مع تنامي الحديث الإسرائيلي عن قدرات المقاومة وتضخيمها وتلويح الفصائل بالاستعداد لمواجهة جديدة، يشعر فلسطينيو غزة أنهم على شفى حرب جديدة
يشعر الفلسطينيون في قطاع غزة بقلق متزايد، مع تنامي الحديث الإسرائيلي عن قدرات المقاومة وتضخيمها، وتلويح الفصائل بالاستعداد لمواجهة جديدة، ما يرون أنه يمثل قرعًا لطبول الحرب التي لا تزال آثار الأخيرة منها باقية، وتروي حكايات من الوجع والمآسي لا حدود لها.
وذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، في تقرير لها، إن حركة حماس، "خرجت من بين الأنقاض وتستعد للجولة القادمة من العنف، وأن كبار قادة الجناح العسكري أمثال محمد الضيف ويحيى السنوار يقودان مشروع إعادة بناء البنية التحتية للإرهاب، من خلال إعادة ملء مستودعاتهم بالصواريخ وحفر الأنفاق، بما فيها تلك التي تشق طريقها إلى إسرائيل"، على حد قول الصحيفة.
رائحة الحرب
ورأى الكاتب أكرم عطا الله أن هذا التقرير وجملة تصريحات المسؤولين الإسرائيليين إضافة لتصريحات من قادة حماس "تشير بشكل واضح إلى أن هناك رائحة حرب تفوح "، مبينًا أن هذه التصريحات مماثلة لتلك التي سبقت الحروب السابقة.
وقال: "نحن اليوم أمام تهديدات متبادلة تعكس حجم التحفز والرغبة من الجانبين وتشكيل وحدة مقابل تشكيل وحدة على الجانب الآخر، وكأن قدر غزة أن تستمر في النزيف، أو كأنها أصبحت ميدان رماية للجيش الإسرائيلي وساحة التدريب التي يجرب فيها وسائل القتل والتدمير الحديثة".
وأضاف إلى أن هذه الحروب "تنتهي كل حرب كما سابقاتها لا شيء سوى استمرار الحصار، حالة من العبث أصبحت تحكم العلاقة بين الطرفين".
تشابه السياقات
كان نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، قال في خطاب له في الثامن من الشهر الجاري في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، إن حركته "ستذهل العالم في قوتها في أية معركة قادمة مع الاحتلال"، معلنًا أن ذراعها المسلح المعروف باسم كتائب القسام "لا تزال تراكم قوتها من فوق الأرض وتحتها".
ويذكر هذا التصريح لهنية، بتصريح مماثل له قبل حرب 2014، حين أعلن أن المعركة القادمة تحت الأرض، في إشارة إلى الأنفاق التي توليها حماس أهمية كبيرة في استعداداتها، وهو ما تتخوف منه إسرائيل التي أعلنت قبل أيام أن حماس استطاعت ترميم أنفاقها التي دمرت خلال الحرب، وأنها تخشى من وجود أنفق وصلت إلى أسفل الجنوب الإسرائيلي رغم كل الاحتياطات المتخذة.
من جانبه، أكد الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، أن إسرائيل "تحصي وتدقق بكل تصريح فلسطيني، خاصة من قبل قيادات حركة حماس، وتأخذ هذه التصريحات على محمل الجد".
وشدد على أنه "في سياق الاستعداد لحرب قادمة، فإن لهذه التصريحات وقعها وتأثيرها"، مع تأكيده أن إسرائيل تلجأ إلى المبالغة في إمكانيات حماس العسكرية، لأسباب تتعلق بالرأي العام واستعداده لتقبُّل وسائل الرد الإسرائيلي الدموية واستهداف المدنيين الأبرياء.
مؤشرات الحرب
أحد مؤشرات الحرب، التجارب الصاروخية، التي تجريها حركة حماس عبر البحر، وترصدها الدوائر الأمنية الإسرائيلية بدقة فسجلت أنها تكثفت في الآونة الأخيرة، وسجل إطلاق قرابة 15 صاروخًا تجريبيا في يوم واحد خلال الأسبوع الماضي، فيما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية أنه تم رصد تجربة إطلاق صاروخ من غزة عبر البحر وصل مداه إلى 350 كم، وهو ما يبدو ضمن التضخيم الإسرائيلي لقدرات المقاومة الفلسطينية؛ لتبرير أية هجمات ضدها كما يرى الخبراء.
يذكر أن الذراع المسلح لحماس سبق أن أعلن تطوير منظومة صواريخ بينها صاروخ R160، الذي أطلق على حيفا في الحرب الأخيرة وقالت، إن مداه يصل 160 كم.
طريق الحرب
ويرى الخبراء الإسرائيليون أن التجارب اليومية التي تجريها حركة حماس على الصواريخ، وتصاعد حدة المواجهات على تخوم القطاع مع الاحتلال، وردود الفعل الإسرائيلية، الفورية والدموية، والتي كان آخرها الأسبوع الماضي في استهداف ناشط من كتائب الأقصى خلال محاولته زراعة عبوة ناسفة على الحدود الشمالية الغربية، مقدمة لمثل هذه المواجهة.
وقال المحلّل العسكري الإسرائيلي المعروف، عوفر شيلح، إن "الرد الإسرائيلي المباشر على زرع العبوات الناسفة على الشريط الفاصل في القطاع، ما هو إلاّ طريق إجباري، يبدأ بالتصعيد وينتهي إلى حرب، خاصة وأن التقارير السرية الإسرائيلية تشير إلى أن حركة حماس باتت أكثر استعدادًا لمثل هذه الحرب، بعدما تمكنت من ترميم معظم الأنفاق العابرة للحدود، وتمكنها من استقدام كل ما يلزم لتطوير صواريخها".
وأشار شيلح إلى أن بقاء الوضع الحالي المتأزّم واستمرار الحصار، دون حراك سياسي إقليمي ودولي لعملية سياسية لإعادة إعمار قطاع غزة، يشكل ضغطًا على حركة حماس، التي زادت نتائج الحرب الأخيرة من عجزها على تلبية تطلعات المواطنين في سبل معيشة أفضل.
التضخيم للتبرير
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في الضفة الغربية، بلال الشوبكي، إن الحكومة الإسرائيلية تعاني من مأزق الانتفاضة والتدهور الأمني في الضفة، وتسعى لتحقيق إنجاز، وفي هذا الإطار يجري تضخيم قدرات المقاومة بغزة؛ تمهيدًا وتبريرًا لأي عدوان قد يحدث".
وأضاف الشوبكي في حديثه لـ"بوابة العين" أن "كتائب القسام أهانت إسرائيل أمنيًا من خلال نشرها عن فيديوهات أسر شاليط، هذه النقطة لا يمكن لإسرائيل أن تمررها، في إشارة لفيديوهات نشرتها مؤخرًا حماس، ورأى فيها خبراء أنها تشكل ضربة استخبارية للاحتلال.
حديث الحرب
أما الكاتب هاني حبيب قال، إنه يستشعر جدية قرع طبول الحرب الحالي، لافتًا إلى أن الحديث عن حرب إسرائيلية قادمة في قطاع غزة يكاد يتغلب على الأحاديث المتواترة حول أزمات الكهرباء والماء غير الصالح للشرب والضرائب المتراكمة والغلاء والبطالة والحريات المنقوصة.
ويعاني قطاع غزة المحاصر منذ 10 سنوات تقريبًا، من أزمة كهرباء خانقة، حيث تصل ساعات الانقطاع إلى ما يقارب 18 ساعة يوميًّا، وهي الأزمة التي انعكست على كل الخدمات الأخرى.
وقال حبيب، إن "مناخ الحرب بدأ يسيطر على كل المناخات، وغزة باتت أكثر حساسية تجاه مناخ الحرب، لأنها تجرعت مرارتها وتعرف مقدماتها التي اعتادت عليها بفعل التكرار، حتى أنها تقدر أن الجانبين، حركة حماس وإسرائيل، بات كل جانب يعاود قراءة كتابه المقدّس، القرآن والتوراة، لانتقاء اسم للحرب الجديدة القادمة".
وشنت إسرائيل ثلاثة حروب على غزة (2008-2009، 2012، 2014) أدت إلى مقتل قرابة 4 آلاف فلسطيني، وإصابة عشرات الآلاف، فيما دمرت خلالها قرابة 150 ألف وحدة سكنية بشكل كلي أو جزئي، إضافة للتدمير الواسع في المنشآت والبنى التحتية.
ويرى خبراء إسرائيليون وفلسطينيون أن حركة حماس لا تريد حربًا مع إسرائيل "الآن"، فهي ليست جاهزة عسكريًا حتى الآن لمثل هذه الحرب، "لكنها لن تتوانى عن الردّ إذا استعجلت إسرائيل مثل هذه الحرب".
وتساءل قائلًا: "إذا كان هناك استعدادًا عسكريًّا كاملًا للحرب بغزة؟ فماذا عن الجوانب الأخرى؟ مشددًا على أن الأمر يتعلق بتوفير إمكانيات الصمود للمواطنين، حتى لا يكونوا فريسة سهلة للعدوان، ويكون هناك استعدادًا للصمود والتحدي، وهي أمور يسود شك في توفرها في ظل حقيقة أن الآلاف من مشردي الحرب الأخيرة لم يتمكنوا من إعمار منازلهم حتى الآن.
aXA6IDMuMTMzLjE1Mi4xODkg جزيرة ام اند امز