مؤرخون: "الغطاس" كان عيدًا قوميًّا رسميًّا بمصر الإسلامية
"عيد الغطاس" لم يكن قاصرا على المسيحيين، فقد كان حاكم مصر ورجال حكومته وأُسرته ومعاونوه يشاركون في احتفالاته، بالزينة وتعميم الأفراح.
أكدت دراسة أثرية للدكتور على أحمد الطايش، أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، أن عيد الغطاس، الذي يحتفل به المسيحيون في مصر، الخميس، كان عيدا قوميا رسميا خلال فترة الإخشيديين والعصر الفاطمي، يحتفل به المصريون عن طريق صناعة الفوانيس والشموع الضخمة، وكان يطلقون عليه اسم "عيد الأنوار".
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن الطايش قوله، بمناسبة احتفال المسيحيين، الخميس، بعيد الغطاس: إن هناك منطقة تسمى "قصر الشمع" بمنطقة مصر القديمة، بجوار الكنائس الأثرية، كان الأقباط يصنعون فيها الفوانيس والشموع تأثرا بفانوس رمضان، لافتا إلى أن عيد الغطاس كان عيدا قوميا تحتفل به مصر احتفالا رسميا وشعبيا بلغ حده أن حاكم مصر نفسه ورجال حكومته وأُسرته ومعاونيه كانوا يشتركون فيه، ويأمرون بإقامة الزينة وإشعال النيران وإضاءة المشاعل وتعميم الأفراح الشعبية في كل مكان، وتوزيع المأكولات على الأهالي مع الصدقات على الفقراء، وكان الناس يغطسون في النيل تبركا بهذه المناسبة السعيدة .
وأوضح أن هذا العيد ترجع مناسبته إلى أن نبي الله يحيى، المعروف عند المسيحيين باسم "يوحنا المعمدان"، قد عمد السيد المسيح عليه السلام، أي غسله في بحيرة الأردن، وعندما خرج المسيح عليه السلام من الماء نزل عليه الوحي، فصار المسيحيون يغمسون أولادهم في الماء في هذا اليوم، وينزلون فيه بأجمعهم، ولا يكون ذلك إلا في شدة البرد ويسمونه يوم الغطاس.
من جانبه، ألقي خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان الضوء على مظاهر الاحتفال بعيد الغطاس، مشيرا إلى أنه في فترة الإخشيديين سجل المؤرخ المسعودي عام 330هـ ليلة الغطاس بمصر، فقال إن "الإخشيد محمد بن طفج، أمير مصر، كان في قصره بجزيرة منيل الروضة، وأمر بإقامة الزينة في ليلة الغطاس أمام قصره من جهته الشرقية المطلة على النيل، وأوقد ألف مشعل، وأوقد أهل مصر من المشاعل والشموع على جانبي فرع النيل، وقد حضر في تلك الليلة آلاف البشر من المسلمين والمسيحيين، ومنهم من احتفلوا في الزوارق السابحة في النيل، ومنهم من جعلوا حفلاتهم في البيوت المشرفة على النيل، ومنهم من أقاموا الصواوين على الشواطئ، مظهرين ما لا يحصى من المآكل والمشارب والملابس، وآلات الذهب والفضة والجواهر، وكانوا يقضون ليلتهم في اللهو والعزف على آلات الطرب، والتحلي بالجواهر الثمينة والزينة".
وذكر أن ليلة الغطاس في مصر، أيام الفاطميين والإخشيديين، "كانت أحسن الليالي وأشملها سروراً، ولا تُغلق البوابات التي كانت مركّبة على أفواه الدروب والحارات، بل تبقى إلى الصباح، ويغطس أكثر الناس في نهر النيل"، وقال إن الفاطميين في عيد الغطاس كانوا يوزعون على الموظفين الليمون والقصب والسمك البوري، وكان ذلك برسوم مقررة لكل شخص، وكان يقبل الناس على تناول القصب في هذه الليلة، واعتباره من عادات ورموز العيد .
وتابع أن الخيام كانت تنصب على الشواطئ ويأتي الخليفة ومعه أُسرته من قصره بالقاهرة إلى مصر القديمة، وتوقد المشاعل في البر والبحر، وتظهر أشعتها وقد اخترقت كبد السماء لكى تزينها بالأنوار البهية، ثم تنصب الأسرة لرؤساء المسيحيين على شاطئ النيل في خيامهم، وتوقد المشاعل، ويجلس الرئيس مع أهله وبين يديه المغنون، ثم يأتي الكهنة والرهبان وبأيديهم الصلبان، ويقيمون قداساً طويلاً ربما "قداس اللقان".
وأضاف أن نهر النيل كان يمتلئ بالمراكب والزوارق ويجتمع فيها السواد الأعظم من المسلمين والمسيحيين، فإذا دخل الليل تزين المراكب بالقناديل وتشعل فيها الشموع، وكذلك على جانب الشواطئ، يشعل أكثر من ألفي مشعل، وألف فانوس، وينزل رؤساء المسيحيين في المراكب، ولا يغلق في تلك الليلة دكان ولا درب ولا سوق، ويغطسون بعد العشاء في بحر النيل سويًّا، ويزعمون أن من يغطس في تلك الليلة يأمن من الضعف في تلك السنة، لافتا إلى أن الاحتفالات بعيد الغطاس استمرت أجيالا وسجلت في كتب التاريخ بأيدي مؤرخين مسلمين ومسيحيين كمظهر من المظاهر القومية في مصر.
aXA6IDE4LjIyNy41Mi4yNDgg جزيرة ام اند امز