تصح العبارة والحال أن القوم مختلفون حول تاريخ الثورة: فهو لدى البعض 17 ديسمبر والـ14 من يناير فى نظر البعض الآخر.
احتفل التونسيون بذكرى الثورة: هل تصح العبارة والحال أن القوم مختلفون حول تاريخ الثورة: فهو لدى البعض 17 ديسمبر والـ14 من يناير فى نظر البعض الآخر.
وبالرغم من الإنجازات التى تحققت، وخاصة على المستوى السياسى فإن أغلب التونسيين لم يشاركوا فى الاحتفالات التى نظمت فى شوارع بعض المدن وبدت لهم هذه الاحتفالات مفرغة من المعنى بلا لون أو رائحة يطغى عليها طعم المرارة.
وهكذا هيمنت مشاعر الإحباط واليأس وبدت علامات السخط وتجلت فى اعتبار بعضهم أن الثورة ليست إلا حلم لم يتحقق أو نكبة حلت بالبلاد فعقدت الحياة وأحدثت الأزمات وذهب بعضهم إلى نشر صور بن على وزوجته والتحسر على أيام بن على حيث ساد الاستقرار والأمن والأمان.
كان من المفروض أن يحتفل التونسيون على اختلاف انتماءاتهم الأيديولوجية والطبقية والجيلية والعرقية والجهوية بالثورة ويعددوا مآثرها لاسيما بعد حصول الرباعى الراعى للحوار على جائزة نوبل للسلام وانتقال البلاد إلى مرحلة جديدة من مراحل التحول الديمقراطى ولكن تضافرت مجموعة من العوامل لتؤدى إلى سيطرة مشاعر الإحباط منها:
•استياء عام بخصوص معالجة ملف شهداء الثورة وجرحاها إذ بقيت عائلات الضحايا تعانى منذ سنوات فى سبيل معرفة الجناة والمطالبة بالعدالة وإعادة الاعتبار إلى من قدموا حياتهم فداء للوطن.
وما من شك فى أن الحزن الذى خيم على حياة عائلات الشهداء والجرحى حال دون استمتاع التونسيين بفرحة الاحتفال.
•أفضت النزاعات التى صدعت بنية حزب النداء إلى عودة مشاعر الخوف من هيمنة حزب النهضة من جديد على البلاد لاسيما بعد أن أصبح نواب حزب النهضة الكتلة الرئيسية فى مجلس النواب. ويشعر أغلب الذين ارتموا فى أحضان النداء بحثا عن الخلاص من النهضة بالاستياء وخيبة الأمل إذ لم يستطع هذا الحزب أن يصمد أمام حرب الزعامات وتضخم النرجسية لدى قيادييه.
•هيمنت حرب التلاسن والتراشق بالتهم والتشويه والتخوين على المشهد الإعلامى أكثر من شهرين مما جعل الجمهور المتابع يشعر بالضجر ويقاطع البرامج السياسية التى باتت لا تأتى بجديد إنما هو الابتذال والانحطاط الأخلاقى وقد انعكس هذا العنف اللفظى على المشاهدين والمستمعين فباتوا ناقمين على أهل السياسة على بكرة أبيهم.
•كلما قارن التونسيون بين التقدم الذى تحرزه النهضة على مستوى الأداء واتخاذ المواقف والأداء الضعيف لبقية الأحزاب ازدادت مخاوفهم بشأن مستقبل البلاد إذ ليس من مصلحة تونس أن يهيمن حزب واحد على المشهد السياسى والحال أن مسار التحول عزز التعددية السياسية.
•ساهم تعدد الأزمات فى قطاعات كثيرة (الأمن، السياحة، التعليم، الاقتصاد) فى إحباط التونسيين لاسيما بعد أن أضحت الطبقة الوسطى مهددة بالزوال. كما أن غياب استراتيجية واضحة وشاملة لمكافحة الإرهاب أثر فى نفوس التونسيين وجعلهم لا ينفكون عن التفكير فيما ستئول إليه الأمور.
•يشعر الشباب باعتبارهم كانوا قوة فاعلة فى الثورة وطاقة خلاقة بالاستياء ولا يتخلف بعضهم عن التنديد بعمليات السطو على الثورة وخيانة مبادئها وهو أمر مفهوم باعتبار عسر تحقيق مطالب التشغيل والعدالة الاجتماعية وسد الفجوة بين الأجيال وعمليات استهداف الشباب وانتهاك حقوقهم.
وفى ظل هيمنة مشاعر الإحباط والحنق والغضب تهمش الإنجازات ويغيب التنسيب والموضوعية فى تقييم مسار السنوات الماضية، ويعود الاستقطاب الحدى من جديد بين أهل اليمين وأهل اليسار ويصبح إرضاء الجماهير مهمة صعبة ويغدو العنف اللفظى الخبز اليومى للتونسيين وتسد المنافذ أمام كل المبادرات التى من شأنها أن تدفع باتجاه الإصلاح الجوهرى.
وأهم من يعتقد أن مسار التحول الديمقراطى قد سار باتجاه الخط الواضح والمستقيم إن هو مد وجزر، صعود ونزول، انتصار وانكسار، أمل ويأس.. وتلك هى وضعية المجتمعات التى لم تكن تمتلك الجاهزية والاستعداد الكافيين لإدارة تبعات فعل التغيير الثورى.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة