تعرضت المملكة العربية السعودية لحملة شعواء، خلال الأيام القليلة الماضية، وانساق الكثير من الصحفيين خلف الدعاية الإيرانية.
تعرَّضت المملكة العربية السعودية لحملة شعواء، خلال الأيام القليلة الماضية، وانساق الكثير من الصافيين خلف الدعاية الإيرانية، وكان التساؤل ومازال: أين المعضلة؟ لماذا انفجر الصدام على هذا النحو بين السعودية وإيران؟
التناقض بين الموقف الإيراني حيث الهجوم على السفارة السعودية في طهران وبين تصريحات المتحدث الرسمي للخارجية الإيرانية الذي أبدى دهشته من القرار السعودي بسحب بعثته الدبلوماسية. جاء ليعكس الأزمة الإيرانية. وتفاقم الازدواجية التي تعانيها إيران، وتعصف بمصداقيتها أمام الرأي العام العالمي، إن كانت لها مصداقية.
كشف الصراع الراهن الجرح الكبير، الذي تعانيه المنطقة، بسبب الجار الإيرانى. الذي يعتبر أي شيعي هو أقرب إليه من أي أحد أخر. الشيخ نمر باقر المفترض أنه مواطن سعودي يعيش على أرض المملكة، لكن انتماءه لإيران مقدم على انتمائه لبلاده. في العلوم السياسية تعريف هذه الحالة خيانة. ومنذ أن ظهرت الدولة الوطنية الحديثة بمفرداتها المتعارف عليها، فإن إيران تعتبر حالة شاذة، بكل المقاييس؛ الأمر هنا يتجاوز الكلام الإنشائي حول التدخل في شؤون الآخرين، وما يجوز وما لايجوز. ومِن ثَمَّ فإن الوضع أكثر خطورة وتعقيدًا، مما يبدو عليه في ظاهره؛ فالمرشد الأعلى إمبراطور، يرى نفسه كذلك، له رعايا داخل إيران ورعايا خارجها، الرئيس والحكومة بمثابة لجنة تنفيذية تعمل على مصالح رعايا المرشد في الداخل؛ أي في إيران، أما الرعايا في الدول الأخرى من الشيعة هم من اختصاص الحرس الثوري الإيراني، إذن نحن أمام معضلة؛ أمام "دولة" من طراز العصور الوسطى تعيش في العصر الحاضر. فكيف تكون العلاقة مع الجيران؟
ما يجري فوق السطح الإيراني يعكس حجم الأزمة التي تعانيها طهران بسبب ثلاث إشكاليات، إيران الثورة/ الدولة. وإيران الهوية الفارسية/ العقيدة. ثم إيران الداخل/ وتنظيمات الخارج. هذه الإشكاليات الثلاث يدفع ثمنها الجيران منذ عام 1979 أي منذ اندلعت الثورة الإيرانية.
بالنسبة للإشكالية الأولى، فإن إيران هي الحالة الوحيدة التي يعرفها البشر في العصر الحديث التي تتأرجح ما بين فكرة الثورة واستقرار الدولة. وطوال ما يقرب من 37 عامًا لم تأخذ إيران طريقها للاستقرار كدولة لها محددات ومنطلقات طبيعية تنسجم مع الواقع المعاش حولها؛ لأن طموحها الإمبراطوري غير الواقعي يجعلها في حالة صراع دائم، وثورة لا تتوقف، ليس معنى هذا أن طهران تؤمن بفكرة الثورة أو بمبدأ مراجعة الذات، فحينما حدث ذلك على أراضيها عام 2009 خلال انتفاضة الطلبة، قام الحرس الثوري بقمعها بأبشع السبل، وأعدموا قيادات طلابية جهارًا نهار دون محاكمات، للأسف إيران تخول لنفسها التدخل في شؤون الآخرين، بجلافة وبدون أي لياقة دبلوماسية.
الإشكالية الثانية، وهي الصراع الذي نشب عام 1979 بين الهوية الوطنية الفارسية وبين مشروع الثورة ذات الصبغة الدينية الإسلامية وما زال مستمرًّا، ولم ولن ينتهي. وهو صراع يعتمل داخلها بقوة، ولا يمنع انفجاره سوى القمع الواسع الذي تنتهجه السلطة هناك، تجاه أي شخص مهما كان موقعه، وكانت مكانته. مثلما جرى لخاتمي الرئيس الإيراني الأسبق. الذي تحدث في حفل عام ذات مرة عن الهوية الفارسية، فتم تحديد إقامته.
الإشكالية الثالثة، تتعلق بوجود امتدادات للحرس الثوري الإيراني خارج حدود إيران، مثل حزب الله في لبنان والجماعات الشيعية في مصر وبعض دول الخليج، وشمال إفريقية، وبعض هذه التجمعات يعلن انتماءه لطهران قبل انتمائه لبلاده التي يسكن ويعيش على أراضيها. وفي العديد من المناسبات والقضايا ينفجر ملف الشيعة عندنا في مصر، يثور نقاش دائم لا ينقطع حول مدى إخلاصهم لوطنهم مقارنة بما يؤدونه لطهران، وما من شك أن جزءًا من مسؤولية هذا الوضع المشوه يقع على عاتق الدول العربية، التي تقاعست عن اتخاذ أية مواقف حاسمة تجاه تصرفات طهران، وسياساتها، طوال العقود الثلاثة الماضية، على الأقل في إطار دبلوماسي ودولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة