«مسار الأزرق الحزين» لعلاء خالد.. في مكتبة القاهرة
أطلق الشاعر المصري علاء خالد كتابه الجديد عن تجربة مرض كادت تودي به إلى الموت لكنه تمثّلها جماليًّا في نص مؤثر وحميم..
"كل ما هو غير مرئي، ونأخذه كشيء مسلّم به في حياتنا العادية ولا يثير حتى انتباهنا، كالوقت أو الزمن أو رائحة البرتقال، كان هنا في غرفة العناية المركزة هذه له ثقل وحضور ماديان، ربما لاتساع الوعي بالزمن، حتى تتلمس ماديته، ماديته هو وليس عبوره وإحساسك بالفناء. كأنك في سباق لا يوجد به خط نهاية"..
بهذا الاستبطان الشعري، والتأمل النافذ، والخبرة الإنسانية الخاصة، يواجه الكاتب والشاعر المصري المعروف علاء خالد جمهوره في كتابه الفريد «مسار الأزرق الحزين»، الصادر أخيرا عن دار الكرمة للنشر والتوزيع، والذي احتفلت «الكرمة»، أمس الخميس، بإطلاقه وسط حضور حاشد من مثقفين وكتاب وفنانين، في مكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك. أدار اللقاء، الناشر سيف سلماوي، مدير دار الكرمة للنشر، وقرأ مقاطع عدة من الكتاب بأداء درامي الفنان حلمي فودة، واشتركت في المناقشة الكاتبة والأكاديمية سحر الموجي.
عندما دخل علاء خالد المستشفى لإجراء عملية جراحية بسيطة، لم يكن يتوقع أنه سيتعرض لتجربة مرض صعبة وخطيرة. فقد ساءت حالته الصحية فجأة بسبب خطأ طبي، وخضع لعملية ثانية وأُدخل قسم العناية المركزة وهو بين الحياة والموت. في «مسار الأزرق الحزين»، يأخذ علاء خالد قارئه في رحلة باطنية شفيفة تنضح بحب الحياة وتقدير الأشياء الصغيرة، العادية، وتأمل الموت دون خوف، ربما فقط بتساؤلات عن المعنى. في نص استثنائي وخاص جدًّا، يبوح لنا أحد أهم الشعراء المعاصرين بما راوده من أفكار ومخاوف وأحاسيس، يعيد النظر في عديد من المسائل، من فقدان الخصوصية، والصراع مع الموت، إلى الحب والحياة ومكان الإنسان في الكون.
فاجأ علاء خالد جمهوره، أثناء المناقشة، بهذه الإنسانية العارمة التي أفاضها خلال حديثه عن تجربة المرض أو بمحاولة أدق للتوصيف تجربة "النجاة من الموت"، وربما يكون الأدق، هو "اكتشاف الحياة من جديد" عقب الهرولة نحو الحافة ومواجهة النهاية، ثم الرجوع مرة أخرى إلى دائرة الوعي بالحياة التي تسكننا. يقول علاء خالد إنه أدرك بوضوح أنه ما زال في دائرة الوعي بالحياة عندما شعر بأن أقدامه تصطدم بالحاجز الحديدي لسرير المرض في غرفة العناية المركزة، هنا وعندما بدأ يستوعب حسية ومادية المكان والزمان فارقه شعور الاتساع الذي انغمس فيه طوال أيام الرقاد، كان يشعر بأن رقاده على السرير ذي الحيز الضيق المحدود إنما هو في اتساع لا متناهٍ، فضاء لا يحدّه شيء، في هذه اللحظات وبعد تأملها لاحقا، يقول خالد، إنها كانت مجازية القبر، أو هكذا تمثلت له آنذاك.
وطوال ما يقرب من الساعتين، استدعي خالد تجربته الإنسانية والكتابية، وراوح الانتقال بين ذكريات المرض ولحظات الكتابة، وتخلل ذلك قراءة درامية ممتعة ومؤثرة لحلمي فودة لمقاطع مختارة بعناية من «مسار الأزرق الحزين»، كانت استجابة الجمهور لها فائقة الحساسية.
بصوته، قرأ الفنان حلمي فودة المقطع التالي "كنت أشعر بأن بلوغ الخمسين يسمح بأن تموت بدون شعور كبير بالأسف، إنه سن القطاف، ليس الأربعين أو الثلاثين الذي تشعر فيه بأن الحياة لم تكتمل بعد، ومن مات في هذه السن تشعر تجاهه بالأسف لأنه كان شجاعا وضحى بهذا العمر الذي لم يعشه، بينما أنت جبان وخائف وتكوّش على عمرك في خزانة حديدية! في الخمسين هناك شبه اكتمال ما لدورة أساسية من دورات الحياة، بداية التعادل مع الحياة، كأنك أخذت منها مثل ما سوف تأخذه هي منك، لا خسارة كبيرة في الغياب. سن تسمح بتقبل الموت. لو مت فلن يكون هناك أحد مدين لي بعمر لم أعشه. كان هذا التيار المائي الرائق يسحب وجودي تجاه نقطة تسليم واستسلام لا هزيمة فيه. لو عشت فالحياة بداية جديدة، ولو مت، فالموت أيضا بداية جديدة".
يُعتبر الكاتب والشاعر السكندري علاء خالد أحد الأسماء الأساسية في قصيدة النثر. صدرت له حتى الآن سبعة دواوين شعرية وستة كتب أخرى تنوعت ما بين النثر والصور القلمية والرواية. يعيش علاء خالد في الإسكندرية مع زوجته، المصورة سلوى رشاد، حيث يصدران مجلة «أمكنة» المرموقة، التي تعنى بثقافة المكان.
aXA6IDE4LjIyMS4xODMuMzQg جزيرة ام اند امز