معظم الجماعات المتأسلمة التكفيرية التي خرجت علينا في القرن الماضي والحالي تشربت من فكر سيد قطب ومبادئه، وتأثرها أيما تأثر ببعض أطروحاته
معظم الجماعات المتأسلمة التكفيرية التي خرجت علينا في القرن الماضي والقرن الحالي تشربت من فكر سيد قطب ومبادئه، وتأثرها أيما تأثر ببعض أطروحاته، ومثال على ذلك كيف انشقت جماعة الإخوان المسلمين على نفسها عبر الأجيال بين مؤيد للانخراط المشروط والجزئي في الحكومات في الدول التي يعيشون فيها، وإحداث تغيرات مؤثرة في المجتمع من خلال الوزارات والجهات الحكومية التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالمجتمع وحياته اليومية، وبين فئة أخرى ترى ضرورة التأني والبناء القوي المحكم قبل الانقضاض على السلطة، في ظل توفر الظروف الملائمة، والبعض الآخر يريد أن يفرض ما يؤمن به بقوة السلاح، وفي كل الأحوال هم يرفضون مفهوم دولة مدنية وحكومة، وعدم عالمية الحكم، وتقسيم المسلمين لفئات وتقسيم العالم لحزب الله وحزب الشيطان.
ولكن ما هي الظروف التي لونت توجه رائد الفكر الحركي الإسلاموي في رحلته من الفكر الماركسي واليساري إلى أيديولوجية الفكر الديني، حيث كان سيد قطب يعيش ضياعا فكريا قبل التوجه إلى الأدب الإسلامي وعمله في مهنة إدارية تربوية والصحافة ودراسته في الولايات المتحدة الأمريكية، والعودة إلى مصر، وأزمته مع الحضارة الغربية، وموقفها الإقصائي نحو الدين، وموقفه من اتفاقيات مصر مع الغرب، وشعوره بالاغتراب بقيمه الريفية المحافظة في قلب القاهرة عاصمة الحداثة في الشرق في ذلك الوقت، فتدرج قطب من الشاعر الناقد الأدبي إلى المصلح الاجتماعي، وصولاً إلى أن أصبح مفكرًا إسلاميًّا يتبني الفكر التنظيمي الحركي، حيث انضم سيد قطب إلى جماعة الإخوان في عام 1951، وتولى بسرعة دورًا قياديًّا، واتُهم لاحقًا في التواطؤ في مؤامرة اغتيال جمال عبد الناصر فاعتقل وعذب، وحكم عليه بالسجن، وهي البداية التي انطلق منها سيد قطب الناقم للسلطة في رحلته الكتابية التنظيرية.
سيد قطب سمع طوال حياته عن عظمة التاريخ الإسلامي ليجد نفسه في واقع مختلف، فعاش في مرحله من حياته الإلحاد الكامل، وصحيح بأنه ليس بفقيه متخصص، ولكن أفكاره جاءت في فترة كانت الأمة تعاني فيها من الاغتراب الداخلي، فجاء سيد قطب في ظروف معدة تمامًا لتلقي نبيًا كاذبًا يعطيها بصيص أمل، فنسخ فكر أبو الأعلى المودودي عن الحاكمية والتكفير والجاهلية، لم يقف عند ارتداد المجتمع كملهمه الروحي بل كفَّر الأمة، وقد استغل عشر سنوات سجنا في الكتابة ونشر كتابه الأكثر تأثيرًا معالم في الطريق في عام 1964، بعد أن تم تعميمه في شكل رسائل خاصة إلى إخوته وأخواته، وقد أدان الكتاب كرجس وهرطقة من قبل العلماء في المؤسسات الدينية في مصر، كونه من أديب وتربوي غير متخصص بالعلوم الشرعية، فعلى مستوى العقيدة على سبيل المثال، خلط بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وبين صفات الربوبية وصفات الألوهية، وضمن التفسير السياسي للدين، يقول قطب بقول إن الإمامة هي أصل من أصول الدين، وهذا المذهب قال به الشيعة، ولكنه يخالف ما ذهب إليه أهل السنة من أن الإمامة من فروع الدين، والكتاب أصبح لاحقًا من أكثر الكتب مبيعًا، وبين الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين، بجانب العديد من المؤلفات لسيد قطب، وقد ترجمت كتاباته في معظم لغات العالم الإسلامي .
ومن المفاهيم الشهيرة لسيد قطب مفهوم الحاكمية والمجتمع الجاهلي، متأثراً لدرجة الانبهار بأفكار معاصره وصديقه أبي الأعلى المودودي، فيعتقد قطب أن الحاكمية لله؛ لأن الألوهية هي الحاكمية، وكل البشر الذين يعطون أنفسهم الحق في إصدار قوانين أو تشريعات أو أي تنظيمات يعد خروجًا من الحاكمية الإلهية إلى الحاكمية البشرية، ويصبح البشر محكومون بقوانين غير قوانين الله، ووفقًا لسيد قطب الجاهلية لم تختفِ مع قدوم الإسلام، ويصر على أن الجاهلية هي السمة الأساسية للمجتمع المعاصر، وجاهلية الأمة الإسلامية جاهلية ثانية مركبة، حيث توجد قوانين ودساتير تحكم المجتمعات، وتوجد أنظمة وقوانين دولية، وهذه كلها من وجهة نظر سيد قطب أصنام يعبدها المسلمون، والحاكم المسلم هو مسلم بالاسم فقط، ولكنه كافر يحكم مجتمعا كافرا بغض النظر عن ديانة الفرد في المجتمع إذا لم يقر بمفهوم الحاكمية كما فسره قطب والقطبيون وحدهم من يفهمون الإسلام والقادرون على تصحيح عقيدة الجاهلين.
كما تناول قطب فكرة الجهاد متعدد الأبعاد للتغلب على الجاهلية، وأصر على أن التسوية أمر مستحيل بين عالم الجاهلية وعالم الإسلام، وهناك مسلم حقيقي وغير حقيقي، وبالتالي لا خيار سوى اتخاذ الجهاد ضد الثقافة الحديثة من الجاهلية، والغرض من الجهاد هو إقامة سلطة الله، وهو رافض لفكرة دولة مدنية وحكم مدني، ويعتقد أن تراب الوطن ليس لديه في حد ذاته قيمة أو وزن، والوطن يستحق الدفاع عنه فقط عندما يكون خاضعا لنظام الخلافة، والجهاد يمكن أن يكون بلا حدود، ويجب أن لا يتوقف حتى ينشر الدين في كل بقعة من العالم، ويعتبر من السذاجة الاعتقاد بأن يكون الوعظ والدعوة وحدهما كافيين لإقناع البشرية جمعاء بالدين الإسلامي، وتستخدم القوة ضد الجاهلية الحديثة.
فبالنسبة لسيد قطب الإسلام عقيدة ثورية تسعى لتغيير النظام الاجتماعي في العالم بأسره، وإعادة بنائه بما يتفق مع معتقداته الخاصة، كما يرفض فكرة أن الجهاد بغرض الدفاع فقط، وثورته واقعة على مرحلتين، الأولى تشبه المرحلة المكية وهي غير عنيفة وتبني فيها الجماعة إمكانياتها، وتعد العدة وتتسلح وتتدرب، والثانية تبادر فيها بغزو الآخر واخضاعه لها بالقوة، والعنف يجب على الجماعة استخدامه عندما يحين الوقت المناسب له.
ويرى قطب أن العنف والتدمير الكامل مبرر أخلاقيًا في سبيل القضاء على الجاهلية في المجتمع، وهو أمر جوهري في فكر كل الجماعات الإسلامية التي تدعي بأنها سلمية ودعوية، وأهما جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك من النادر جدًّا أن ترى أحد أعضاء الجماعة يعمل في الدعوة كونها من مظاهر الضعف وليست طريقة مثالية لنشر الإسلام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة