السعودية والصين.. توثقان الصداقة الاستراتيجية بشراكات واعدة
مفاصل تاريخية شهدتها علاقة سبعة عقود
زيارة الرئيس الصيني الأخيرة إلى الرياض أتت لتؤكد حجم التطور الكبير في العلاقة بين المملكة وبكين
باتت العلاقة بين السعودية والصين أكثر متانة، مما كانت عليه يومًا طوال سبعة عقود ماضية؛ إذ جاءت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الثلاثاء إلى المملكة، وما شملته من توقيع اتفاقيات وشراكات في جوانب مختلفة بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تعميقًا لما وصفت بـ"الصداقة الاستراتيجية" بين البلدين.
فقد أخذت أوجه الشراكة بين المملكة وجمهورية الصين الشعبية في الأعوام القليلة السابقة أبعادًا أوسع، ومساعي أكبر في تمتين العلاقة بين الرياض وبكين، التي شهدت تاريخيًّا تحولات ومفاصل محورية منذ تأسيسها عام 1939 ميلادي، في مقدمتها الشراكة الاقتصادية؛ إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 74 مليار دولار نهاية 2014، ما جعل الصين في مرتبة الشريك التجاري الأول للمملكة.
توجت العلاقة بين بكين والرياض أخيرًا بـ14 اتفاقية ومذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مجالات التجارة والصناعة والطاقة والتكنولوجيا وعلوم الفضاء ومكافحة الإرهاب، أبرزها مذكرة تفاهم حول تعزيز التعاون المشترك في شأن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين والتعاون في الطاقة الإنتاجية، ومذكرة تعاون لإقامة المفاعل النووي ذي الحرارة العالية والمبرد بالغاز في المملكة، وأخرى لإقامة آلية للمشاورات حول مكافحة الإرهاب.
كما شهد خادم الحرمين الشريفين والرئيس الصيني، الأربعاء، تدشين أحدث الشراكات النفطية بين البلدين، المتمثلة في مصفاة "ياسرف"، المشروع المشترك بين "أرامكو السعودية" بنسبة 62.5% و"سينوبك الصينية" بنسبة 37.5%، والتي تبلغ طاقتها التكريرية 400 ألف برميل يوميًّا، والمتخصصة بأنواع الوقود النظيفة ذات الجودة العالية، وكان ذلك على هامش افتتاح مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية في الرياض.
مفاصل تاريخية في العلاقة السعودية - الصينية
77 عامًا تاريخ العلاقات بين السعودية والصين، حين قررت الرياض في عام 1939 لبدء تمهيد الطريق نحو علاقات سياسية مع بكين، استغرق هذا القرار ستة أعوام قبل توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين في نوفمبر 1946 في جدة، توقفت العلاقات بين البلدين 30 عامًا بدءًا من 1949 وحتى 1979، وهي فترة لم تخلُ من علاقات واتصالات دائمة، لكن ليست بذلك التمثيل الرسمي رفيع المستوى، إلى حين بدأت جمهورية الصين الشعبية علاقاتها من جديد مع العالم.
بدأت السعودية تحركات البحث عن شركاء جدد وحلفاء اقتصاديين وسياسيين لتبقي خياراتها مفتوحة دائمًا، وتحديدًا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حين شهدت العلاقات السعودية - الأميركية فتورًا وتوترًا، كانت الصين أحد أهم الخيارات الأساسية في توجهات السعودية السياسية الجديدة.
وعلى مستوى العلاقات السعودية - الصينية، ورغم الغياب الرسمي للتواصل الدبلوماسي بين عامي 1949 و1979، كانت العلاقات مستمرة بين البلدين في ثلاثة اتجاهات، أولها عودة أول قوافل للحجاج الصينيين نهاية السبعينات، وثانيها فتح طريق صادرات البضائع الصينية إلى السعودية في نهاية الثمانينات، وثالثها عودة العلاقات الرسمية السياسية بشكل فاعل وقوي عند توقيع تأسيس شراكة سياسية واتفاقية تفاهم بين الرياض وبكين في 21 يوليو 1990، المعنية بتحقيق دعم متبادل في مجال تعزيز أمن واستقرار البلدين.
في الفترة بين 1991 و1998 شهدت العلاقات السعودية – الصينية تطورًا ملحوظًا تلخص في 16 زيارة واتفاقيات تعاون رفيعة المستوى في مختلف المجالات، لتتوج بزيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز حين كان وليًّا للعهد في 1998، لتكون بذلك الزيارة الأعلى مستوى للجانب السعودي إلى الصين، وهي الزيارة التي وصف فيها الملك عبد الله الصين بـ"أفضل صديق للسعودية".
في الجانب الصيني كانت زيارة الرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين إلى السعودية في 1999، هي الأعلى من الجانب الصيني، وفي 2006 كانت الصين أبرز محطة ضمن جولة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى الشرق الآسيوي.
السعودية اختارت الصين كأهم الشركاء الاستراتيجيين في الشرق الآسيوي، في نظرة سعودية إلى شرق آسيا كحليف استراتيجي جديد على مستويات عدة أهمها الجانب الاقتصادي، حيث تعتبر الصين المملكة؛ خيارها الاقتصادي الأول في أوجه متعددة أبرزها التجارة والنفط، ثم جاءت زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الصين في مارس 2014، حينما كان وليًّا للعهد، لرفع العلاقة بين الرياض وبكين إلى مستويات أعلى.
ترى السعودية والصين في الزيارات المنظمة بين البلدين على المستوى الرفيع، من عوامل تعزيز العلاقة وتثبيتها وتنميتها في جوانبها الكثيرة، ولهذا جاءت الزيارات المكثفة بدء من عام 1991، وصولًا إلى عام 2006 حين التقى الملك عبدالله بن عبدالعزيز الرئيس هو جينتاو، ما أدى للتوصل إلى اتفاق إقامة ما سمي "الصداقة الاستراتيجية" التي دخلت وقتها إلى مرحلة جديدة.
وفي عام 2008، زار تشي جينبينغ (حين كان نائبا للرئيس) المملكة وجرى توقيع بيان مشترك سمي "البيان المشترك لتعزيز التعاون وعلاقات الصداقة الاستراتيجية بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية"، وفي عام 2009، قام الرئيس الصيني هو جينتاو بزيارة ثانية للمملكة شهدت حينها توقيع خمس اتفاقيات للتعاون في مجالات الطاقة والصحة والحجر الصحي والمواصلات والثقافة.
كما يثمن الصينيون الموقف السعودي في مايو عام 2008 بعد وقوع الزلزال في سيتشوان الصينية، حين قرر الملك عبد الله وقتها التبرع بـ50 مليون دولار أمريكي وتقديم المساعدة المادية بقيمة عشرة ملايين دولار، كأكبر مساعدة خارجية تلقتها بكين، ألحقتها المملكة بتقديم 1460 غرفة متنقلة والتبرع بـ1.5 مليون دولار لإعادة الإعمار في منطقة الزلزال.
وحرصًا من السعودية لمواصلة تعزيز شراكتها مع الاقتصادية مع الصين، استثمرت المملكة 150 مليون دولار لبناء "الجناح السعودي" في "إكسبو شنغهاي الصين 2010"، الذي شهد اقبالًا واسعًا آنذاك، وفي عام 2013، وجهت الدعوة للصين كضيف شرف في مهرجان الجنادرية السعودي، حيث تلاقت الفعاليات الثقافية الصينية مع التراث السعودي وحظيت بإقبال كثيف، وبعد هذه الدعوة حضرت السعودية كضيف شرف في الدورة العشرين لمعرض الكتاب الدولي في بكين 2013، حيث عرضت للشعب الصيني الثمرات الإنسانية السعودية بما فيها الثقافة والآداب والطب وغيرها.
قامت العلاقات السعودية - الصينية منذ تأسيسها على الاحترام المتبادل على كافة الأصعدة، وتلاقت في كثير من الملفات على رأسها عملية السلام في الشرق الأوسط، ومنها الدعم الصيني لموقف السعودية من القضية الفلسطينية، ودعم حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وتؤمن الصين بأهمية دعم القضية السورية من خلال جهودها المتواصلة لتخفيف الأزمة الإنسانية في سوريا ودعم الحلول السلمية، مع تأكيدها المستمر على دور السعودية الإقليمي المحوري في حل النزاعات من خلال سياساتها الهادفة إلى تحقيق الاحترام المتبادل للدول الأخرى وتعزيز مفهوم حسن الجوار.
تعد السعودية وعلى مدى تاريخها مع الصين، أهم شركاء بكين في التعاون الاقتصادي والتجاري، وأكبر شريك تجاري لها في غرب آسيا وإفريقيا، وفي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقة الاقتصادية والتجارية بين البلدين تطورًا ملحوظًا، ووفقًا لإحصاءات الجمارك الصينية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 74 مليار دولار في عام 2014، مع زيادة كبيرة في حجم مشاريع المقاولات للشركات الصينية في المملكة، وتولي الصين اهتمامًا بالغًا للتعاون في مجال الطاقة مع السعودية، حيث يتمتع البلدان بإمكانات التكامل القوية في هذا المجال.
ففي عام 2013، استوردت الصين 53.9 مليون طن من النفط الخام من السعودية، ما يمثل خُمس إجمالي واردات النفط في الصين، وإضافة إلى ذلك، لدى البلدين آفاق واسعة في التعاون في مجال الطاقات المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والطاقة الرياحية وغيرها، حيث تعد الصين أكبر دولة من حيث قدرة توليد الطاقة بالرياح، التي بلغت 75.38 غيغا واط في نهاية عام 2012.
تجدر الإشارة إلى أن الصين قد طرحت مبادرة بناء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري في القرن الـ21" مع دول آسيا وأوروبا، وتقع السعودية جغرافيًّا في منطقة التلاقي بين طريقي الحرير البري والبحري، مما سيخلق فرصًا وآفاقًا واسعة للتنمية والازدهار المشتركة للبلدين.
aXA6IDE4LjIyNS43Mi4xNjEg
جزيرة ام اند امز