لقد كان الأزهر الشريف حاضرا بشدة فى خطاب إسلام بحيري؛ وتصدى رجال الأزهر لما اعتبروه اجتراء من إسلام بحيرى على كتاب صحيح البخاري
لا أدرى لماذا أحسست بأن ثمة رابطا بين المشهدين التعيسين: مشهد إسلام بحيرى وفى يده القيد الحديدى يساق إلى
السجن بتهمة ازدراء الدين الإسلامي؛ ومشهد محمد حسن محمد محفوظ الشهير باسم محمد شيكا أو بالأحرى مشهد جثته بعد مصرعه إثر محاولته تنفيذ عمل إرهابى بفندق الغردقة أخيرا. ورحت أستعيد صور إسلام بحيرى وهو يحاول من خلال شاشة التليفزيون أن يطرح رؤيته الناقدة لبعض ما جاء بكتب الحديث وعلى رأسها صحيح البخارى وكيف أن بعض ما جاء فى تلك الكتب مازال يدرسه أبناؤنا فى الأزهر؛ كان إسلام بحيرى يبدو متفائلا واثقا من آرائه مطمئنا إلى أنه إنما يستجيب بطريقته لدعوة متكررة ملحة تحمل عنوان «تجديد الخطاب الديني».
ورحت أيضا أستعرض صورا منشورة لصفحة الفتى محمد شيكا وكيف كان شابا مرحا مبتسما يدرس بإحدى الأكاديميات الخاصة، ويعمل بأحد مطاعم الوجبات السريعة وكان جده يعمل فى مكتبه، ووالده كان يعمل فى الشركة الشرقية للدخان بالجيزة، وانقطعت علاقته بأسرته بعد رفض والده ترك عمله فى شركة الدخان بحجة أن العمل بها «حرام». كان شيكا متحمسا لأحد النوادى الرياضية الشهيرة منضما لرابطة مشجعى ناديه؛ وشارك فى كل الفعاليات العنيفة لرابطة الألتراس التى ينتمى إليها؛ والتى صدر حكم قضائى بحظرها واعتبارها جماعة إرهابية محظورة، ولكنه منذ عام تقريبا أدار ظهره لذلك كله وأطلق على صوره القديمة عنوانا شبابيا هو «أيام الحكرتة أو الصياعة» وبدأ يكتب عن «الجهاد وطلب الموت لدخول الجنة وامتداد دولة الخلافة الإسلامية لتصل الولايات المتحدة الأمريكية» إلى آخره.
لقد كان الأزهر الشريف حاضرا بشدة فى خطاب إسلام بحيري؛ وتصدى رجال الأزهر لما اعتبروه اجتراء من إسلام بحيرى على كتاب صحيح البخاري؛ وحاورهم البحيرى وحاوروه؛ واشتد عليهم واشتدوا عليه؛ ثم سيق إلى المحكمة ليصدر الحكم بسجنه.
أما صاحبنا محمد شيكا فقد كان يغرد بعيدا وفى الأغلب الأعم فإنه كان ينهل من بئر بعيدة عن البحيرى وعن الأزهر فضلا عن بعدها بطبيعة الحال عن دعوة الرئيس السيسى لتصحيح الخطاب الديني؛ ولنتأمل معا ما كتبه بتاريخ 1 يناير 2016:
«لا تهنينى بعيد ليس عيدى لست قسيسا ولا جدى يهودي. رأس عامى غرة الشهر المحرم وبه أزلفت للعام الجديد» وهى أبيات شعر وجدتها على عدد من مواقع دينية عديدة ولم أتوصل إلى صاحبها الأصلي.
وكتب على صفحته فى السابع فى 7 يناير 2016 أى قبيل إقدامه على ما أقدم عليه بثمان وأربعين ساعة فقط:
«يا من حفظت قل هو الله أحد مالى أراك هنأت من قال إن لله ولد» «يعنى السماء والأرض والجبال هينشقوا لمجرد ناس بتدعى إن لربنا ولد، تقوم إنت تهنى الناس دى بأعيادهم»، مدللا بآيات من سورة مريم «تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنبَغِى لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً».
وليس من الصعب أن نتبين أن على رأس من يتوجه إليه محمد شيكا بخطابه التكفيرى شخصيتين بارزتين:
الشخصية الأولى هى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى ذهب بنفسه للعام الثانى على التوالى إلى الكاتدرائية لتهنئة الأشقاء المسيحيين بعيدهم معتذرا لهم عن تأخر الدولة فى الانتهاء من ترميم ما أصاب بعض كنائسهم وبيوتهم من حرائق.
الشخصية الثانية التى يتجه إليها خطاب محمد شيكا هى فضيلة شيخ الأزهر الذى بعث مساء آخر أيام السنة الميلادية برقية نشرتها الصحف نصها:
«قداسة البابا/ تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تحية طيبـــة.. وبعد؛ فيسرنى فى مناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد أن أبعث لقداستكم والإخوة أقباط مصر، بأصدق التهاني، وأطيب الأماني. إننا فى أرض الوطن الذى يضمنا جميعًا نبتهل إلى الله أن يرعى خطواتنا المشتركة دعمًا لما بيننا من مشاعر الأخوة، ووشائج القربى فى الكفاح الوطنى لما فيه الخير لأبناء مصر، وطننا الذى نعتز به، والذى تعلمنا منه قيم السماحة والإخاء والوحدة. وكل عام وأنـتم بخير».
بل لعل شيكا قد قرأ أيضا فى الصحف كيف قام شيخ الأزهر فى الرابع من يناير 2016 بزيارة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وذلك لتهنئة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بعيد الميلاد، وكان برفقته كل من الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، والدكتور محيى الدين عفيفي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور محمد أبوزيد الأمير، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، والدكتور محمود حمدى زقزوق، الأمين العام لبيت العائلة.
إن الشاب محمد شيكا ليس وحيدا فمثله كثر؛ وهم يتفقون رغم ما قد يكون بينهم من تباين على إدانة إسلام بحيرى ورفاقه وكذلك وربما بصورة أشد على إدانة الأزهر ورجاله وقبلهم جميعا بطبيعة الحال الرئيس عبدالفتاح السيسى والسلطة القائمة.
خلاصة القول
إن تصحيح الأزهر لخطابه بحيث يصبح أكثر انفتاحا وتسامحا لن يزيد رفاق شيكا إلا غضبا؛ ولكنه يضيف إلى قوى الاعتدال زخما جديدا، والزج بإسلام بحيرى إلى السجن لن يضيف شيئا إيجابيا إلى صورة الأزهر فى عيون الإرهابيين أو غيرهم كما أنه لا يضيف شيئا البتة لرصيد الرئيس السيسى داعية الإصلاح الديني؛ بل لعله يسحب الكثير من أرصدة دعاة التعايش والاعتدال.
إن الجميع دون استثناء فى مرمى التكفير؛ وليس من سبيل فيما أظن إلا أن يلتحم الجميع مهما يكن ألم المراجعة فى مواجهة خطر يهددنا جميعا.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة