رحيل ممدوح عبد العليم.. "مشوار عمر" انتهى
في السينما، كان حظ ممدوح عبد العليم أن صار عنصرًا أساسيًّا في الكثير من أفلام مخرجي "الواقعية الجديدة".
لا يمكن لمن شاهد فيلم "سوبر ماركت" (1990) للمخرج محمد خان أن ينسى مشهد "رمزي" الذي لعب دوره الممثل الراحل ممدوح عبد العليم في نهاية الفيلم، واحدة من أحلى النهايات في السينما المصرية، أو "عمر التاني" في فيلم "مشوار عمر" (1986) لخان أيضا، أو حمص وحلاوة وأغنيتهما "أنا حمص حمص وحلاوة آخر عفرتة كلي شقاوة" في فيلم "سمع هس" (1991) لشريف عرفة.
وقبل كل هذه الشخصيات "رامي قشوع" السيناريست القادم من الريف الذي بالكاد شق طريقه في عالم السينما، يقف بلزماته وكلماته جزءا من الشريط الجيني للمواطن المصري؛ أصبح جزءا من الوعي الجمعي للمجتمع؛ "بطل من ورق" (1988) واحد من أفضل أفلام المخرج نادر جلال ومن أجمل أفلام السينما المصرية عموما، لا يمكن أن تمشي في شوارع القاهرة دون أن تسمع جملة قشوع/عبد العليم الشهيرة في الفيلم "معرفش يوقفها" باللكنة الفلاحي بتحويل القاف إلى جيم وألف المد إلى كسرة "يوجفهِ".
رحل ممدوح عبد العليم "فجأة"، دون مقدمات مرض أو سن كبيرة، كما تعودنا في الفترة الأخيرة، مات لتتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى شاشة كبيرة يمشي فيها "رامي قشوع" مذعورا من سيناريوهاته التي تتحول إلى أحداث واقعية على يد أخلص قرائه وأخطرهم سمير "أحمد بدير".
الثمانينيات والتسعينيات كانت فترة لمعان عبد العليم سينمائيا، قبل أن تأخذه الشاشة الصغيرة بأدوار صارت تاريخية الآن مثل "علي البدري" في ليالي الحلمية، و"حربي" في خالتي صفية والدير، و"رفيع العزايزي" في "الضوء الشارد".
في السينما، كان حظ عبد العليم أن صار عنصرا أساسيا في الكثير من أفلام مخرجي "الواقعية الجديدة" فعمل مع عاطف الطيب في واحد من أهم أفلامه "البريء"، "حسين وهدان" الشاب الجامعي المشغول باتحاد الطلاب والأحداث السياسية، ليكون مصيره في النهاية معتقل الواحات حيث ينتظره "بلدياته" أحمد سبع الليل (أحمد زكي) الذي يظن أنه يحارب "أعداء الوطن"، حسين وهدان في الفيلم هو نموذج سبع الليل المثالي، مثله الأعلى، لحظة اللقاء في المعتقل لحظة "التنوير" في مسار سبع الليل، حتى يموت حسين فيصيح بأشهر جمل الفيلم "حسين ابن المعلم وهدان مش من أعداء الوطن".
ومع خان قدم معه اثنين من أجرأ أفلامه من حيث الصورة، "سوبر ماركت" و"مشوار عمر" حيث المكان في الفيلمين هما البطلان الأساسيان، في الأول ذلك المدخل الجديد على الخريطة الاجتماعية المصرية "سوبر ماركت" بما هو مجتمع مصغر في علبة استهلاكية، والثاني "سيارة" هي حكاية الفيلم ومفجر الدراما الأساسي ورابط علاقات شخصياته.
بخلاف جيل الواقعية الجديدة، راح المشوار السينمائي لعبد العليم إلى الكوميديا الفانتازية مع الثنائي ماهر عواد وشريف عرفة وفيلم "سمع هس" في دور حمص مع ليلى علوي "حلاوة"، أفلام عواد القليلة تجمعها جميها سخريتها اللاذعة من أفكار ومعلبات راسخة في الوجدان المصري، في "سمع هس" ضربت فكرة الوطنية فنانين من الشارع يُسرق لحنهما على يد مطرب يغني لمصر، لتصير "أنا حمص حمص ياحلاوة" إلى "أنا وطني وطني وباطنطن"، ليجدا نفسيهما أمام دين الحداثة الحقيقي "الدولة" وفكرة الوطنية، وكيف لا يصدقهما أحد أمام قداسة "الغناء للوطن" على يد المطرب الكبير اللص.
رحل ممدوح عبد العليم عن دنيانا، وقد صار جزءا من مخيلتنا الشعبية، سنظل نردد مع رامي قشوع "ماعرفش يوقفها"، رامي الآن في معية الموت، وصدق سمير في "بطل من ورق" حين همس له في أذنه "هنموت كلنا".
aXA6IDE4LjIxNy4yNDYuMTQ4IA== جزيرة ام اند امز