أحد أهم القرارات التي أطلقتها الحكومة السعودية مؤخراً ركزت على معالجة البطالة وزيادة فرص العمل في القطاع الخاص
ما يقارب الـ300 جهة حكومية تعمل في السعودية حالياً على تطبيق توجهات الحكومة السعودية الحالية بقيادة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي تم أولى ملامحها بداية العام الماضي 2015 م نحو "سعودية جديدة" إن جاز لنا التعبير، مع ما تشهده المنطقة من أحداث جيوسياسية تؤثر بشكل أو بآخر على المنطقة والبلد الخليجي الأغنى نفطياً.
هذه التحولات الجذرية في تركيبة الاقتصاد السعودي التي اتخذت عدة قرارات جريئة سعت إلى مزيد من الانفتاح نحو الأسواق الخارجية، بدءا بتكوين تحالفات اقتصادية نوعية مهّدت وتمهد لزيادة معدلات الاستثمار بين السعودية وعدد من الدول في العالم واستثمار أصولها داخليا، وصولاً إلى الهدف الاستراتيجي الأهم في الخمس سنوات المقبلة الذي يسعى إلى إيجاد اقتصاد متنوع، أقل اعتماداً على النفط وأفضل كفاءة نحو معدلات إنتاج نوعية ونسب نمو اقتصادية أعلى.
أحد أهم القرارات التي أطلقتها الحكومة السعودية مؤخراً، ركزت على معالجة البطالة وزيادة فرص العمل في القطاع الخاص والتي شملت إصلاحات هيكلية في نظام العمل وإنشاء هيئة تعنى بتوليد الوظائف ومكافحة البطالة، والثابت لدينا هنا وهو ما أعلنت عنه الحكومة السعودية، أن خيارات خلق الوظائف عبر القطاع الحكومي ستكون محدودة جداً إن لم يكن قد تم تحييدها أو إلغاء الكثير منها، نظرا للضغط الذي يواجه ميزانية الحكومة السعودية التي تنفق نصف موازناتها لأجور العاملين في القطاع الحكومي، وهو ما يضع تحديا حقيقيا أمام الحكومة السعودية في إصلاح سوق العمل ومنحه مزيداً من العوامل الجاذبة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من السعوديين للعمل في القطاع الخاص.
الإحصاءات الرسمية حول نسب البطالة في السعودية تتضارب بين معدلات 12% و36% وتأخذ الإناث النصيب الأكبر منها، ومع الجدل القائم حيال الدور المتبادل بين معدلات النمو في الاقتصاد والبطالة، نحاول هنا فهم التأثير المرتبط بالنمو الاقتصادي المتوقع للسعودية نتيجة قراراتها الأخيرة وكيفية تأثير ذلك على البطالة ومدى طبيعة العلاقة التي تربط بين المتغيرات الاقتصادية القائمة كالنمو، الاستثمار، معدل الأجور ونسب التضخم، وما يهمني هنا هو معدلات الأجور التي يتوقع أن تنخفض خلال العام المقبل نتيجة خروج عدد من الجهات الحكومية من المنافسة في سوق العمل تبعاً للسياسة الجديدة، مع ارتفاع تكاليف الإنتاج لدى القطاع الخاص الذي سيحاول تقليص ذلك كما أعتقد عبر خفض التكلفة التشغيلية، ومع توقع وصول نسب التضخم التي طمأنت السعودية ببقائها ضمن معدلات "مقبولة" يبرز ثقل آخر يضاف على هذه الأعباء، وقد يسهم في خلق بيئة عمل غير جاذبة للقطاع الخاص لا تمكنه من مساعدة الحكومة في الوصول إلى الأهداف التي تنوي تحقيقها.
سأبقى متفائلاً بأن ارتفاع معدل النمو سيحفز ويدفع نحو ارتفاع نسب التشغيل بما يؤدي إلى انخفاض معدل البطالة في حال استطاعتنا تطبيق سياسات اقتصادية قادرة على إنعاش الطلب بما يحقق المعادلة الأفضل للاقتصاد الوطني وطالبي العمل، يبقى التساؤل الأهم، هل لدى القطاع الخاص في السعودية الاستعداد لمساهمة أكبر في الاقتصاد الوطني؟ وكيف يمكن له ذلك؟ برأيي أن إرهاصات اقتصادية قادمة ستشمل خارطة طريقة تحمل سياسات اقتصادية أكثر التزاماً سيتم وضعها أمام القطاع الخاص في المرحلة المقبلة، إلا أنني لا أتمنى أن يتحمل طالبو العمل تبعاتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة