في اليمن.. حياة ثقافية مشلولة وآثار تاريخية مدمَّرة
الحوثيون حوَّلوا منازل صنعاء التاريخية الأثرية إلى مخازن للأسلحة والمعدات
شلل شبه تام يسيطر على المشهد الثقافي اليمني وعلى عشرات المؤسسات الثقافية، أما المعالم الآثرية فأصبحت في مرمى قذائف المتمردين.
شلل شبه تام يسيطر على المشهد الثقافي اليمني وعلى عشرات المؤسسات الثقافية، أما المعالم الأثرية فأصبحت في مرمى قذائف المتمردين الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
"النشاط الثقافي لعام 2015 في خانة القيمة الصفرية" هذا ما يؤكده تقرير رسمي صادر عن وزارة الثقافة اليمنية، موضحًا أنه "لا يمكن الإشارة إلى أي نشاط ثقافي يذكر بينما شهدت غالبية المؤسسات الثقافية اجتياحا من قبل الميليشيات الانقلابية وتوقفت مؤسسات ثقافية وصحف ودوريات ومجلات ثقافية عن الصدور بعد اقتحام الانقلابيين مقراتها ومطاردة الكتاب والصحفيين".
وبعد اجتياح الانقلابيين العاصمة اليمنية صنعاء تحولت منازل مدينة صنعاء التاريخية الأثرية إلى مخازن لأسلحة ومعدات، في مخالفة واضحة للاتفاقيات الدولية التي تحمي التراث الإنساني.
وقد لاحظت منظمة "اليونسكو" الخطر الكبير الذي تتعرض له صنعاء القديمة، فبادرت إلى إضافتها إلى قائمة عام 2015 الخاصة بالتراث العالمي المعرّض للخطر، وبادرت الأمينة العامة لـ"اليونسكو" إيرينا بوكوفا بالدعوة إلى حماية التراث الثقافي النادر في اليمن المعرَّض لخطر ماحق.
وقالت بوكوفا في هذا الصدد: "تؤسفني جدًّا الخسائر في الأرواح وكذلك الضرر الذي تتعرض له إحدى أقدم جواهر العمارة الإسلامية، وقد صُدمتُ إزاء صور هذه الدور الرائعة ذات الطوابق المتعددة والبساتين التي تحولت إلى أكوام من الرماد".
أما وكيل وزارة الثقافية اليمنية هشام علي فقال: "إن الأزمة اليمنية بالأساس هي ثقافية قبل أن تكون سياسية"، وأضاف في تصريحه "ما يحدث الآن في اليمن هو انهيار كامل الأركان". وفي نفس السياق يقول محمد علي ثامر، مدير عام الإحصاء في وزارة الثقافة: إن "بيت الثقافة الذي يعد واجهة العمل الثقافي الرسمي أصبح الآن متوقف النشاط".
المعالم التاريخية والقلاع والحصون كانت هي الأخرى في مرمي نيران الجماعات المتطرفة من القاعدة والحوثيين، ففي الوقت الذي سيطرت فيه عناصر تنظيم القاعدة على قلعة "رداع" التاريخية في محافظة البيضاء وتحصنوا فيها، بل وقاموا بتشويه وهدم معالمها استهدفت الميليشيات الانقلابية قلعة القاهرة في تعز التي بُنيت على يد عيانة بن محمد الصليحي في النصف الأول من القرن السادس الهجري، والتي نواة مدينة تعز.
عشرات الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية الثقافية غابت بشكل كامل عن المشهد اليمني وتوقفت عن الصدور بسبب المضايقات التي تقوم بها الميليشيات الانقلابية واستهدافها لمقراتها وكتّابها ليبقى ما هو موجود على الساحة هي الوسائل الإعلامية التابعة للميليشيات الانقلابية والتي تتناول المشهد الثقافي بشكل مبتذَل وسطحي محاولةً فرض ثقافة هابطة ومملوءة بالأمراض الطائفية والمذهبية والتقديس لقيادات الحركة الحوثية.
وتوقفت المؤسسات الثقافية عن ممارسة أي نشاط. ولعل أبرز ثلاث مؤسسات ثقافية في البلاد هي مؤسسة "السعيد للعلوم والثقافة" في تعز، ومؤسسة "العفيف الثقافية"، ومؤسسة "الإبداع" في العاصمة صنعاء، وقد أصبحت الآن مغلقة الأبواب وغير قادرة على ممارسة أي نشاط ثقافي بسبب الوضع المختل الذي خلقه الانقلابيون.
وبسبب التضييق الكبير الذي تمارسه الميليشيات الحوثية المتحالفة مع الرئيس السابق صالح نزح أبرز الكتاب والمثقفين اليمنيين خارج البلاد كما أغلقت المطابع ودور النشر أبوابها.
ويقول خبراء في الجانب الثقافي إن الميليشيات الانقلابية لا يهمها ما قد يتعرض له التراث الإنساني من تدمير وهي تقوم بتخزين الأسلحة والمعدات العسكرية داخل المواقع الأثرية، كما تستهدف هذه المواقع أيضًا وتستخدمها كمواقع للحرب والتعبئة والتسليح .
ومن المعروف أنه منذ وُضعت قوانين الحرب في القرن التاسع عشر، كان هناك اعتراف بأن أغلى كنوز الحضارة الإسلامية تستحق عناية خاصة وحماية تكفل الحفاظ عليها. وقد شهدت الحرب العالمية الثانية تدميرًا شاملًا لمعالم بالغة الأهمية من التراث التاريخي والثقافي للإنسانية كلها، الأمر الذي أعطى قوة دفع لصياغة معاهدة لاهاي عام 1954 لحماية الملكية الثقافية والتي صدّقت عليها 111 دولة من بينها اليمن.
وتسعى معاهدة لاهاي وملحقها العائد لعام 1999 لحماية "المِلكية ذات الأهمية الكبرى للتراث الثقافي وكل الشعوب"، وذلك عن طريق أن الأطراف المشاركة في صراع مسلح من استخدام العقارات لأغراض يحتمل أن تعرضها للدمار أو الضرر. ويحظر ارتكاب جرائم الحرب ضد مثل هذه العقارات ما لم تكن مستخدمة لأغراض عسكرية، وهناك ضرورة قصوى للقيام بذلك.
وينص اتفاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية على اعتبار الهجوم المتعمد على الصروح التاريخية وغيرها من الأبنية والعقارات جرائم حرب ما لم تكن أهدافًا عسكرية.
وهذا يعني أن الحوثيين ينبغي عليهم وفقًا للقانون الدولي إخراج عناصرهم المتمردة من مدينة صنعاء القديمة وغيرها من مدن اليمن العريقة. ويعني أيضًا أن قوات التحالف العربي ينبغي عليها أن تكون حريصة على أن يوضع موضع المساءلة كل من يرتكب جرائم الحرب المتمثلة في تدمير معالم التراث من بين الأسرى الحوثيين الذين يقعون في قبضتها.
ويتعين على القوى الدولية والعربية الحرص على التراث اليمني وأن تبذل قصارى جهدها للحفاظ على هذا التراث رغم جرائم الحرب التي يرتكبها الحوثيون ويتعمدون إلحاق الأضرار بالتراث التاريخي والثقافي اليمني.
aXA6IDMuMTQ5LjIzNS4xNzEg جزيرة ام اند امز