أظن أنه سؤال عبثى، وربما يختفى من التداول بعد سنوات قليلة، على غرار ما حدث مع ثورة يوليو ١٩٥٢، التى سميت بالحركة ثم الانقلاب
أظن أنه سؤال عبثى، وربما يختفى من التداول بعد سنوات قليلة، على غرار ما حدث مع ثورة يوليو ١٩٥٢، التى سميت بالحركة ثم الانقلاب.
لكن الغالبية تعاملت معها فى النهاية باعتبارها ثورة، لأنها أدت إلى تغيير العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بصورة حادة فى المجتمع المصرى.
وربما يكون السؤال هو: هل كان يمكن منع ٢٥ يناير؟!، وأظن أن الإجابة القاطعة هى لا.
بغض النظر عن نوعية المتظاهرين، وهل كانت هناك مؤامرة أم لا، فهناك حقائق يبدو أن كثيرين يحاولون تناسيها.
أولى هذه الحقائق: أن «الحزب الوطنى» الذى كان حاكما تبخر تماما مساء يوم ٢٨ يناير، وكأنه لم يكن موجودا، رغم أنه كان يتباهى بوجود ٢,٨ مليون عضو عامل، وبالتالى علينا تعلم درس أنه ليس مهما حجم العضوية الورقية، المهم قدرتها على التأثير الحقيقى فى الناس.
ثانية هذه الحقائق: أن نسبة النمو لسنوات طويلة، كانت تدور حول رقم سبعة فى المئة، وهى نسبة كبيرة جدا مقارنة بظروف هذه الأيام.
كانت لدينا تدفقات سياحية هائلة، وصلت إلى ١٢ مليون سائح، بأكثر من 12 مليار دولار، وكانت إيرادات قناة السويس ثابتة «نحو 5 مليارات دولار»، وتحويلات المصريين فى الخارج «ما بين 15 إلى 20 مليار دولار»، وكان لدينا غاز نصدره إلى الخارج.
ورغم كل هذا، ثار الناس على السلطة. والدرس المهم جدا الذى ينبغى أن نستوعبه ليل نهار، هو أن حل المشكلات الاقتصادية ـ رغم أهميته الشديدة ـ لا يمنع ثورة الناس.
وأحد تفسيرات ذلك، أن النمو المرتفع كانت تذهب عائداته إلى قلة قليلة من المجتمع وليس لغالبية الناس.
وبالتالى، فإن نظرية «تساقط ثمار النمو» التى كان يتباهى بها جمال مبارك وأحمد عز ثبت فشلها الذريع فى مصر، والنتيجة أنه من دون عدالة اجتماعية لن يستقر أى حكم.
ثالثة هذه الحقائق: أن غياب القوى السياسية المدنية الفاعلة، كان هو السبب الرئيسى فى «تكويش» جماعة الإخوان على السلطة عبر صناديق الانتخاب.
تفنن نظام مبارك فى ضرب الأحزاب المدنية ومحاصرتها وتدجينها، فى حين أبرم صفقات تحتية متنوعة مع بعض جماعات الإسلام السياسى، خصوصا الإخوان.
وعندما انهار هذا النظام فى ١١ فبراير ٢٠١١، كان الإخوان هم القوى السياسية الوحيدة المنظمة، وصار الطريق ممهدا أمامهم للاستحواذ على ٤٢٪ من مقاعد البرلمان، قفزت إلى أكثر من ٧٠٪ بمقاعد السلفيين.
والدرس الجوهرى الذى ينبغى أن نتعلمه الآن، أن أهل الحكم ينبغى عليهم فورا دعم ومساندة القوى والأحزاب السياسية المدنية ليكون لها تواجد فعال فى الشارع، حتى لا نتفاجأ بعودة القوى المتطرفة مرة أخرى، خصوصا أن السياسة بمعناها الحقيقى والكامل لاتزال غائبة إن لم تكن ميتة.
رابعة هذه الحقائق: أن نظام مبارك قطع كل وسائل الاتصالات أثناء الثورة من الموبايلات إلى وسائل التواصل الاجتماعى، ظنا أن ذلك يجهض الثورة.
والدرس المستفاد هو: إذا كان مبارك فشل فى ذلك فشلا ذريعا، فلن تنجح أى سلطة فى العالم فى الأمر نفسه، لسبب بسيط أن وسائل الإعلام صارت فعلا عصية على المصادرة بالكامل.
والحل هو إتاحة المعلومات الصحيحة أولا بأول، وتحصين الناس بالحقيقة حتى لا يقعوا فريسة لأبواق معادية أو متربصة.
خامسة هذه الحقائق: أن الاستقرار لأى نظام حكم لا يتحقق بالأمن أو نسبة النمو أو علاقاته الخارجية أو تحالفاته الداخلية فقط، بل بكل ذلك معا، مضافا إليها عامل مهم هو رضاء غالبية الناس أو المحكومين، بغض النظر عن كيفية تحقيق ذلك، وهل يكون بالديمقراطية التقليدية وصناديق الانتخاب، أم بحرية التعبير أم بالعدالة الاجتماعية.
المهم أن يقتنع غالبية الناس ـ وليس كلهم بطبيعة الحال ـ بأن نظام الحكم يمثلهم، وأن هناك أملا فى الغد، وبالتالى فسقوط مبارك كان حتميا، سواء حدث فى ٢٥ يناير أو أى وقت آخر لاحق.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة