مع انتصاف الشهر الرابع من الانتفاضة الفلسطينية لا تزال الدوائر الأمنية الإسرائيلية تدرس دوافع الشبان الفلسطينيين لتنفيذ العمليات
مع انتصاف الشهر الرابع من الانتفاضة الفلسطينية لا تزال الدوائر الأمنية الإسرائيلية، تدرس دوافع الشبان الفلسطينيين لتنفيذ العمليات والهجمات التي يغلب عليها الطابع الفردي ضد جنود ومستوطنين في الضفة الغربية؛ على الرغم من أن الأمر بالنسبة للفلسطينيين واضح ويتعلق بالأساس بالممارسات الإسرائيلية نفسها.
وحسب صحيفة هآرتس العبرية، فإن ضباط الاستخبارات الإسرائيلية، يجرون تحقيقات مع أسرى فلسطينيين، سجنوا في أعقاب تنفيذهم أو محاولة تنفيذ عمليات دهس وطعن في الضفة الغربية والقدس؛ للوقوف على دوافعهم من وراء شن هذه الهجمات خلال الانتفاضة.
واندلعت هذه الموجة من الانتفاضة مطلع أكتوبر الماضي، فيما يعزوه الفلسطينيون لتصاعد عمليات الاقتحام التي يشنها المستوطنون والمسؤولون الإسرائيليون للمسجد الأقصى، بالتوازي مع وضع خطط تنفيذية لتقسيمه زمانيا ومكانيا، في ظل انسداد الأفق السياسي وتصاعد الاعتداءات في الضفة واشتداد وتيرة الحصار بغزة.
الانتقام واستهداف الرموز
ويقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل: إن المعطيات التي استنتجها الضباط من تحقيقاتهم مع الأسرى الفلسطينيين، تفيد بأن منفذي عمليات الطعن، التي وقعت منذ تشرين الأول الماضي، استهدفت "رموز" الاحتلال، (الجنود والمستوطنين).
وخلصت تحقيقات الضباط الإسرائيليين أن منفذي عمليات الطعن "أرادوا الانتقام لقتل شبان حاولوا تنفيذ عمليات مشابهة".
وبحلول مساء الجمعة استشهد 161 فلسطينيًّا برصاص الاحتلال الإسرائيلي، بينهم 28 طفلاً، وسبع نساء منذ اندلاع الانتفاضة الحالية.
ويؤكد الباحث الحقوقي ياسر عبد الغفور، أن إقدام الاحتلال على تنفيذ عمليات إعدام ميدانية وقتل الشبان والفتيات، يمثل أحد الدوافع الأكيدة لشن العمليات، إضافة لمجمل الاعتداءات خاصة ما يتعلق باقتحام المسجد الأقصى ومحاولة السيطرة عليه.
وأشار عبد الغفور -في حديثه لـ"بوابة العين"- إلى حالة الشهيد فادي خصيب الذي استشهد في 27 نوفمبر الماضي بعد تنفيذه عملية دهس استهدفت جنديين إسرائيليين في طريق الخان الأحمر شمال القدس المحتلة؛ حيث جاء استشهاده بعد أقل من أسبوع على استشهاد شقيقه شادي برصاص الاحتلال.
كما لفت إلى حالة أخرى عندما استشهد شاب من عائلة كوازبة بالخليل، فتحرك ثلاثة من أبناء عمومته للثأر له وللشهداء عمومًا، ليستشهدوا هم أيضا في عمليات إعدام ميدانية، توفر حافزًا جديدًا للشبان لشن هجمات ثأرية مضادة.
العمليات ستتواصل
وحسب معطيات فلسطينية، فخلال ثلاثة أشهر ونصف من عمر الانتفاضة، تم تسجيل نحو 81 عملية طعن وإحباط 50 عملية أخرى، إضافة إلى 19 عملية دهس، فيما نفت 83 عملية إطلاق نار وأحصي إلقاء نحو 1002 عملية إلقاء زجاجة حارقة كان أهمها في منطقة الخليل.
ويخلص هرئيل من التحقيقات مع الأسرى الفلسطينيين، أن هذه العمليات ستتواصل لأمد طويل، في حين كان الاستنتاج الثاني هو أن التحسن في الأداء التكتيكي للقوات الميدانية (الإسرائيلية) أسهم في خفض عدد المصابين، واستدرك أن الرد الحالي ما يزال بعيدًا أن يكون متكاملا، خاصة في المجال "الاستخباري".
وقتل 27 "إسرائيليا"، اثنان منهم بـ"نيران صديقة"، وأريتيري، في 11 عملية 5 في الضفة وأربع في مدينة القدس، فيما أصيب 368 إسرائيليًّا خلال هذه الهجمات.
أنماط ومنطلقات
ووفقًا لهرئيل؛ فإن الأسرى الفلسطينيين أجابوا على أسئلة الضباط بانفتاح وصراحة، وقال منفذو عمليات دهس إنهم قرروا استخدام سياراتهم بعد إدراكهم أن الكثير من منفذي عمليات الطعن لا ينجحون في تحقيق مرادهم ويستشهدون أو يصابون من جنود أو مستوطنين.
ولم يسجل خلال الانتفاضة سوى 19 عملية دهس في الضفة الغربية والقدس.
ووقع 60% من العمليات في الضفة الغربية في سبعة مواقع معروفة، بينها مفترق الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون"، ومفترق بيت عينون بشمال الخليل، وفي البؤرة الاستيطانية في الخليل.
دوافع متغيرة
وحسب صحيفة هآرتس العبرية، يتضح من التحقيقات مع الأسرى أن هناك تنوعًا في الدوافع واختلافًا فيها مع مرور الوقت؛ حيث إن الدوافع كانت في شهر أكتوبر (الشهر الأول للانتفاضة) هو الانتقام لما يحدث في المسجد الأقصى (الاقتحام المتكرر ومحاولة فرض التقسيم الزماني)، في حين كان في شهر نوفمبر/تشرين الثاني ساد جو عام للإعداد لانتفاضة ثالثة، في حين يرى الضباط أن الدوافع كانت في شهر كانون الأول هي تقليد لمنفذي العمليات السابقة.
وأضافت الصحيفة أن الأسابيع الأخيرة، كان الدافع هو الانتقام لاستشهاد منفذي عمليات، خاصة بعد إعدام قوات الاحتلال شبانًا فلسطينيين دون أن يحاولوا تنفيذ عمليات.
وحسب معطيات الجيش الإسرائيلي؛ فإن ثلث منفذي العمليات في الضفة الذين اعتقلوا أو استشهدوا، هم من منطقة الخليل، وحلت منطقة رام الله في المرتبة الثانية، بينما منطقتا قلقيلية وطولكرم أكثر هدوءًا.
وتتفق هذه المعطيات مع الإحصائيات التي وفرها مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي؛ حيث أشار إلى أن مدينة الخليل تتصدر المدن الفلسطينية في عدد الشهداء بواقع 50 شهيدًا.
الإحباط وانسداد الأفق
وضمن الدوافع التي توقفت عندها الدوائر الأمنية الإسرائيلية الإحباط وسوء الأوضاع الاقتصادية.
كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قال في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس عقب اجتماعهما في مدينة رام الله، في 26 نوفمبر الماضي: إن اليأس والإحباط وانعدام الأمل بالمستقبل أوصلت شبابنا إلى ما نشهده من ردود أفعال، في إشارة للهجمات ضد إسرائيل.
وأشار إلى ما يعيشه الشعب الفلسطيني من ظروف بالغة الصعوبة والخطورة من جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي وممارسات مستوطنيه الإجرامية، وعمليات التنكيل والاعتقالات والإعدامات الميدانية لشبابنا والحصار الاقتصادي الخانق.
تقلص المظاهرات وزيادة العمليات
ولاحظت الدوائر الإسرائيلية أن عددًا من منفذي العمليات خرجوا من مخيمات اللاجئين، في حين كان العدد من مناطق الضفة منخفضًا، فيما لفتت إلى أن حجم المظاهرات طرأ عليه تراجع ملحوظ، مقابل تسجيل ارتفاع في عمليات إطلاق النار، وهي عمليات فردية وليست لخلية منظمة.
وحسب معطيات رسمية، فإن 85% من الشهداء ومنفذي العمليات لا ينتمون إلى فصائل فلسطينية محددة.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، أن البنية الأمنية في الضفة الغربية تدفع باتجاه تحويل أي استعداد نفسي للعمل ضد إسرائيل إلى نشاط فردي لا صلة له بأي إطار تنظيمي، في ضوء ما تتعرض له الخلايا والمجموعات التي يجري تشكيلها إلى كشفها وتصفيتها.
ويضيف أن "غياب العمليات المنظمة أو ذات التوجيه الفصائلي ناجم عن غياب الشعور الجمعي بوجود الاحتلال في الضفة الغربية، إضافة إلى أن الاحتلال يمارس عملياته العسكرية بشكل محدد ومركز في دوائر ضيقة، وهو ما يجعل من المتأثرين به وبشكل ملحوظ قلة من المجتمع، فتتحول العمليات ضد الاحتلال إلى ما هو أشبه بردود الأفعال الناجمة عن خسارة ذاتية".
مؤشرات على العمل المنظم
ويؤكد مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي، علاء الريماوي في حديثه لـ"بوابة العين" تراجع سخونة المواجهات في الشهر الأخير مقارنة بالشهرين الماضيين؛ حيث بلغت وتيرة المواجهات مؤخرا بمتوسط حسابي يصل لـ13 نقطة مواجهة، بنسبة تراجع تصل إلى 70% عن الشهرين الأول والثاني من الانتفاضة.
غير أنه أكد أن العمليات الفردية، حافظت على نسب ثبات تصل إلى 80% (إطلاق نار، طعن أو محاولة) بواقع عمليتين يوميا إلى عملية ونصف.
وتوقف الريماوي عند بروز متغير جديد، تمثل بالكشف عن وجود مجموعات عسكرية منظمة، لافتًا إلى إعلان الاحتلال اعتقال أربعة خلايا تتبع الذراع المسلح لحركة "حماس"، إحداها خططت لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضع تصور لتفجير المنصة التي يكان سيتحدث عليها.
وأشار الريماوي إلى أنه رغم اعتقال هذه المجموعات، التي بلغ بعضها مستوى مرتفعًا من التجهيزات، فإن التخوف والتساؤل هو إذا كان هناك مجموعات أخرى لم يتم الكشف عنها.
والاستنتاج الأخير الذي توصلت إليه التحقيقات وجمع المعلومات، لدى الدوائر الأمنية الإسرائيلية، فإن الانتفاضة الفلسطينية ستستمر، وستشهد تصاعدًا حينا وتراجعًا حينا آخر، "لكن لا أحد في قيادة الجيش والشاباك يوهم نفسه بأن الانتفاضة الثالثة ستغيب قريبًا"، وفق صحيفة هآرتس.
وهو الأمر الذي يؤكد عليه الفلسطينيون أن كل المعطيات تقول إن الانتفاضة مستمرة حتى تنتهي عوامل تفجرها.
aXA6IDE4LjExOS4xOTIuMiA= جزيرة ام اند امز