الحكومة المصرية تسعى لمحاصرة "عربات الأكل الشعبي" بإخضاعها للضرائب
اعتمدت وزارة التضامن الاجتماعي خطة تستهدف دمج القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي، لضمان حقوق العاملين ودفع الضرائب
"محمد ياسين"، شاب من منطقة عين شمس جنوب القاهرة، سعت والدته لتعيينه في مكان عملها بإحدى القطاعات بوزارة التموين، بناء على «إعلان داخلي» على أحد جدران بناية عملها، يوضح أن الوزارة ستعلن لاحقاً عن رغبتها في تعيين «دفعة من أبناء العاملين». لكن ككافة محاولات والدته السابقة لتعيينه، انتهت هذه المحاولة بالفشل، بعد قرار الوزارة إلغاء كافة التعيينات التي كانت قد أعلنت عنها في وقتٍ سابق.
كغيره من آلاف العاطلين، قرر"محمد" الذي يبلغ 26 عاماً من عمره، تأسيس مشروع تجاري خاص له، يتحصّل منه على أجر مادي شهرياً بعد انعدام حصوله على فرصة عمل دائمة، يقول "جهّزت عربة فول في الشارع الرئيسي لمنطقتي، أتولى من خلالها بيع ساندوتشات لسكان المنطقة في فترة الصباح حتى الظهيرة، وتوصيل الطلبات للمنزل أيضاً، وهو ما ساعدني في تحقيق ربح شهري مقبول، خصوصاً أن مشروعي لا يقع عليه ضرائب أو يستلزم الإجراءات الحكومية المُكلفة".
مشروع "محمد" ليس الوحيد داخل مصر الذي لا يستلزم تنفيذه أي إجراءات حكومية، أو تقع عليه ضرائب، بل يصل أصحاب هذه المشاريع لـ 9.8 مليون عامل، وتبلغ نسبة الباعة الجائلين منها 40%، إضافة إلى أنها تجذب نحو 73% من العمالة الجديدة في سوق العمل -حسب وزارة التخطيط المصرية- ساعين من خلال هذه المشروعات لمواجهة البطالة، والتهرب من دفع الضرائب، التي تختصم الجزء الأكبر من أرباحهم المحدودة.
سوق "العتبة" هي أشهر الأسواق الشعبية بالقاهرة، التي تمثل أحد نماذج مشروعات الاقتصاد غير الرسمي، والتي لا تخضع لإشراف الدولة إذ يتجمع داخله مئات الباعة المتجولين في الطرق والميادين داخل هذا السوق، بجانب هؤلاء الذين يفترشون على الأرصفة، فيما يحيط بمداخل هذا السوق التباعين في الميكروباصات التي تنقل الباعة، بجانب عربات الأكل الشعبي من فول وفلافل وكبدة ومكرونة، التي يتناول منها هؤلاء الباعة وجباتهم.
تشير أحدث التقارير الصادرة عن وزارة التخطيط تحت عنوان «الأسواق العشوائية دور القطاع غير الرسمي في تنمية الاقتصاد المحلي»، لبلوغ قيمة هذه المشروعات 1.2 و1.5 تريليون جنيه، مُسجلة خسائر للدولة بلغت 330 مليار جنيه، إهدار 50% من حصيلة الضرائب ورسوم تراخيص المنشآت الصناعية والتجارية.
بحسب الدكتور، عمرو إسماعيل، الباحث بمركز كارنيجي للأبحاث والدراسات السياسية، فالقطاع غير الرسمي، يتمثل في مجمل الأنشطة الاقتصادية التى تغيب عن نظر الدولة ولا تظهر في سجلاتها ولا تخضع من ثم لا لتنظيمها ولا لرقابتها ولا لتحصيل الضرائب، والتي تجرى بمعزل عن التسجيل القانوني لدى الدولة .
وأضاف "إسماعيل" في تصريحات خاصة لبوابة "العين" الإخبارية أن الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية أسهمت في توليد دخول لقطاعات كبيرة من المصريين مع التباطؤ الاقتصادى الكبير الذي تلا ثورة يناير، وانعدام فرص العمل، موضحاً أن أكثر من ٦٠٪ من الوظائف التي تم خلقها في الفترة ما بين ٢٠٠٦ و٢٠١٠ كانت ضمن أنشطة الاقتصاد غير الرسمي طبقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول مصر والصادر في ٢٠١٢.
اعتمدت وزارة التضامن الاجتماعي خطة تستهدف دمج القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي، لضمان حقوق العاملين ودفع الضرائب والحصول على منتجات جيدة، كما يقول "مسعد رضوان" مساعد وزير التضامن الاجتماعي في تصريحات لبوابة "العين" الإخبارية ، والذي أوضح كذلك أن الوزارة بدأت عملية دراسة تفصيلية لكافة المشروعات التي لا تخضع للضرائب، والتي تتمركز أغلب هذه المشروعات في الأسواق العشوائية وسط التجمعات السكنية ومنها أسواق يومية، وأسبوعية، وسنوية، ومقامه بالشوارع وعلى الأرصفة، ووسط المقابر، وحول مواقف سيارات الأجرة، ومحطات المترو، والقطارات، ومعظمها يفتقد لخدمات المرافق، والتخلص من تراكمها، وتلويثها للبيئة بالطرق التقليدية، والذي يعد إهدارا للموارد في ظل عدم توفير قروض للبائعة الجائلبين ومعظمهم من محدودي الدخل.
وأضاف "مسعد" أن الدولة ستتولى تفعيل جهات التفتيش والرقابة على الأسواق العشوائية منها وزارة الصحة، وقطاع التجارة الداخلية، بوزارة التموين، وجهاز حماية المستهلك، والغرف التجارية بالمحافظات، في محاولة لحصر هذه الأنشطة.
ويعترض "محمد"، الذي يبدأ مشروعه "عربة الفول" عامه الثاني، على خطة الحكومة لدمج مشروعه ضمن ملايين المشروعات إلى القطاع الرسمي، وتحصيل عليه الضرائب: "أولوية الحكومة في تجميع الفلوس من وراء الخطة، وتحصيل ملايين الجنيهات، مقابل تشريدنا في الشارع، وتدمير مشاريعنا التي سعيننا لتأسيسها بجهد ذاتي، بعد صعوبة الحصول على فرصة عمل ثابتة في الدولة".
"هل تنجح الحكومة في اخضاع هذه المشروعات للإشراف عليها ؟" يجيب عن ذلك "إسماعيل" قائلاً "المسألة شديدة الصعوبة والتعقيد، خصوصاً مع اختزال الحكومة المصرية القضية في رغبات الجباية المكبوتة لدى الحكومة المصرية من الحديث المتكرر عن إخضاع ما يسمى بالقطاع غير الرسمي للتحصيل الضريبي، والأبعاد الإجرائية والإدارية المرتبطة بتسجيل هذه الأنشطة لدى الدولة.
أخيراً، أكد "إسماعيل" أن الحكومة المصرية ينبغي عليها أن تسعى للتوفيق بين الرسمي وغير الرسمي لتحقيق أغراض التنمية بدلاً من أن يكون الهمّ الأول لها تحصيل الضرائب، مؤكداً أن من أشهر الحالات في بنك جرامين للإقراض متناهي الصغر في بنجلاديش، والذى عمم في العديد من بلاد العالم الثالث، ويقوم البنك على توفير قروض متناهية الصغر للفئات المهمشة اجتماعيا، خاصة في الريف، باستخدام الروابط المجتمعية المحلية والعائلية كضمان لحسن إدارة المشروعات وبالتالي الالتزام بالسداد.
aXA6IDE4LjIyMS41Mi43NyA= جزيرة ام اند امز