التفاهم الذي تمّ بين الزعيمين اللبنانيين، سمير جعجع وميشال عون، نوع من المفاجأة التي تلقفها الجمهور السياسي في لبنان..
شكل التفاهم الذي تمّ بين الزعيمين اللبنانيين، سمير جعجع وميشال عون، نوعا من المفاجأة التي تلقفها جمهور الطرفين، بدهشة تحتمل الإيجابية من جهة في جمع ما تبقى من الشارع المسيحي، وتطرح نوعا من التساؤلات من جهة أخرى حول كيفية تحقيق هذا التقارب في ظل القناعات التي ينضوي تحتها كلا الطرفين، لكونهما يشكلان النقيض في الساحة السياسية اللبنانية، فهما خصمان تاريخيان، جلسا سويًّا لأشهر بعد سنوات من العداء وأتمّا اتفاقاً على الملف الرئاسي، أي الموقع المسيحي الأول في لبنان، ليصبح عون حليف حزب الله والنظام السوري مرشح جعجع حليف السعودية وتيار المستقبل.
بين جعجع وعون، تاريخ كبير من الصراعات السياسية والدموية، راح ضحيتها الكثير من البيوت والشخصيات السياسية، كما أنّ بين هذين الزعيمين الكثير من الدماء والضحايا الفعليين الذين سقطوا في الحروب والمعارك التي خاضاها في السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية 1975-1990.
انضمّ عون عام 2006 إلى فريق 8 آذار ومحور النظام السوري، في حين بقي جعجع قطباً في فريق 14 آذار، فتوالت فصول الصراع الانتخابي والسياسي وحول التعيينات والحصص المخصصة للمسيحيين في الدولة، وصولاً إلى موعد 18 يناير/كانون الثاني 2016 الذي جاءت ترجمة لحوار ثنائي (انطلق في ديسمبر/كانون الأول 2014) ووثيقة سياسية (عرفت باسم "ورقة النوايا"، في يونيو/حزيران 2015)، فكانت وحدة مسيحية بين أبرز الخصوم المسيحيين، لا يزال من المبكر تقييمها ولو أنّ وصفها بـ"المعجزة" أمر مفروغ منه.
هذا التفاهم سيزيد تمسّك الحريري بفرنجية، فتنفتح أبواب المعركة الرئاسية بمرشحين من فريق 8 آذار، وهو ما يكرّس خسارة 14 آذار التي أصبح أقطابها يقودون استحقاق الرئاسة باسمين من الخصم السياسي، ومن المفترض أن يضع تفاهم عون وجعجع، "حزب الله" في موقع المحرج، لكون الإشارات المستمرة عن الحزب تدلّ على أنه غير راغب في ملء الشغور الرئاسي قبل الانتهاء من ملفات إقليمية عالقة، كما أنّ الخطاب السياسي لحزب الله لا يزال يصنّف جعجع في موقع "أصدقاء إسرائيل" و"حليف السعودية".
وما يطغى أكثر حتى الآن من موضوع المصالحة التاريخية بين عون وجعجع، هو موضوع تأييد ترشيح جعجع لعون وحساباته، لأن المصالحة تظللها اعتبارات ترسم علامات شك كبيرة حولها حتى الآن، لأن مواقف عون لم تتغير، فبإعلان جعجع تأييد دعمه ترشيح عون، من غير المستبعد أن يؤدي ذلك إلى تغيير قواعد اللعبة، على رغم أنه من غير الواضح ما إذا كان ذلك يمكن أن يؤدي إلى انتخاب عون أو لا، إذ أن الأمر يبقى رهنا بعوامل عدة تتصل بالحليف الأساسي لعون، أي "حزب الله"، وما إذا كان سيضغط في اتجاهات أخرى من أجل دعم انتخاب مرشحه هو في الأساس، على نحو يمكن أن يخرج الرئيس الحريري من هذه المعادلة.
المشهد الجديد قد يفرض نوعا" من التغير في الاصطفافات السياسية وبزوغ تحالفات جديدة تلغي وجود 8 و14 آذار، بانتظار موقفي كل من حزبي الكتائب اللبنانية والتقدمي الاشتراكي من هذه المبادرة.
أما تحالف عون وحزب الله فهو قاب قوسين أو أدنى من انفراط العقد بينهما على إثر ورقة التفاهم التي وقعت بينهما، لأن حزب الله لن يخضع لتمنيات جعجع بالانسحاب من سورية وتسليم سلاحه إلى الدولة، الأمر الذي يطرح عددا من علامات الاستفهام حول مصير هذه التحالفات، ومن جهة أخرى، فإن الوضع بين القوات اللبنانية وحليفه تيار المستقبل ليس أفضل بكثير بعد أن اختار كل منهما رئيسه للعهد المقبل بمعزل عن الآخر، بما قد يغير التحالفات على الساحة اللبنانية بشكل كامل.
aXA6IDMuMTQzLjIwMy4xMjkg جزيرة ام اند امز