طهران "المافيوية" تصطدم بمتانة الجدار السعودي
خلايا تجسس واغتيالات .. تاريخ إيراني بذاكرة السعوديين
من تسييس الحج إلى خلايا التجسس والاغتيالات والتفجيرات .. تاريخ إيراني أسود ارتبط بذاكرة السعوديين.
لم يأتِ قرار المملكة العربية السعودية بقطع علاقتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإيرانية وطرد سفيرها وجميع أفراد البعثة والمكاتب التابعة لها؛ ردًّا على تصريحات أقطاب النظام الإيراني المعادية التي تُرجمت بعد ساعات قليلة باقتحام مبنى السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد ونهب ممتلكاتهما على يد مجموعات إيرانية تناوبت على مهاجمتها بالمواد الحارقة في فترتين على مرأى من القوات الإيرانية، الليلة الماضية، بل جاء كإجراء قيصري تجاه سلسلة طويلة من الأعمال التخريبية اعتنقها النظام الإيراني منذ "الثورة الخمينية" ضد الرياض بجميع أساليبه "المافيوية".
فلا يغيب عن المراقب البسيط لمشهد العلاقة السعودية – الإيرانية بإطارها العام طوال العقود الأربعة الماضية، جرائم إيرانية كبرى تصدت لها أجهزة المملكة الأمنية وتعاملت معها بحلم دبلوماسي فترات طويلة إبداءً لحسن الجوار والترابط الإسلامي، فلم يتوانَ النظام الإيراني منذ السبعينيات الميلادية وحتى اللحظة؛ عن محاولته المستمرة لاستخدام جميع الوسائل والطرق للإضرار بالمصالح السعودية في الداخل والخارج، بدءًا باستهداف موسم الحج بالتظاهرات الطائفية وتهريب المتفجرات والأسلحة، إلى تأسيس منظمات عنف جندت لها المتطرفين لتوجيه ضربات إرهابية ضد المنشآت الأمنية والاقتصادية والمقار الأجنبية في السعودية، إضافة إلى تنفيذ عمليات اغتيال لدبلوماسيين سعوديين في دول عدة.
الحج .. سجل إيراني دموي
بدأت أعمال إيران العدائية تجاه المملكة منتصف سبتمبر 1980 بتنظيم تظاهرة لحجاج إيرانيين رفعوا فيها صورًا للخميني، وهتفوا بـ"الله أكبر .. خميني إمام .. الله أكبر" في حرم المسجد النبوي، ما دفع قوات الأمن السعودي إلى فضها على الفور ومنع محاولات أخرى للتظاهر في نفس الشهر، ومصادرة أسلحة يدوية وسكاكين مع كميات من المنشورات والبيانات الدعائية للإمام الخميني، حملت مضامين تهجم صريح على الدولة السعودية.
وبعد ثلاثة أعوام أي في سبتمبر 1983، ضبطت سلطات الحج منشورات دعائية وصورًا وشعارات عدائية بحوزة 21 إيرانيًّا تخالف الهدف من مجيئهم بغرض الحج، وتكررت هذه الأعمال في أغسطس 1986 بعد إيقاف مجموعة من الحجاج الإيرانيين يحملون ما يزيد عن 150 كيلوجرامًا من مادة C4 شديدة الانفجار في حقائبهم إضافة لمنشورات وكتبًا وصورًا دعائية.
ولم يمضِ عام على تلك المحاولات العبثية وتحديدًا في 31 يوليو 1987 حيث قام بعض الحجاج الإيرانيين بمظاهرات عارمة عرفت بأحداث مكة 87، حيث قاموا بسد الطرقات وإحراق السيارات ومنع الحجاج الآخرين والأهالي من الذهاب إلى وجهاتهم، فحاول بعض الحجاج التدخل لتهدئة الإيرانيين وفض المظاهرات، إلا أنهم رفضوا وقاموا بالتوجه إلى المسجد الحرام رافعين شعارات عليها لافتات الثورة الإسلامية في إيران والعداء لإسرائيل وصورًا للمسجد الأقصى ومرشد الثورة الخميني، فتدخلت قوات الأمن السعودية لتهدئة الوضع، لكن تعنُّت المتظاهرين المرتبطين بـ"حزب الله الحجاز" الذي تأسس في نفس العام على يد إيران؛ أدى إلى حصول مواجهات بين رجال الأمن والمتظاهرين الإيرانيين أسفرت عن مقتل 402 شخص، منهم 275 من الحجاج الإيرانيين، و85 من السعوديين، و45 حاجًّا من بلدان أخرى، وإصابة 649 شخصًا.
