البرقية النيابية حملت الكثير من البيانات غير الصحيحة التى تتملق الرئيس وتنتقص من قدر السلطة التشريعية
رغم كل الضجيج الذى أثاره الأداء الهزلى للعديد من أعضاء مجلس النواب فى جلسته الأولى والذى دفع النائب الموقر كمال أحمد إلى تقديم استقالته من هذا «السيرك» على حد تعبيره، فإن الأسوأ بالنسبة للبرلمان لم يكن فى هذا الهزل وإنما كان «فى منتهى الجد» الذى جسدته البرقية التى وجهها رئيس البرلمان على عبدالعال باسم النواب بعد التصويت عليها بالتصفيق، إلى رئيس الجمهورية.
البرقية النيابية حملت الكثير من البيانات غير الصحيحة التى تتملق الرئيس وتنتقص من قدر السلطة التشريعية وتثير الشكوك فى مدى استعداد الأعضاء للقيام بمهمة الرقابة والتشريع.
تقول البرقية إن الانتخابات النيابية التى أفرزت هذا المجلس الموقر «كانت المنافسة فيها بين عدد غير مسبوق من المرشحين دفعتهم إليها أجواء الحرية والأمن والأمان»، وهذا الكلام لا يليق بـ«الموقر» ولا بـ«الموقرين».. فعدد المرشحين فى الانتخابات بلغ 5450 مرشحا على 448 مقعدا للفردى و435 مرشحا على 120 مقعدا للقوائم بإجمالى 5885 مرشحا على 568 مقعدا، فى المقابل شهدت انتخابات 2011 منافسة بين 6024 مرشحا على 166 مقعدا للفردى و4340 مرشحا على 330 مقعدا للقوائم بإجمالى 10364 مرشحا على 496 مقعدا فقط، وفقا لتحليل الدكتور ماجد عثمان للانتخابات النيابية فى 2011، بل إن عدد المرشحين فى الانتخابات التى بدأت إجراءاتها فى بداية العام وأوقفتها المحكمة الدستورية كان 7416 بحسب إعلان اللجنة العليا للانتخابات.
وهذه ليست المعلومة الوحيدة الخطأ فى البرقية التى تحدثت عن «تحقيق مزيد من الاستثمار وارتياد آفاق جديدة للتنمية وخلق فرص جديدة للعمل»، فى حين أن أغلب البيانات تؤكد تعثر الاقتصاد فارتفع الدين العام المحلى من 1.8 تريليون جنيه فى يونيو 2014 إلى 2ر2 تريليون جنيه فى يونيو 2015 والتضخم ارتفع من 8.2% إلى 11.4% وارتفع الدين الخارجى من 46 مليار دولار إلى 48 مليار دولار، وعجز الموازنة من 255.4 مليار جنيه إلى 262.5 مليار جنيه خلال الفترة نفسها والجنيه يترنح أمام الدولار كما لم يحدث من قبل.
ورغم ذلك فالموضوعية تقتضى الإشارة إلى تراجع معدل البطالة إلى 12.7% فى الربع الثالث من 2015، مقابل 13.3% فى الفترة نفسها من العام الماضى، كما زاد الاستثمار الأجنبى المباشر من 4.2 مليار دولار فى 2014 إلى 6.4 مليار دولار فى 2015.
البرلمان ليس صوتا واحدا ويجب ألا يكون، وليس موقفا واحدا ويجب ألا يكون، وبالتالى لم يكن يجب أبدا أن تخاطب البرقية الرئيس بالقول إن «مجلس النواب.. ليعلن تأييده لسياستكم الحكيمة التى رسمت معالم الطريق.. ويعلن تأييده لسياستكم الحكيمة ونفاذ بصيرتكم.. ويؤازر توجهاتكم ومنهجكم الواضح ببصيرة وحكمة قائد ادخر نفسه لتحقيق وحدة الصف العربى». فدور البرلمان مراجعة سياسات الرئيس وتصويبها وزيادة حكمتها وليس تأييدها بشكل مطلق، ودوره مراقبة أداء الرئيس وترشيده لأن هذا هو ما تقضى به المادة 101 من الدستور التى تقول إن المجلس «يتولى سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية» التى يمثل رئيس الجمهورية رأسها.
لم يكن من اللائق أن يستهل البرلمان مسيرته بهذه اللغة فى مخاطبة رأس السلطة التنفيذية التى عليه مراقبتها وتصويب أدائها، اللهم إلا إذا كان البرلمان يعتزم أن يكون «ختامة إلكترونية» تختم على قرارات السلطة التنفيذية بدون تفكير وهو ما لا نرضاه لبرلمان ثورة 30 يونيو.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة