسة ومهمة "إنها مرحلة إعادة سرد التاريخ العربي الفلسطيني عبر الحضارات بهذه الآثار" ويؤكد "أنها مرحلة قادمة لا يقف في طريق تحقيقها أي عائق".
ويؤكد شهوان لبوابة العين، أن متحفه يساهم في إعادة إنتاج وصياغة الرواية الفلسطينية، ويساعد عبر مشروع الممتد عبر الزمان، في حفظ الهوية والذاكرة الفلسطينية، فوراء كل صورة حكاية تدحض الرواية الإسرائيلية التي تحاول ترسيخ مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
ويرى أن المتاحف الفلسطينية تقوم بدور مهم في إبطال كل المزاعم الصهيونية بالحق اليهودي في أرض فلسطين.