وكان لإيران أيضًا يد خفية في انفجارين خلال حج عام 1989، إذ وقع الأول في أحد الطرق المؤدية إلى الحرم المكي والآخر فوق الجسر المجاور للمسجد الحرام نتج عنها وفاة شخص واحد وإصابة 16 آخرين، وأسفرت تحقيقات الأجهزة السعودية مع المتهمين في الحادثة بعد القبض عليهم تلقيهم تعليمات من (محمد باقر المهري) بالتنسيق مع دبلوماسيين إيرانيين في سفارة طهران بالكويت لتدبير التفجير، إذ تسلموا المتفجرات من الباب الخلفي للسفارة ومن ثم نقلها إلى السعودية.
وفي عام 1990، وجهت أصابع الاتهام إلى إيران، بإطلاق غازات سامة على الحجاج في نفق "المعيصم" في مكة المكرمة، صبيحة يوم عيد الأضحى، ما أدى إلى وفاة 1426 من الحجاج من جنسيات مختلفة.
محاولات إيران العبثية في مواسم الحج لم تتوقف، حيث سبق حج العام الماضي 2015 تهديدات إيرانية بأن يكون موسم حج مختلف، وكررت أبواق إيران (حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن) تلك الرسالة مرارًا، ما يثير الشك في قراءة مشهد التدافع الذي خلفته حشود من الحجاج الإيرانيين يوم النحر في مشعر منى، وأدى لسقوط مئات الضحايا والمصابين، لعدم التزام الحجاج الإيرانيين بمواعيد التحرك المجدولة مسبقًا من سلطات الحج، وما زالت نتائج التحقيق الرسمية لم تعلن بعد، إلا أن ما تبع الحادثة من هياج لماكينة الإعلام الإيرانية في العالم ومحاولة تسييس حادثة التدافع وتزوير الوقائع جعلها في واجهة الاتهام في نظر كثير من المراقبين الدوليين.
أذرع إيران وحرب مصالح السعودية
بعد ثلاثة أشهر فقط على إنشاء الفرع السعودي لـ"حزب الله" في مايو 1987 الذي يعرف باسم (حزب الله الحجاز) أول هجوم له داخل المملكة في حادثة الحج، أصدر الحزب أول بيان رسمي له، متعهدًا بتحدي الدولة السعودية، وفي الشهر التالي، أعلن مسؤوليته عن هجوم على منشأة النفط في رأس الجعيمة، وفي بيانات صادرة في بيروت وطهران، هدد الحزب بتنفيذ هجمات انتقامية إضافية تستهدف المسؤولين السعوديين، وبعد شهر من ذلك، هدد بشن هجمات ضد المصالح الأمريكية والسعودية في الخارج.
وفي غضون عام، نفَّذ "حزب الله الحجاز" تهديده عبر مهاجمة قطاع صناعة البتروكيماويات السعودية، ففي مارس 1988 أعلن الحزب مسؤوليته عن الانفجار الذي وقع في مصنع "صدف" للبتروكيماويات في منطقة الجبيل (شرق السعودية)، كما أن قنابل إضافية أصابت مصفاة رأس تنورة. وجاء رد السلطات السعودية بقوة حينها، حيث اعتقلت عددًا من المشتبه بهم من المسلحين الشيعة المتطرفين، وألقت القبض على ثلاثة من أعضاء حزب الله الحجاز بعد مواجهة دامية؛ قتل فيها عدد من رجال الشرطة وأصيب آخرون بجروح، وأغلقت الحادثة بإعدام المتورطين علنًا في سبتمبر من العام نفسه.
وكان هجوم حزب الله الحجاز في أبراج الخُبر (شرق المملكة) في يونيو 1996 وهو الأكثر قسوة على المصالح السعودية، حيث أسفر عن مقتل 19 جنديًّا أمريكيًّا وعدد غير محدد من المدنيين السعوديين في حديقة مجاورة، وجرح 372 أمريكيًّا آخر، وعلى الرغم من أن الطرف المسؤول عن الهجوم لم يكن واضحًا في البداية، إلا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، استنتج -لاحقًا- ضلوع إيران في التخطيط لذلك التفجير ونظمته ورعته، بينما نفذه عناصر من حزب الله الحجاز، مما أدى إلى توجيه السلطات الفيدرالية الأمريكية اتهامات ضد عضو في حزب الله اللبناني وثلاثة عشر عضوًا من حزب الله الحجاز، على رأسهم السعودي أحمد المغسل قائد الجناح العسكري في الحزب، الذي أوقفته الاستخبارات السعودية، العام الماضي، في عملية نوعية فور وصوله إلى بيروت قادمًا من طهران التي احتضنته 19 عامًا منذ الحادثة ومِن ثَمَّ نقله إلى العاصمة الرياض.
