المناظرة الأخيرة لمرشحي الحزب الديمقراطي للرئاسة لم تكن كسابقاتها.. لم تحاول هيلاري كلينتون أن تتجنب الاشتباك مع منافسها الأساسي..
المناظرة الأخيرة لمرشحي الحزب الديمقراطي للرئاسة لم تكن كسابقاتها... لم تحاول هيلاري كلينتون أن تتجنب الاشتباك مع منافسها الأساسي السناتور بيرني ساندرز، بل استكملت التصعيد ضده الذي سبق المناظرة بأكثر من أسبوع، واتهمته بمساندة صناعة الأسلحة النارية والتصويت لصالحها في الكونجرس، وهي القضية التي تحظى باهتمام كبير بين الديمقراطيين المؤيدين بشكل عام للحد من تلك الأسلحة وزيادة القيود علي انتشارها... من جانبه رد ساندرز المجاملة بأحسن منها واتهمها بالارتباط بوول ستريت والمؤسسات المالية العملاقة مثل جولدمان ساكس التي قال إنها أعطت هيلاري ستمائة ألف دولار العام الماضي فقط مقابل إلقاء عدة كلمات.
أثناء المناظرة خرج الفنان الكوميدي جيم جافيجان بتغريدة يقول فيها: "لا أحب أن أري جدي وجدتي يتعاركان".
علي الفور التقطت المواقع الصحفية المحافظة هذه التغريدة وتداولتها ساخرة من المشهد "الديمقراطي". فهيلاري كلينتون ستكون سبعين عاما تقريبا لو فازت بالرئاسة بما يقل بشهور قليلة عن رونالد ريجان أكبر رئيس منتخب، بينما سيكون ساندرز نحو خمسة وسبعين عاما بما سيجعله الأكبر عمرا علي الإطلاق في التاريخ الأمريكي.
أهمية هذا الأمر سترتبط بشخص المرشح الجمهوري، فهناك السناتور ماركو روبيو الذي لم يبلغ بعد الخامسة والأربعين وكذلك السناتور تيد كروز الذي يكبره بشهور، وأي منهما سيقترب من الرقم القياسي لأصغر رئيس أمريكي وهو جون كيندي الذي لم يتجاوز الثالثة والأربعين عند وصوله للبيت الأبيض عام ١٩٦٠، لذلك نلاحظ أن روبيو تحديدا يحاول أن يركز علي هذا العامل بتأكيده أن الانتخابات ستكون للاختيار بين سياسات الماضي وطموحات المستقبل، فترد عليه هيلاري كلينتون بأن المستقبل ليس مرتبطا بالسن، وأن روبيو يعبر عن سياسات الماضي التي ثبت فشلها داخليا وخارجيا للحزب الجمهوري.
لكن لو فاز دونالد ترامب بترشيح الحزب سيتلاشي هذا العامل تماما لأنه يكبر هيلاري بعدة أشهر وإن كان يبدو عليه الكثير من الحيوية والطاقة المتدفقة.
في كل الأحوال ربما يكون السن عاملا مؤجلا في هذه المرحلة إلي أن يتحدد المرشحان عن الحزب.
المدهش أن هذه المعركة كانت حتي وقت قريب قاصرة علي الساحة الجمهورية بما تتميز به من سيولة واضحة، لكن لم يكن هناك من يتصور معركة مشابهة علي الساحة الديمقراطية التي هيمنت عليها هيلاري كلينتون منذ البداية بشكل دعا سياسيا كبيرا مثل نائب الرئيس جو بايدن لتفادي الدخول في المنافسة من الأساس... فماذا حدث لتصبح هيلاري الآن مضطرة للاشتباك مع ساندرز بعنف غير مسبوق؟
علي المستوي القومي لايزال التقدم واضحا لهيلاري، فآخر استطلاع يعطيها نسبة تأييد تصل إلي تسعة وخمسين في المائة من الناخبين الديمقراطيين، بينما لا يتجاوز ساندرز أربعة وثلاثين في المائة، هذا الفارق الهائل ربما يوحي بانتهاء المعركة قبل أن تبدأ، لكن الواقع شيء مختلف، فقد كانت متقدمة بشكل كبير علي منافسها الأساسي باراك أوباما عام ٢٠٠٧ لكن انتهي الأمر بهزيمتها، والسبب أن الانتخابات التمهيدية لا تجري علي المستوي القومي بل من ولاية لأخري، وسوف تبدأ عملية التصويت بعد أسبوعين في ولاية أيوا فيما يشبه المؤتمرات الحزبية يليها انتخابات عامة في ولاية نيوهامشير، وعندما فاز أوباما في ولاية أيوا حدث ما يشبه الزلزال الذي ألقى بعده عبارته الشهيرة "نعم نحن نستطيع"، وحملته قوة الدفع إلي البيت الأبيض. والآن بعد ثماني سنوات تجد هيلاري نفسها في موقف مشابه حيث ينافسها ساندرز بقوة في ولايتي أيوا ونيوهامشير، بحيث تخشي في حالة فوزه بهما أو بأي منهما أن يكرر ما فعله أوباما، وسربت التقارير أن حملتها تشعر الآن بقلق حقيقي وأنهم تأخروا في إدراك خطورة ساندرز، بما دعا لتغيير في الاستراتيجية تمثل في تطورين: الأول أنها اتجهت لتوجيه ضرباتها إلي ساندرز مباشرة، التطور الآخر لوحظ في مناظرة يوم الأحد حيث تبنت بشكل كامل أجندة الرئيس أوباما وإنجازاته من الرعاية الصحية للإصلاح الاقتصادي ثم الاتفاق مع إيران، سبب ذلك أن المناظرة تمت في ولاية ساوث كارولينا ثالث الولايات في ترتيب الانتخابات التمهيدية، والتي أصبحت تمثل لهيلاري خط الدفاع الأخير في حالة هزيمتها في أول ولايتين، والمعروف أن السود يشكلون خمسة وخمسين في المائة من نسبة الناخبين الديمقراطيين بها ويحظى أوباما لديهم بشعبية هائلة، فإذا ما نجحت هيلاري بقوة في ساوث كارولينا فإنها ستتجه بثقة أكبر إلي بقية الولايات للحصول علي ترشيح الحزب، وعندها ستواجه المعركة الكبرى مع مرشح الحزب الجمهوري الذي أمضي السنوات العشرة الأخيرة استعدادا لهذه المواجهة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة