لم تكن هناك حاجة لبيع المنزل ولا لتقديم مساعدة من أوباما، لكنه أمر مؤثر ويدعو للإعجاب بصرف النظر عن رأيك في السياسات التي اتبعاها
جلست أستمع إلى الخطاب الأخير لباراك أوباما عن حالة الاتحاد مع بداية السنة الأخيرة له في البيت الأبيض وأنا منفعل إنسانيًّا لصالحه، بعد استماعي لما قاله نائب الرئيس جو بايدن في حوار مع شبكة تليفزيون سي إن إن.
قال بايدن -الذي فقد ابنه الأكبر بو منذ أشهر بسبب السرطان-: إنه في الفترة الأخيرة قبل وفاته كان يفكر في طريقة توفير النفقات الباهظة لعلاجه في حالة تدهور حالته مما قد يضطره للاستقالة من منصبه كمحامي عام ولاية ديلاوير؛ لأنه لم يكن لديه مصدر دخل آخر، وفي غدائهما اليومي ذكر بايدن لأوباما أنه يفكر في بيع منزله للإنفاق منه، لكن أوباما وقف أمامه وقال له بحسم: "عِدْني بألا تفعل ذلك.. سأعطيك المال، كل ما تحتاج إليه من مال.. لكن عِدْني الآن بعدم بيع منزلك".
الله.. كيف يمكن ألا تحب وتحترم هذا الثنائي.
عرفنا الكثير من قبل عن العلاقة القريبة جدًّا بين الرئيس ونائبه التي ربما ليس لها مثيل في التاريخ الأمريكي، لكن هذه الحكاية تبوح بما هو أكثر، فنائب الرئيس الذي أمضى تسعة وعشرين عامًا كأحد أبرز أعضاء مجلس الشيوخ ورئيس عدد من لجانه المهمة، ثم نائب للرئيس لنحو سبع سنوات، لا يجد لديه هو وأسرته ما يكفي للإنفاق على علاج ابنه (المسئول الكبير أيضا في ولايته)؛ حيث يفكر في بيع بيته، ثم يأتي الرئيس الأمريكي بشهامة أولاد البلد ليصر على أن يقدم له المال (يمكن أن يصل إلى مئات الآلاف) وألا يدعه يبيع بيته، وأوباما كما نعلم ليس ثريًّا بالمعنى المتداول للكلمة في أمريكا، فهو يملك عدة ملايين جمعها من حصيلة بيع كتبه خلال السنوات الأخيرة.
في كل الأحوال توفي بو سريعا ولم تكن هناك حاجة لبيع المنزل، ولا لتقديم مساعدة من أوباما، لكنه أمر مؤثر ويدعو للإعجاب بصرف النظر عن رأيك في السياسات التي اتبعاها.
وقد استغل أوباما خطابه الأخير أمام الكونجرس للدفاع عن هذه السياسات وما حققه من إنجازات في مواجهة انتقادات عنيفة من المرشحين الجمهوريين للرئاسة، وكان يرد عليها دون ذكر أسماء؛ حيث أكد أن أمريكا هي القوة الأكبر على وجه الأرض، وأنها تنفق على قواتها سنويا أكثر من الدول الثماني التالية لها مجتمعة، في رد واضح على مزاعم السناتور تيد كروز وغيره من المرشحين الذين لا يتوقفون عن التحسر على تراجع القوة الأمريكية تحت قيادته.
لكن أهم ما قاله أوباما كان موجهًا للمرشح الجمهوري دونالد ترامب وما ذكره عن منع دخول المسلمين إلى أمريكا وتسجيل بياناتهم ومراقبة مساجدهم أو إغلاقها.
أوباما يعلم أن ترامب وغيره إنما يحاولون إثارة مخاوف الأمريكيين والاستفادة من ذلك في حشد التأييد، لذلك قدم في خطابه شرحًا أو إطارًا لتطور الأحداث في الشرق الأوسط، التي قال إنها تمثل تحولات ستستمر على مدى جيل كامل ولها جذور تمتد لألف عام، كما حاول تهدئة مخاوف الأمريكيين قائلا: إن المقاتلين الذين نشاهدهم فوق سيارات نقل يمثلون خطرًا على المدنيين، لكنهم لا يمثلون تهديدًا لوجود أمريكا، فهذه ليست الحرب العالمية الثالثة.
وحذر أوباما أيضا من أن لغة المرشحين الجمهوريين تبعد الحلفاء وتساعد داعش والقاعدة، خاصة عندما يتم ترديد كذبهم بأنهم يمثلون واحدًا من أوسع الأديان انتشارًا (الإسلام).
إلي هنا وانتقادات أوباما تبدو طبيعية ومتوقعة، لكن المفاجأة كانت في تعليق نيكي هيلي حاكمة ولاية ساوث كارولينا التي قدمت رد المعارضة الجمهورية على خطاب الرئيس، وجهت هيلي-التي هاجرت أسرتها من الهند- انتقادًا مبطنًا لدونالد ترامب، قائلة: إننا نواجه تهديدات غير مسبوقة بما يجعل من المغري الاستجابة للأصوات الغاضبة بإطلاق صفارات الإنذار، لكن ينبغي مقاومة هذا الإغراء، فأيا كان من يعمل هنا ويتبع القوانين والتقاليد الأمريكية يجب ألا يشعر بأنه غير مرحب به، وهكذا تعرض الشخص المُتصدر في الانتخابات التمهيدية للرئاسة لانتقادات من كلا الحزبين في سابقة نادرة.
أهمية كلمات هيلي أنها من أبرز الشخصيات الجمهورية الآن، وهناك كلام عن إمكانية اختيارها مرشحة لنائب الرئيس في الانتخابات القادمة، لعلها لا تتوقع الآن أن تكون مع ترامب في تلك الانتخابات، لكن على ترامب أن يفوز أولا بترشيح الحزب الجمهوري وهو أمر ممكن لكنه غير مؤكد.
في كل الأحوال، قدم أوباما خطابًا رائعًا في تقدير أغلب المعلقين هنا، لكن كلماته لن تكون وحدها كافية لتحقيق أهدافه في العام الأخير لولايته مع الاستقطاب السياسي الحاد داخل واشنطن، كما لن تكون كافية لإنهاء التهديدات الإرهابية لداعش أو تسوية المشاكل في سوريا والعراق، هنا يصبح على الرئيس الأمريكي أن يقدم ما هو أكثر من الكلمات، وهنا أيضا يواجه أوباما الكثير من الشكوك في الداخل والخارج فيما يقدمه من حلول يعتبرها البعض غير فعالة أو ربما غير موجودة على الإطلاق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة