يرى خبراء أن إخلاء سراح الوزير السابق ميشال سماحة يُشكِّل ضربة واضحة لاستقرار لبنان ولمحاولات تعلية الدولة فوق التحالفات الإقليمية.
يبدو أن إطلاق سراح الوزير السابق ميشال سماحة، قد عدل في المشهد السياسي القائم، وأعطى الزخم مجددًا، لقوى 14 آذار/ مارس، التي تعيش وسط نوع من التناقضات ما بين التنديد بعملية إخلاء السبيل من جهة ومن جهة أخرى التنافس فيما بينها على ترشيح كل من النائبين ميشال عون وسليمان فرنجية لموقع رئاسة الجمهورية، واللذين ينتميان إلى قوى 8 آذار/ مارس.
قرار الإفراج يرجح أن يحتل عناوين الأحداث اللبنانية لفترة طويلة، بما أنه يشكل سابقة لناحية الإفراج عن متهم بملفات وصفها رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بأنها "واحدة من أقذر الجرائم بحق لبنان"، معتبرًا أن سماحة "مجرم"، تعهَّد الحريري بأنه لن يسكت أبدًا عن إطلاق سراحه الذي وصفه بأنه "مكافأة للمجرم".
وكانت محكمة التمييز العسكرية اللبنانية قد قررت إخلاء سبيل سماحة، استنادًا إلى أنه قضى فترة الحكم عليه البالغة ثلاث سنوات ونصف (معظمها قضاها خلال فترة التحقيقات والمحاكمات)، بصرف النظر عن قيام النيابة بالطعن على الحكم الصادر بحقه، مع إلزامه بدفع كفالة مالية قدرها (100 ألف دولار) ومنعه من السفر، وكذلك منعه الإدلاء بتصريحات إعلامية أو على وسائل التواصل الاجتماعي. وذلك على إثر توقيفه في التاسع من شهر آب/أغسطس من عام 2012 بتهمة مساعدة النظام السوري في تنفيذ تفجيرات إرهابية في لبنان.
أثارت هذه العملية موجة انتقادات خاصة من قبل قوى 14 آذار/مارس؛ ﻷنهم اعتبروا الحكم مخففًا، خاصة أن سماحة قد اعترف خلال المحاكمة، كما أن هناك تسجيلات فيديو له تشير إلى تورطه في مخطط لتنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات بالتعاون مع المسؤول الأمني السوري على المملوك (الذي لم يمثل أمام القضاء)، ونشرت هذه الفيديوهات في قنوات تليفزيونية لبنانية.
يتحدث النائب السابق والخبير القانوني الدكتور صلاح حنين لموقع "العين" عن الأبعاد القانونية لإطلاق سراح ميشال سماحة، مشيرًا إلى أنه من يدافع عن إخلاء سبيل سماحة على أساس أن الجريمة لم تتم أود أن أوضح أن الجريمة لم تتم لأنه تم ضبطه وتوقيفه، وليس لأنه عدل عنها، وذلك من قبل مخابرات الجيش. طالما أن النية الجرمية موجودة وباعترافه، فكيف يمكن لنا أن نحاسبه على أساس أنه لم ينفذ الجريمة والعملية كانت ستتم لولا عملية الاستخبارات الناجحة. من هنا تلتغي الأسباب التخفيفية لأن كل مقومات الجريمة موجودة، لذا فإن الدفاع عنه ليس بمحله؛ لأنه لم تكن هناك يقظة ضمير لديه. من هنا كان من الضروري أن يتم التعاطي معه قضائيًّا بطريقة مختلفة.
وبحسب حنين، فإن إطلاق سراح ميشال سليمان يمكن وضعه في ثلاث خانات:
- إطلاق سراحه يُشير وكأن النظام الأمني السوري لا يزال موجودًا في لبنان، وأن يده تطال أكثر من قبل.
- قضية سماحة تحتمل التوسُّع في التحقيق؛ لكونها غنية بالتفاصيل، وبالتالي كان من المفترض أن يتم التفصيل بها للخروج بحقائق أكثر لأنه قد يكون هناك إخطار أخرى ينضوي تحتها التحقيق.
- المحكمة العسكرية التي أشرفت على التحقيق مع سماحة ليس بالضرورة أن تكون موجودة في الألفية الثالثة، لأننا كنا نعتبر المحكمة العسكرية آلية من آليات النظام السوري. والسبب أنه في البلدان الديمقراطية ينحصر دورها في مقاضاة العسكري وخلال المهنة. المحكمة العسكرية دورها لا ينطبق على المدنيين؛ فإذا اختلف عسكريان خارج المهمة يذهبون إلى المحكمة المدنية وليس العسكرية. لذا فإن ميشال سماحة كان من المفترض أن يُحال إلى محكمة مدنية وليست عسكرية كما حصل.
أما النائب في تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش، فيعتبر أن الإشكال الأساسي يكمن بما يسمى في قوى الممانعة في لبنان، وإطلاق سراح ميشال سماحة يؤكد ما قلناه من سنوات طويلة، وهو أن لبنان بلد محتل من قِبَل منظومة الممانعة والمتمثلة في إيران والحرس الثوري؛ لذا فإن إطلاق سراحه أحد أوجه هذا الاحتلال. بالمقابل هناك اضطراب في 14 آذار وبالأخص على مستوى السنة في 14 آذار؛ لأنهم يئسوا من الشعارات والقيادات الموجودة في 14 آذار لكونهم متروكين لمصيرهم مقابل قوة جاحدة لا يهمها عدد القتلى ونسبة الدمار؛ لذا التأثير يظهر على محورين، لكونه يؤكد الاحتلال، ومن جهة ثانية يدفع الطرف الآخر للشعور بالانكسار.
أما عن السيناريوهات المتوقعة على إثر ذلك يقول: "لن يحصل شيئًا"؛ لأن القضية اليوم مرتبطة في خيارات إقليمية أكثر منها لبنانية. إذا كان سماحة في السجن فهناك العشرات من سماحة خارج السجن. القضية اليوم تتعلق بأنه كان هناك قرار بإنقاذ لبنان من الاحتلال الذي يمارسه حزب الله باسم إيران في لبنان. وحتى اليوم يبدو أن هناك تساهلًا دوليًّا أو على الأقل عجز عربي عن القيام بأي شيء.
عضو الأمانة العامة في قوى 14 آذار/ مارس نوفل ضو، يرى أنه عندما يتم ترشيح ميشال عون وسليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، لا يمكننا أن نلوم المحكمة العسكرية؛ لأنها أطلقت سراح ميشال سماحة. المعادلة بسيطة جدًّا، عندما نقول في السياسة عند تغيير الدول احفظ رأسك، وعندما تتنافس 14 آذار على ترشيح ميشال عون أو سليمان فرنجية لموقع رئاسة الجمهورية، من الطبيعي أن تلاحظ المحكمة العسكرية بأنه ثمة تغيرات قادمة على لبنان، وبالتالي إن كنتم تريدون أن تحفظوا رأسكم في السياسة نحن أيضًا نريد أن نحفظ رأسنا في مكان آخر. النتيجة على الأرض سيئة جدًّا؛ لأنها تضرب منطق الدولة، ولذا سوف تنعكس هذه العملية سلبًا، ولاحظنا ماذا حصل من توتر شعبي على الأرض من قبل جماعة تابعة لطائفة ما، وهم يستنكرون كيف يتم إطلاق سراح ميشال سماحة المسيحي والشيخ أحمد الأسير لا يزال مسجونًا" إضافة إلى الذين قاتلوا في طرابلس، ويضيف هناك شارع متوتر ويغلي فهناك نوع من الانفصام في الشارع اللبناني بين الممارسة وبين المطالبة؛ فنحن من جهة نطالب بعدم إطلاق سراح ميشال سماحة، وبالمقابل نطلق السراح السياسي لسليمان فرنجية وميشال عون. ولاحظنا ماذا حصل في بيروت والطريق الجديد وطرابلس وإقليم الخروب وهذا أمر مرفوض إطلاقًا.
وكان محامي سماحة، صخر الهاشم، قد أكد في ديسمبر/كانون الأول، أن "قرار إخلاء سبيل سماحة سياسي" وليس قضائيًّا، وهو مرتبط بمعركة بعض الجهات السياسية في لبنان مع النظام السوري". ويؤكّد كلام الهاشم هذا، أن إطلاق سراح سماحة أمال الكفّة لصالح مؤيدي النظام السوري وحلفائه، وعلى رأسهم حزب الله. في حين أكد رئيس محكمة التمييز العسكرية القاضي طوني لطوف أن "القرار الذي اتخذته المحكمة بإجماع أعضائها، هو قرار قضائي معلّل بالأسباب الموجبة التي حملته على إخلاء سبيل سماحة". وفي حديث صحفي أشار إلى أن القرار "بعيد عن الاعتبارات السياسية، وهو اتخذ في مذكرة سرية حصلت داخل أروقة المحكمة"، مشددًا على أنه "لا سبيل لدخول أية عوامل خارجية إلى صلب العمل القضائي للمحكمة".
وقد توالت جملة من الانتقادات من قِبَل مجموعة من الساسة المناهضين لعملية إخلاء السبيل وأبرزهم موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، الذي رأى أن قرار المحكمة العسكرية "بإخلاء سبيل المدعو ميشال سماحة هو استباحة لشعور الناس، ويُشكِّل طعنًا عميقًا في العمل الجبار الذي قامت وتقوم به الأجهزة الأمنيّة في مكافحة الإرهاب، وهو تشريع للجريمة إن لم يكن تشجيعًا لها".
بدوره، رفض رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع في تغريدات على موقع "تويتر"، قرار الإخلاء، حتى "لو لم أكن خبيرًا بالقانون، فإطلاق سراح ميشال سماحة مرفوض بكل المقاييس". وسأل جعجع "بمنطق عفوي بسيط، كيف لي أن أفهم أن إطلاق سراح شخص لبناني تآمر مع جهة خارجيّة لارتكاب أعمال قتل وتفجير في بلاده ونقل متفجرات لهذه الغاية وجنّد أشخاصًا لتنفيذها، وجرى وقف المخطط في آخر لحظة من قبل فرع المعلومات؟ وأي رسالة بعثها رئيس المحكمة والضباط المعاونون إلى اللبنانيين بهذا القرار؟ وأي أمل يتركونه لهم بمستقبل بلادهم وسيادتها والحفاظ على أمن أبنائها وعلى حرياتهم؟
وعلَّق النائب مروان حمادة، قائلًا: "منذ زمن قطعتُ الأمل بالقضاء اللبناني".
وفي حديث صحفي، لفت إلى أنه و"لولا ذلك لما لجأنا في معركة قانونية ودولية شرسة إلى فرض محكمة دولية للتحقيق والحكم في قضايا الاغتيالات التي ارتكبها حلفاء ميشال سماحة".
وكانت المنظمات الشبابية لقوى "14 آذار" قد نظمت وقفة احتجاجية أمام منزل الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة احتجاجًا على إطلاق سراحه من قبل القضاء العسكري اللبناني.
وتوجه المتظاهرون بعد ذلك إلى موقع اغتيال اللواء وسام الحسن مدير شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي (الجهاز الذي قام خلال رئاسة الحسن بجمع أدلة إدانة ميشال سماحة. وطالب المتظاهرون بضرورة رحيل سماحة من الأشرفية (منطقة ذات غالبية مسيحية في شرق بيروت) إلى سوريا (حليفة سماحة).
ونظمت لجنة أهالي المعتقلين الإسلاميين اعتصاما في مدينة طرابلس احتجاجًا على إخلاء سبيل ميشال سماحة، وطالبوا بإطلاق سراح أبنائهم، مؤكدين أن أحدًا من المعتقلين لم يرتكب ما فعله ميشال سماحة. وتأتي هذه التحركات مع إضراب سجناء ينتمون لتيارات متطرفة عن الطعام للمطالبة بإطلاق سراحهم على غرار ما حدث مع سماحة.
aXA6IDMuMTQ1LjYzLjE0OCA= جزيرة ام اند امز