تخيلوا الحكومات العربية ما تزال واقفة ومصرة على إضاءة الوطن بالأسلاك الصدئة!! أعتذر منكم .. لا تتخيلوا ...هذا هو الواقع تمامًا!!
ترى، ما هو نوع العلاقة التي ربطت المخترع الأمريكي توماس أديسون بالعسكري الإنجليزي كلوب باشا (حصّتنا)؟
بعد أكثر من ألف تجربة فاشلة وصل الشاب أديسون إلى الحل، وابتكر المصباح الكهربائي، ليدخلنا جميعًا في عصر بشري جديد، حيث انقضى عصر الظلام الذي لم نكن نرى فيه سوى الأشباح وهي تتراقص على ضوء النار أو الفانوس التقليدي، إلى عصر الكهرباء، حيث كل شيء صار واضحًا مثل الظهيرة، وقد قال صاحبنا أديسون حول ذلك ما معناه، إنه لم يقم بألف تجربة فاشلة، بل عرف ألف طريقة لا يمكن بواسطتها إضاءة المصباح.
كانت نظرية استبعاد الطرق والوسائل الخاطئة إحدى الوسائل العلمية للوصول إلى الحلول الصحيحة، وما تزال إلا أن الدول العربية لم تعتمدها حتى الآن، ربما لأن المستعمر كان في السابق يكرهها؛ لأنه كان يعرف أنها الطريقة الصحيحة والوحيدة لطرده من البلاد، وصارت الحكومات العربية تكرهها لأنها تؤدي إلى ذات الهدف.
إذا تناقل الاستعمار بأشكاله، كرهه لنظرية الاستبعاد، وحملناه نحن جيلًا بعد جيل في الإدارات المتعربة، التي ما تزال تحرس بلاطة كلوب المعروفة، حتى بعد أن تحولت عظام كلوب إلى مكاحل.
كم من مسؤول كبير أثبت فشله التام في إدارة مؤسسته أو دائرته، لا بل إن رائحة الفساد كانت تفوح منه، فقامت إدارات كلوب بنقلة إلى مركز آخر أكثر أهمية وحساسية.
ما هي بلاطة كلوب؟
كان كلوب باشا الإنجليزي قائدًا للجيش العربي الأردني حتى عام 1956، وقد ذهب ذات يوم لزيارة أحد مواقع الجيش في عمق الصحراء، فأوصى بأن يصنعوا له بلاطة أسمنتية عالية قليلًا حتى يقف عليها ليخاطب الفرقة ويراه الجميع، ولأنه لم يكن يثق بالعرب، فقد أوصى أن تصب البلاطة ثم أن يضعوا بجانبها حارسًا يمنع الآخرين من المرور فوقها أو طباعة أيديهم عليها، وقد تم الأمر وحصلت الزيارة.
بعد أكثر من ربع قرن لاحظ أحد قادة الجيش الأردني الجدد أن هناك وظيفة لعسكري يقف بعيدًا في الصحراء خارج المعسكر، فسأل عنها، فلم يعرف أحد سوى أن عليهم إرسال عسكري لتلك المنطقة، وبعد الفحص والتمحيص تبين أنها في ذات المكان الذي وضع عنده كلوب باشا العسكري حتى يحرس البلاطة لعدة ساعات، ومع مرور الزمن تغير مكان المعسكر وصارت الوظيفة خارجه، لكنها استمرت لربع قرن كامل.
أما نحن في العالم العربي، فوظيفة كلوب باشا لم تنته بعد، وما زلنا نقف بتأهب في عمق الصحراء، ونبتعد عن الأماكن التي ينبغي حراستها.
إنها ذات عقلية بلاطة كلوب باشا، تحكما وتتحكم بنا، حتى بعد زال البلاطة والوظيفة!!
نعود إلى صديقنا أديسون!
تخيلوا لو أنه توقف عند إحدى تجاربه الفاشلة، كأن يصر على إشعال المصباح الكهربائي بواسطة سلكين حديديين صدئين ...لكان ما ابتكر شيئًا، وتحول إلى مضحكة للعالم، ولكانت البشرية انتظرت عقودًا أخرى لتغرق في دياجير الظلام.
حتى تصل إلى النور، مع عالم آخر يستبعد التجارب الخاطئة، ويبدأ من جديد!!
تخيلوا الحكومات العربية ما تزال واقفة ومصرة على إضاءة الوطن بالأسلاك الصدئة!!
أعتذر منكم ..لا تتخيلوا ...هذا هو الواقع تمامًا!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة