الفتى "الهيكل" بمضايا: ما من نبض .. والجوع يلتهم دموع عائلته
ممثلة اليونيسيف تروي مشهد وفاة علي جوعًا
ممثلة اليونيسيف تروي مشهد وفاة الفتى علي جوعًا في بلدة مضايا السورية، وعدم قدرة عائلته حتى على البكاء عليه.
تنهمك الطواقم الطبية في معاينة السكان المحاصرين في بلدة مضايا السورية، التي باتت رمزًا لمعاناة المدنيين مع انضمام فتى إلى قائمة المتوفين جراء الجوع، في وقت تحث الدول الغربية الأمم المتحدة على التحرك لرفع الحصار.
ويعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا عاجلًا، الجمعة، للمطالبة برفع الحصار عن المدن السورية، في وقت أكدت موسكو أن الوجود العسكري لقواتها في سوريا "مفتوح" بموجب اتفاق بين الطرفين.
وغداة إدخال دفعة ثانية من المساعدات إلى بلدة مضايا المحاصرة بشكل محكم منذ ستة أشهر، دخلت الجمعة "عيادة نقالة تابعة لمنظمة الصحة العالمية والهلال الأحمر السوري إلى مضايا لمعالجة حالات الجوع"، وفق ما قالت مسؤولة وحدة الإعلام في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة رنا صيداني.
وأوضح مدير العمليات في منظمة الهلال الأحمر العربي السوري تمام محرز، أن العيادة "عبارة عن حافلة مجهزة بسرير للفحص والمعدات اللازمة لتقديم الرعاية الأولية من قبل طاقم طبي مؤلف من طبيب مختص وممرض".
وقال إنها غادرت مضايا "بعد ظهر اليوم، وعادت إلى دمشق بعد معاينة عدد من الأشخاص".
وتعمل المنظمة وفق محرز، على تأسيس مركز طبي في بلدة بقين المحاذية لمضايا لتقديم الخدمات الطبية لسكان البلدة والمناطق المجاورة، موضحًا أن المركز في طور التجهيز، لكن موعد افتتاحه لم يحدد بعد.
ومن المقرر دخول فرق طبية جديدة إلى مضايا، الأحد، وفق الأمم المتحدة.
ويأتي دخول الطاقم الطبي إلى مضايا بالتزامن مع إعلان منظمة يونيسف، الجمعة، أسفها لموت فتى يُدعى علي، ويبلغ 16 عامًا في مستشفى ميداني في مضايا بحضور مندوبيها الذين كانوا في عداد بعثة الأمم المتحدة المرافقة لقافلة المساعدات، الخميس.
"ما من نبض":
وروت ممثلة المنظمة في سوريا هناء سنجر -بتأثر بالغ- كيف شهدت وفاة علي. وقالت: "أخذونا إلى الطابق السفلي من مستشفى ميداني، حيث كان طفلان، جسداهما أشبه بهيكلين عظميين، يتشاركان سريرًا واحدًا".
وأوضحت أن طبيبة من المنظمة اقتربت لمعاينة علي، ووجدت أنه "ما من نبض، فبدأت بإنعاشه. مرة مرتان ثلاث مرات، ثم نظرت إليَّ وقالت، لقد رحل قبل أن تقدم على أغماض عينيه".
ولم يقوَ أفراد عائلة علي الجالسين في الغرفة ذاتها على التعبير عن حزنهم، وفق سنجر، جراء الإرهاق الذي يعانون منه، إلى درجة "أنهم لم يكونوا قادرين على الحزن أكثر. كانوا يبكون بصمت .. عاجزين".
وعلي هو واحد من نحو ثلاثين شخصًا توفوا جراء سوء التغذية، منذ مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر، نتيجة الحصار.
وقالت سنجر: "يتسوَّل الأطفال للحصول على قطعة من الخبز، بعضهم يأتي ويعتذر منك بعد السؤال لمرات عدة (عن الخبز) وإجابتك بأنه ليس بحوزتك شيء".
وتؤوي مضايا نحو 42 ألف شخص، بينهم عشرون ألف طفل، وفق منظمة يونيسف التي أكدت أنه "من غير الممكن قبول حدوث كل هذا في القرن الحادي والعشرين".
ويعمل طبيبان فقط في البلدة. ولم يحصل الأطفال الصغار في مضايا على التلقيح ضد شلل الأطفال أو الحصبة أو الأمراض الأخرى منذ نحو عشرة أشهر.
وذكرت منظمة يونيسف، الجمعة، أن الفحوصات التي أجراها فريق منها ومن منظمة الصحة العالمية، الخميس، "أظهرت علامات سوء التغذية المتوسطة والحادة على 22 طفلًا" من 25 تم فحصهم.
كما ظهرت على ستة من أصل عشرة أطفال وفتيان آخرين تتراوح أعمارهم بين ستة و18 عامًا "علامات سوء التغذية الحاد"، وبينهم فتى (17 عامًا) في "حالة تجعل حياته مهددة، وهو بحاجة ماسة إلى الإجلاء الطبي الفوري".
وتحدثت عن امرأة حامل في شهرها التاسع، "تعاني من عُسر في الولادة وبحاجة ماسة إلى الإجلاء الطبي الفوري".
وأعلنت الأمم المتحدة، الإثنين، أن نحو 400 شخص يعانون من سوء التغذية و"مشاكل طبية" أخرى "مهددون بالموت" في مضايا و"بحاجة إلى الإجلاء لتلقي رعاية صحية ملحة".
وتشكل مضايا مع الزبداني المجاورة والفوعة وكفريا في شمال غرب البلاد المحاصرتين من الفصائل المقاتلة، أربع مناطق تم التوصل فيها إلى اتفاق في أيلول/سبتمبر بين الحكومة السورية والفصائل المعارضة. وينص الاتفاق الذي تم برعاية الأمم المتحدة على وقف لإطلاق النار وإيصال المساعدات وإجلاء الجرحى والمقاتلين، ويتم تنفيذه على مراحل.
مطالبات برفع الحصار:
وانتقدت منظمة يونيسف "وجود 14 مضايا" أخرى في سوريا، في إشارة إلى المناطق التي "تستخدم فيها أطراف النزاع المختلفة الحصار كخطة وتكتيك حربي".
وطالبت سنجر بـ"منح الفرق الإنسانية إمكانية الوصول دون عوائق أو شروط أو قيود؛ من أجل تقديم الرعاية الطبية والغذائية العلاجية والإجلاء الطبي الفوري للحالات الحرجة لدى النساء والأطفال".
على المستوى الدولي، تستمر الدعوات لرفع الحصار عن مضايا قبل نحو أسبوعين من الموعد المحدد لانطلاق جولة التفاوض بين ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة في جنيف بحثًا عن تسوية سياسية.
وطلبت باريس وواشنطن ولندن، الخميس، عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي؛ لبحث هذا الموضوع. وبحسب دبلوماسيين، سيعقد الاجتماع، الجمعة، عند الساعة 20،00 بتوقيت غرينتش.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الخميس، أن "استخدام التجويع سلاح حربي يشكل جريمة حرب"، مضيفًا أن الطرفين "يصبحان مسؤولين عن ذلك وعن فظاعات أخرى تحظرها القوانين الإنسانية الدولية".