وقد استطاع المغسل بدعم إيراني التواري عن الأنظار منذ تفجير أبراج الخبر، وتم تسريب أنباء عن وفاته في إيران آنذاك، كما هو الحال بالنسبة لمطلوب آخر في الحزب هو جعفر شويخات، الذي تردد أنه توفي في زنزانته بعد ثلاثة أيام من القبض عليه من قبل السلطات السورية، وقبل انتهاء إجراءات ترحيله للسعودية، أعلنت وفاته في أغسطس 1996، وقيل إن سبب الوفاة انتحاره عبر مسحوق للغسيل.
ومنذ عام 1997 والسلطات السعودية تطلب من الجانب الإيراني تسليمها أحمد المغسل مع ثلاثة مطلوبين سعوديين آخرين على خلفية التفجير من بينهم علي سعيد بن علي الحوري (مواليد 1965)، والذي ترصد المباحث الفيدرالية الأمريكية خمسة ملايين دولار مكافأة لمن يرشد عن مكان وجوده، ومن بين المتهمين في التفجير الذين تسلمتهم السعودية الموقوف هاني الصايغ الذي اعتقل في كندا عام 1999 وجرى تسلميه بمعرفة السلطات الأمريكية إلى السعودية في أكتوبر 1999، وكذلك المتهم مصطفى القصاب الذي قيل إن تعاونًا أمنيًّا مع السلطات اللبنانية أوقع به في أحد فروع البنوك وجرى ترحيله للسعودية.
لعبة الاغتيالات السياسية
سعى النظام الإيراني بواسطة ذراعه في السعودية (حزب الله الحجاز) بعد محاكمة وإعدام عناصره المتورطين وملاحقة الهاربين منهم دوليًّا عقب حادثة حج 87، لشن حملة اغتيالات في الخارج بالهجوم على مسؤولين سعوديين في تركيا وباكستان وتايلاند، حيث تبنى الحزب عملية إطلاق نار في أنقرة أودت بحياة السكرتير الثاني في السفارة السعودية، وتبعتها بعد شهرين محاولة اغتيال أخرى أصيب على إثرها السكرتير الثاني في البعثة السعودية في كراتشي بجروح خطيرة، وبعد ذلك، في يناير 1989 قتل السكرتير الثالث في السفارة السعودية في بانكوك خارج منزله بواسطة مسلحين، زعم فصيلان من حزب الله الحجاز مسؤوليتهما عنه في تصريحات صدرت تحت أسماء (جند العدل) و(منظمة الحرب المقدسة في الحجاز)، وفي فبراير 1990 قتل أربعة دبلوماسيين سعوديين آخرين في تايلاند في قضية ارتبطت في النهاية بالحزب.
وليست هذه هي المرة الأخيرة التي تتورط فيها الاستخبارات الإيرانية وأدواتها في أحداث عنف أو تجسس في المملكة، فهناك تاريخ طويل من هذه الممارسات الإرهابية، فمنذ عامين كشفت السلطات الأمريكية في واشنطن مخططًا إيرانيًّا لاغتيال السفير السعودي بالولايات المتحدة آنذاك ووزير خارجيتها الحالي عادل الجبير أواخر عام 2011، وفي أوائل العام نفسه هاجمت جماعات مسلحة مقر السفارة السعودية بالعاصمة الإيرانية، وأحرقت أجزاءً من المقر، ورفعت أعلامًا تخص حزب الله اللبناني، وهو ما جعل السعودية تحمل الأمن الإيراني مسؤولية تلك الأحداث.
أما الحرب الإلكترونية فيبدو أنها دخلت سياق المنافسة في هذه المرحلة أيضًا، حيث تعرضت شركة النفط السعودية الحكومية (أرامكو) في أغسطس 2012 لهجوم إلكتروني نسبته الاستخبارات الأمريكية إلى إيران، إذ وصفه وزير الدفاع آنذاك ليون بانيتا بأنه "تصعيد كبير للتهديد الإلكتروني".
خلايا التجسس الإيرانية
أعلنت السعودية، طوال السنوات الماضية، عن ضبط خلايا وشبكات تنشط لصالح إيران، تورط بها عدد من السعوديين ومقيمون من جنسيات مختلفة تم تجنيدهم لجمع معلومات حيوية وحساسة عن منشآت حكومية واقتصادية، كان آخرها خلية أعلنت عنها الداخلية السعودية؛ ضمت 16 سعوديًّا إضافة إلى شخص إيراني، وآخر لبناني، في أربعة مناطق من المملكة، تورطوا بأعمال تجسسية لمصلحة إيران عبر جمع معلومات عن مواقع ومنشآت حيوية والتواصل بشأنها مع جهات استخبارية في تلك الدولة.
aXA6IDE4LjIyMS4xOTIuMjQ4IA== جزيرة ام اند امز