حديث بوتين المخادع عن «إمكان» منح بشار الأسد اللجوء السياسي على رغم انه «سابق لأوانه»، لا غرض له سوى المناورة وإطلاق بالونات اختبار
صمود المعارضة يضطر بوتين الى «المرونة»
حديث بوتين المخادع عن «إمكان» منح بشار الأسد اللجوء السياسي على رغم انه «سابق لأوانه»، لا غرض له سوى المناورة وإطلاق بالونات اختبار قبل الموعد المزمع في غضون عشرة ايام لبدء المفاوضات في جنيف بين المعارضة والنظام، ذلك ان الرئيس الروسي متمسك الى اقصى حد ببقاء تابعه المخلص رئيساً، حتى ولو على رقعة مصغرة من سورية.
أما السبب الذي يدعو «القيصر» الذي يهوى عرض عضلاته الى المناورة ودغدغة آمال المعارضين وسائر السوريين برحيل الديكتاتور، فهو ان حملة القصف الجوي والصاروخي والمدفعي التي تشنها قواته في سورية لم تحقق حتى الآن الأهداف المتوخاة منها، أولاً لأن المعارضة تمكنت من الحفاظ على معظم مواقعها على رغم شراسة الهجمة وبعض النكسات الصغيرة هنا وهناك، وثانياً لأن الوقت يضغط على موسكو على رغم ادعاءاتها بأنها «مرتاحة جداً» في حربها وأن جيشها «يتمرن» فحسب.
كان جنرالات موسكو يعتقدون ان قنابل قاذفاتهم ستدفع مقاتلي المعارضة الى الانكفاء وبسرعة، لكن كلما اثبت هؤلاء صمودهم كلما ألحّ بوتين على تحقيق «انتصارات» ودعا حلفاءه الميدانيين من «الحرس الثوري» و «حزب الله» وسائر الميليشيات الداعمة للنظام الى بذل جهود اكبر للدفاع عن سمعته التي تواجه امتحاناً جدياً، بعدما كان يأخذ على الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة «عدم فاعليته» في محاربة «داعش» عبر القصف الجوي وحده.
ولهذا ايضاً خرق «حزب الله» الحدود الأخلاقية كافة في حصار مضايا، لأنه مستعجل كثيراً للاستفادة من الهجمة الروسية في تحقيق انتصار، أي انتصار. وكان يُظن ان اسرائيل وحدها لا تقيم وزناً في عدوانها لأي قيم انسانية، مثلما فعلت في حصار بيروت، عندما كان جنودها يفتشون الداخلين الى المدينة بحثاً عن رغيف خبز، ومثلما تفعل حالياً في حصار غزة المنكوبة، إلى ان بزّها الحزب المتشدق بشعار «تحرير الارض والانسان» في اساليبها الوحشية، ذلك اننا لم نر صوراً لمعتقلين لدى العدو وقد برزت عظام اجسادهم من الجوع مثلما يحصل في البلدة السورية.
والسبب الثاني لـ «المرونة» التي يبديها بوتين عندما يتحدث عن «أخطاء الاسد الكثيرة» وعن «حاجة سورية الى دستور جديد»، فهو رغبته في ان يظهر دولياً بمظهر المحايد الذي يتعاطى مع الوضع السوري بواقعية ولا هدف له سوى «محاربة الإرهاب»، موجهاً كلامه أساساً الى الغرب المكتوي باعتداءات المتطرفين المشبوهة الدوافع والتدبير. لكن السوريين انتفضوا قبل خمس سنوات ليس فقط لأنهم يريدون تعديلاً دستورياً او إقراراً من هذه الدولة او تلك بـ «أخطاء» الاسد التي وصلت الى حد قتل 300 الف سوري وتشريد الملايين وتدمير نصف البلاد، بل لأنهم لا يرون حلاً للأزمة في بلدهم يقلّ عن تغيير النظام ورحيل رأسه، بل ومحاكمته مع حاشيته، حتى بعد فراره الى موسكو.
ويستفيد بوتين في مناورته من الموقف الاميركي المتدرج في تخاذله. وقبل يومين اتهم منسق الهيئة التفاوضية للمعارضة رياض حجاب الولايات المتحدة بالتراجع عن كل مواقفها السابقة الداعية الى رحيل الاسد وحتى عن المرحلة الانتقالية وعن سائر مقررات اجتماعي جنيف، وانها لم تعد تريد سوى حكومة يشكلها الاسد ويعطي فيها بعض الحقائب لمعارضين يختارهم.
إلا ان الأخطر من كل هذا، ان الاميركيين يلجأون في تصعيد ضغطهم على المعارضة، الى تأخير وتجميد شحنات الأسلحة والذخائر، وهو ما يفسر الى حد كبير التقدم المحدود الذي تحققه ميليشيات الأسد.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة