اليمن 2015.. الأسوأ في تاريخ اليمن الاقتصادي
يعد العام 2015 الأكثر سوءا على الاقتصاد اليمني والأكثر إفقاراً للسكان بسبب الحرب وسوء الإدارة وفساد السلطات الانقلابية
يعد العام 2015 الأكثر سوءا على الاقتصاد اليمني والأكثر إفقاراً للسكان بسبب الحرب وسوء الإدارة وفساد السلطات الانقلابية للحوثيين وأنصار الرئيس السابق على عبدالله صالح.
فقد استهل اليمنيون عامهم مثقلين بإرث السنوات الأخيرة المضطربة التي انسحبت آثارها على العام المنصرم، وزاد من ثقل الإرث المتراكم اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء وانقلابهم على السلطة الشرعية التي تمخض عنها ما أطلق عليه حكومة الشراكة الوطنية برئاسة المهندس خالد محفوظ بحاح.
ومع بداية العام وبسبب عدم الانسجام بين مكونات الحكومة الجديدة وتضارب حسابات أطرافها؛ لم تستطع أن تقر موازنة جديدة، ما اضطرها إلى العمل بموازنة الحكومة السابقة برئاسة باسندوة التي كانت أقرت موازنة وصفت حينها بأنها مجرد موازنة تشغيلية، ستعمق من انكماش الاقتصاد اليمني بسبب إهمالها للاستثمارات وتغطية العجز بالاقتراض الداخلي، واعتمادها على عائدات النفط الذي يرفد الموازنة العامة بنسبة 70 % من وارداتها، في الوقت الذي أصبحت تحت رحمة تفجيرات أنابيب الامتدادات التي تنفذها العناصر القبلية من وقت لآخر، فيما تمددت الجماعات الإرهابية ووسعت نشاطاتها في مناطق إنتاج النفط مأرب ،شبوة حضرموت.
إلى جانب تلك التهديدات التي ضربت اقتصاد البلاد وأصابت قطاعاته بالشلل التام؛ استفحلت الأزمة السياسية بين المكونات والأحزاب السياسية المشاركة في السلطة، وتوجت بانقلاب الحوثيين في مارس على السلطة الشرعية للرئيس عبدربه هادي ورئيس حكومته خالد بحاح، وشنهم الحرب على معظم محافظات البلاد، الأمر الذي نقل مجمل القطاعات الاقتصادية من حالة الشلل والركود إلى الموت السريري الذي يعاني منه منذ ذلك الحين، وترتب عليه انعكاسات خطيرة على مجمل الأوضاع في البلاد هي الأسوأ منذ عقود
قطاع النفط كان الأكثر تضرراً، إذ تشير التقديرات إلى أن حوالي 41 شركة نفطية إنتاجية وخدمية علقت أعمالها وغادرت البلاد منذ بدء الحرب، وسرحت آلاف العمال اليمنيين الذين أصبحوا بدون مصدر دخل، في الوقت الذي ارتفعت كلفة المعيشة في البلاد إلى مستويات غير مسبوقة، وكانت بيانات الإدانة الصادرة عن نقابات العمال في القطاع التجلي الأبرز لخطورة الانعكاسات على حياة الناس، وعلى الرغم من غياب التقديرات الرسمية لعدد المسرحين من أعمالهم في قطاع النفط إلا أنهم قد يحصون بالآلاف.
الصادرات غير النفطية خاصة الخضروات والفواكه والأحياء البحرية هي الأخرى توقفت بشكل تام بسبب ارتفاع أسعار الوقود بنسب وصلت إلى 300 %، وبسبب إعلان الحوثيين المناطق الحدودية مع السعودية مناطق عسكرية كمنفذ الطوال في حرض.
قطاع السياحة والسفر الذي كان يعاني من ركود تام بسبب عمليات الخطف وتهديدات الجماعات المتطرفة أصيب بمقتل مع اندلاع المواجهات التي فجرها الحوثيون وأنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ووصل الأمر حد عدم تمكن وكالات الحج والعمرة من تفويج الحجاج بسبب العراقيل التي وضعتها جماعة الحوثي أمام الحجاج، وتشير التقديرات إلى القطاع منذ انقلاب الحوثيين تكبد خسائر جسيمة بلغت حسب تقديرات الاتحاد اليمني للسياحة (300) مليار ريال يمني ( مايقارب مليار 350 مليون دولار) وجميع وكالات السفر والسياحة البالغ عددها (250 وكالة ) أغلقت وعلقت نشاطها، ولم يتمكن سوى 50 ألف معتمر من أداء مناسك العمرة من إجمالي (180) ألفا.
عام 2015 كان أيضا الأسواء على قطاعي التجارة والصناعة، إذ توقفت الواردات بشكل كلي بسبب سيطرة الحوثيين وأنصار صالح على مواني التصدير، ورقابة التحالف على الواردات إلى البلاد، وتعرضت العديد من المصانع لقذائف الحوثيين أو لقصف الطيران قوات التحالف بسبب استخدامها لأغراض عسكرية من قبل قوى الانقلاب، وطمرت ثلاثة مصانع للإسمنت وصوامع للغلال ومصنع ألبان ومصانع صناعات خفيفة في كل من عدن، لحج، عمران، والحديدة وصنعاء وتعز.
شهد العام تراجع سعر العملة اليمنية الريال بسبب هروب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد وتهجير السكان بسبب المعارك من جهة، وسوء الإدارة النقدية والمالية من قبل الحوثيين من جهة أخرى، وقدر حجم الأموال التي خرجت من البلاد منذ اندلاع الحرب بحوالي 6 مليارات دولار، الأمر الذي تسبب بانهيار سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية التي ارتفعت من 225 ريال للدولار إلى 275 ريال للدولار، خاصة مع تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية الذي وصل إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات 4 مليارات دولار، بعد أن كان يزيد عن 7 مليارات دولار مطلع العام 2011.
في المجمل الصورة العامة لاقتصاد البلاد بكل قطاعاته أصيبت بمقتل وتجمدت مجمل الأنشطة القطاعية الرسمية فيما انتعشت السوق السوداء الموازية التي تديرها وتضارب بها عناصر المليشيات الحوثية بشكل علني، خاصة المشتقات النفطية، إذ عملت على فتح أسواق سوداء محمية بقوة السلاح بغية تمويل حربها، وعلى مدار العام تزود السكان بحاجاتهم من وقود الطاقة والغاز من السوق السوداء التي يديرها الحوثيون وأنصار الرئيس المخلوع صالح، وبأسعار وصلت في بعض الأحيان إلى 500%.
ومع ارتفاع كلفة المواد الأساسية والوقود والمضاربة الرسمية بها من قبل الانقلابيين؛ ارتفعت كلفة المعيشة إلى مستويات قياسية في الوقت الذي ارتفع معدل العاطلين عن العمل إلى ما يزيد عن 60%، خاصة بعد إغلاق العديد من المنشئات والشركات وتعليق أعمالها، والنتيجة حسب ما ذهبت إليه منظمات أممية أن أكثر من 15 مليونا من اليمنيين أصبحوا بحاجة ماسة إلى الغذاء وإلى مساعدة إغاثية، غير أن هذه الأخيرة لا تصل إلى مستحقيها بسبب الحصار الذي يفرضه الانقلابيون على العديد من المدن، ومنع دخول الغذاء والدواء كما هو الحال في مدينة تعز المحاصرة ومحافظة البيضاء، أو بتوزيعها على المؤيدين لهم وحرمان بقية السكان.
والخلاصة أن العام المنصرم هو عام الموت السريري لاقتصاد البلاد وسنة الإفقار الرسمي للسكان، فبعد أن كانت نسبة الفقر خلال ثلاث السنوات الأخيرة تتراوح بين 34 إلى 47 % من السكان حسب مسح ميزانيات الأسرة؛ من المرجح أن تصل إلى 80 % منهم حوالي 60 % سيصنفون تحت خط الفقر المدقع حسب تقديرات المحللين الاقتصاديين.
وينتظر اليمنيون بأمل أن يتغير الحال في العام 2016، وأن يكون عام الخلاص من شراك الانقلابيين، رغم عدم إعلان الموازنة العامة للدولة حتى الآن، واستمرار العمليات العسكرية واتساع رقعة الفقر والبطالة ودخول الاقتصاد في حالة موت سريري.