بداية هذا العام كانت عاصفة، حيث خسرت البورصات العالمية قرابة ٦ تريليون دولار فى غضون أيام.
عاصفة نتيجة الانخفاض الكبير فى أسعار البترول، وهو ما دفع دول الخليج لإجراءات اقتصادية غير معتادة، ستضفى بظلالها على الاقتصاد المصرى.
عالميا، مر الاقتصاد الصينى بأزمة حرجة الصيف الماضى بعد فترة طويلة من النمو، وعلى الرغم من مخاوف التباطؤ، إلا أن البنك المركزى الصينى عمل على ضخ السيولة فى السوق، لضمان استمرار الطلب على الأسهم. التمادى فى ضخ السيولة لم يمنع الفقاعة التى تكونت من الانفجار بطبيعة الحال، مما زاد النزيف فى الأسهم الصينية بشكل كبير، وبدأ الحديث عن تباطؤ فى الاقتصاد الحقيقى. من ناحية أخرى، ما زالت أوروبا تقبع فى الركود منذ ٢٠٠٨، وبدلا من أن تتعافى كانت تواجه أزمة ديون اليونان والتى كادت تعصف بمنطقة اليورو بأسرها، ولذلك كانت بوادر تباطؤ عالمى كفيلة بدفع الأسهم الأوروبية للخسارة.
أما أمريكا والتى سجلت معدلات نمو كبيرة العام الماضى، بدأت تصيبها عوارض التباطؤ الاقتصادى أيضا بعد قرار الفيدرالى الأمريكى برفع سعر الفائدة، لينهى فترة ممتدة من النمو وارتفاع أسعار الأسهم. وبعد رفع سعر الفائدة، بدأ الحديث عن انتهاء دورة الصعود ولم يقتصر ذلك على البورصة، حيث إن سلاسل المتاجر الكبرى بدأت فى الإعلان عن إغلاق بعض فروعها وتسريح الموظفين، فى إشارة أن التباطؤ وصل للاقتصاد الحقيقى. وكان لتلك التطورات أثرا على انخفاض الأسهم الأمريكية بالتبعية. يحذر البعض من أزمة مالية عالمية جديدة مثلما حدث فى ٢٠٠٨، لكن من المبكر الوصول لذلك الاستنتاج، إلا أن العام من المتوقع أن يشهد معدلات نمو عالمية أقل من العام الماضى.
***
أما منطقة الشرق الأوسط، فقد ضربها إعصار انخفاض أسعار البترول. فبعد عام شهدت فيه أسعار البترول انخفاضا حادا، كان الأمل يراود الكثيرين أن الأسعار ستتعافى أو على الأقل ستثبت، إلا أن أسعار البترول استشرفت العام الجديد بتراجع لما دون ٣٠ دولارا للبرميل، فى صدمة كبيرة خيبت آمال الدول الخليجية، شديدة الاعتماد على تصدير البترول. ولعل الأخبار المتتالية عن التباطؤ الاقتصادى العالمى والحديث عن احتمالية حدوث أزمة مالية جديدة كانت وراء انخفاض الطلب المتسقبلى على البترول. بالإضافة لذلك جاء الإعلان عن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، بعد أن استوفت الشروط المتفق عليها، ليزيد من العرض المستقبلى للبترول، حيث إن رجوع إيران للسوق العالمية من المتوقع أن يؤدى لزيادة المعروض بقرابة مليون برميل يوميا فى وقت قصير.
ومع التراجع الكبير فى أسعار البترول، أصبحت جميع دول الخليج تعانى من عجز كبير فى موازناتها، مما دفع تلك الدول لاتخاذ إجراءات اقتصادية استثنائية كانت تعتبر سابقا دربا من دروب الخيال؛ حيث قامت عدد من دول الخليج برفع أسعار البنزين المدعمة وهو ما حدث فى السعودية والبحرين وقطر، فى محاولة لخفض النفقات الحكومية وسد عجز الموازنة. كما أن دول الخليج، التى كانت دائما تتجنب فرض الضرائب على مواطنيها، من أجل دعم مستوى معيشتهم وتوزيع ثروات البترول على الشعب، بدأت التفكير فى إيجاد نظام ضريبى لزيادة إيراداتها وسد عجز موازناتها، حتى إن هناك خطة لتطبيق ضريبة قيمة مضافة على الاستهلاك فى دول الخليج على المدى القصير.
العمل على تقليص النفقات برفع الدعم وإيقاف الكثير من مشروعات البنية التحتية، وكذلك زيادة الايرادات الحكومية، يعبر عن عمق الأزمة التى يمر بها الخليج وعن إدراك الخليج أن هذا الوضع الحرج لن ينتهى سريعا. وعلى الرغم من حرج الوضع فى الخليج بشكل عام، إلا أن الوضع فى السعودية أكثر حرجا. فعجز الموازنة السعودية بلغ رقما قياسيا العام الماضى، كما أن حرب اليمن التى لا يتضح لها نهاية أثقلت كاهل المملكة. والآن مع رجوع إيران للساحة العالمية، فإن على السعودية الاستعداد لصراع أصعب وأكثر كلفة مما دفعها للإعلان عن حزمة من المبادرات، مثل خصخصة بعض المرافق العامة وطرح جزء من شركة أرامكو، والتى تسيطر على إنتاج وتصدير البترول السعودى، فى البورصة فى خطوة تاريخية، حيث يصل قيمتها لعدة تريليونات من الدولارات.
***
ما يحدث عالميا وإقليميا سيضفى بظلاله على الوضع فى مصر، حيث إن تراجع الأسواق العالمية سيرفع من خطورة الاستثمار فى الأسواق الناشئة، مما يخفض من تدفق الاستثمارات الأجنبية على المدى القصير. كما أن تراجع أسعار البترول والغاز عالميا سيحد من تدفق الاستثمارات على قطاع الطاقة المصرى، الذى كان من المفترض أن يشهد نموا كبيرا بعد الاكتشافات الأخيرة. ومما يزيد الأمر تعقيدا هو رفع العقوبات عن إيران وانفتاح السوق الإيرانية أمام شركات البترول الأجنبية، والتى مما لا شك فيه ستفضل استثمار موازناتها الاستثمارية المحدودة فى إيران، الغنية بالبترول والفقيرة بالتكنولوجيا نتيجة الحصار.
من ناحية أخرى، انخفاض أسعار البترول وأثرها السلبى على موازنات الخليج، سيحد من المساعدات والاستثمارات الخليجية أكثر مما سبق وهذا أمر بديهى. لكن من الصعب توقف تلك المساعدات تماما فى وقت يحتاج فيه الخليج خاصة السعودية، لدعم مصر العسكرى حال تصاعد الصراع مع إيران. الجديد فى الأمر، أن الإجراءات الاستثنائية الاقتصادية التى اتخذتها السعودية أخيرا لا تترك لمصر مساحة لتأجيل العديد من القرارات الاقتصادية التقشفية، كرفع الدعم وخفض الرواتب الحكومية تدريجيا، كما أن التوجه للخصخصة سيعود مرة أخرى بطبيعة الحال أسوة بالمملكة. على الرغم من ذلك، ستسفيد مصر من خفض بند الدعم فى الموازنة، مما سيساعد على احتواء عجز الموازنة بعض الشىء.
الاقتصاد العالمى يمر بوعكة كبيرة، ليس من الضرورى أن ينتج عنها أزمة مالية عالمية مثلما حدث فى ٢٠٠٨، لكن الأكثر خطورة هى أزمة أسعار البترول التى تعصف بدول الخليج وتضغط على مصر، للإسراع فى تطبيق إجراءات تقشفية عديدة مصحوبة ببرنامج خصخصة على نهج الإصلاحات السعودية.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة