كنت أتمنى لو أن مصر قامت تحتفل بذكرى ثورة 25 يناير كما تحتفل الشعوب العظيمة بأيامها الخالدة
كنت أتمنى لو أن مصر قامت تحتفل بذكرى ثورة 25 يناير كما تحتفل الشعوب العظيمة بأيامها الخالدة وفى احتفال مهيب وقف المصريون بكل الوقار والترفع والعرفان أمام قبور شهدائهم من شباب الثورة والقوات المسلحة ورجال الشرطة لأنهم جميعا أبناء هذا الشعب ولأنهم قدموا للوطن أغلى ما يقدم الإنسان من التضحيات.. تمنيت لو أن شباب مصر وقف أمام هذه الذكرى وهو فى حماية جيشه العظيم وقوات أمنه لكى يقولوا للعالم أن ثورة يناير هى التى أطاحت بنظام مستبد وأن ثورة يونيه هى التى خرجت بالمصريين نحو الأمل والمستقبل.. ولكن أبواق الإعلام المغرض هى التى جعلت من ثورة يناير شبحا يخاف منه المصريون تحت دعاوى كاذبة بأنها كانت مؤامرة على هذا الشعب وأن أيادى خارجية هى التى دبرتها وحركتها ودفعت بها إلى الشوارع هذه الدعاوى التى قدمت التسجيلات المشبوهة والأصوات المغرضة لتوهم الناس أن الملايين الذين خرجوا فى ثورة يناير استأجرتهم جهات أجنبية ونسى هؤلاء إن خروج 20 مليون مواطن وطوال 18 يوما لا يمكن إلا أن يكون وراءه ارادة شعب.. إن هذا الطوفان من البشر الذى تدفق فى كل المدن المصرية لم يكن مأجوراً أو متآمرا لحساب الأعداء ولكنه كان إرادة شعب قرر أن يتخلص من عصابة حاكمه حتى لو وجدت أبواقا تدافع عنها بالباطل.. كان ينبغى أن نقف عرفانا ووفاء أمام شهداء مصر الذين سقطوا طوال السنوات الماضية دفاعا عن أمنها واستقراها وكرامة شعبها.. وإذا كان من العدل أن ننصف 25 يناير الثورة والشهداء والأبطال من رجال الجيش والشرطة فيجب أن نقف أمام هذا الحدث ونعطيه حقه من الإنصاف بعد أن تشوهت الحقائق أمام سيل من الاتهامات الظالمة..
< كانت ثورة يناير لحظة مضيئة فى تاريخ العلاقة بين جيش مصر وشعبها لأن هذا الجيش أكد فيها ولاءه الحقيقى للشعب الذى خرج منه.. هناك جيوش أخرى ليست بعيدة انحازت للسلطة بدافع الولاء أو الانتماء العقائدى أو القبلى ولكن جيش مصر كان على عهده دائما انه مع الشعب وحين جاء وقت الامتحان أكد حقيقة وجوده فلا كان مع نظام حاكم ولا كان مع جماعة فاشلة بل أخذ مكانه فى كل جزء من تراب مصر مدافعا عن أمنها واستقرارها وهيبتها لأن الحكام إلى زوال مهما طال العمر بهم والشعوب هى الباقية.. إن جيش مصر الآن ينتشر فى كل جزء من ربوعها إنه يحارب الإرهاب فى سيناء.. ويبنى الطرق ويؤمن حياة الناس ويزرع الأراضى ويوزع السلع على الفقراء فى الشوارع فهل يمكن الآن أن يخرج مواطن واحد من قلب هذا الشعب لكى يتظاهر على سيارة متنقلة تقدم الطعام أو كتيبة تزرع الأرض أو أبطال يحاربون الإرهاب فى سيناء.. هل يمكن بعد أن عشنا سنوات الخوف وغياب الأمن أن يخرج مواطن يتظاهر ضد جندى يحمى بيته ويحرس أبناءه.. إن هؤلاء الذين ينتشرون على الشاشات ويرهبون المصريين من الأشباح القادمة يوم 25 يناير هم المتآمرون الحقيقيون لأن الإنسان المصرى ليس بهذه البلاهة حتى يتظاهر ضد من يحميه ويسعى لتوفير الحياة الكريمة له..
< لقد وضعت ثورة يناير نهاية حكم مستبد وأسقطت الحزب الوطنى ومجلس الشعب المزور وكانت سببا فى إسقاط تجربة مريرة من حكم الإخوان المسلمين بعد عام من الفشل والغباء والجهل إنتهى بثورة 30 يونيو.. وهذه النتائج تؤكد أن المصريين من خلال ثورتين تخلصوا بإرادة شعبية من حكم رئيسين وفساد حزبين وهذا يؤكد رغم كل ما يقال إن خروج المصريين قد حقق أهدافه واستعاد كرامة الشعب فما هو المبرر أن يخرج الشعب الآن متظاهرا ونحن نضع أقدامنا على أول طريق الأمن والإستقرار.. ولكن الغريب أن تجد من يتصدر الشاشات ويحذر المواطنين من قوات الأمن يوم 25 يناير من قال لك أن الشعب سيخرج حتى تهدده ومن أعطاك الحق أن تتحدث نيابة عن الدولة ومؤسساتها.. ولكنها الأبواق التى تتصور انها تتحدث بإسم الشعب والدولة وهى فى الحقيقة تسئ للإثنين معا.
< لا أعتقد أن الإخوان المسلمين مازالت لديهم القدرة على تحريك الشارع المصرى مرة أخرى فقد سقطت الأسطورة واصبح العداء اليوم ليس بين الإخوان والسلطة ولكن الإخوان خسروا تأييد الشعب المصرى وسوف يحتاجون عشرات السنين لترشيد مسارهم وعودة الثقة بينهم وبين الإنسان المصرى الذى خذلوه حين تحولوا إلى أدوات إرهابية تسعى إلى السلطة بأى صورة من الصور حتى لو كانت على دم الضحايا الأبرياء..هل يمكن أن يغفر المصريون البسطاء ما تفعله رموزهم فى الخارج ضد مصر وشعبها..هل يمكن أن ننسى تخلى قيادات الإخوان عن شبابها..وماذا سيحدث لو خرج الإخوان للشوارع الآن وتصدى لهم المصريون وهل من العقل أن يخرج الإخوان وهم يشاهدون جيش مصر ينتشر فى كل مكان فهل يقفون أمام الجيش وأى غباء سوف يحملهم إلى هذا المصير المجهول.. ان الجيش المصرى لن يفرط فى مسئوليته فى حماية أمن واستقرار الوطن وهو قادر أن يحمى كل شبر فيه وإذا كانت هناك أحداث إجرامية حدثت اثناء ثورة يناير فى اقتحام السجون وتخريب مراكز الشرطة فهذه ظروف تجاوزتها مصر وغير قابلة للتكرار خاصة أن الشعب المصرى قد كشف الكثير من الحقائق والملابسات.
< لا أتصور أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يتحمل مسئولية ميراث ثقيل لا أحد يستطيع أن يحدد زمانه وشخوصه وما جرى فيه.. وليس من الأمانة أبداً والرجل لم يكمل عامين فى السلطة أن يدفع فاتورة ثلاثين عاما من النهب والفساد أو فاتورة عام من الظلام والجهل والفشل.. ليس معنى ذلك أن الرئيس السيسى أكبر من الحساب ولكن ينبغى أن يحاسب على فترة حكمه وهى مازالت قصيره ويمكن ان نفتح ملفاتها فى يوم من الأيام بالسلب والإيجاب..
نحن أمام حقيقة مؤكدة ان الرجل يعمل بجهد خارق وانه فتح جبهات كثيرة فى الداخل والخارج ابتداء بمشروعات ضخمة بدأت الدولة تنفيذها وانتهاء بمؤامرات رهيبة تحيط بنا ويتصدى لها بكل الصدق والأمانة والوطنية.. حين خرج المصريون فى ثورة 25 يناير كانت أمامهم أحلام واضحة فشل النظام فى تحقيقها وهى الحرية والعدالة والكرامة.. وحين خرج المصريون يوم 30 يونيه كان هدفهم إسقاط حكم متخلف وجماعة هى بكل المقاييس لا تستطيع إدارة شئون أكبر دولة عربية بل أنها تواطأت واستخدمت الإرهاب ضد المصريين من أجل البقاء فى السلطة.. وحين وقف الجيش بقيادة عبد الفتاح السيسى مع الشعب المصرى لتعديل المسار والخروج من محنة الإخوان فى الحكم لم يكن السيسى ساعيا إلى السلطة ولكنه كان حالما لشعبه بالأمن والرخاء والإستقرار ولابد أن نمنحه فرصته كاملة وأن نقف معه لنكمل المشوار..
< فى تقديرى أن أمام مصر فرصة تاريخية نادرة ولا أريد ان أقول انها الأخيرة لكى تستعيد الكثير من قدراتها ودورها ومكانتها فى ظل ظروف إقليمية ودولية تخلق واقعا جديدا وحسابات جديدة.. إن مصر رغم قيام ثورتين وخلع رئيسين ورغم كل الأضرار التى لحقت بنا خرجت شبه منتصرة من كل هذه المواجهات الدامية.. لقد خلعت جذور الإرهاب فى سيناء.. وتخلصت من حزب سياسى مستبد وحكم ترهل وشاخ واستبد وجماعة باعت شعبها للإرهاب وخسرت كل شئ.. بعد هذا كله لم يهدم فندقا.. ولم يحرق مصنعا ولم يهاجر أحدا.. فى خمس سنوات استطاعت مصر أن تلملم جراحها وتحتفل بشهدائها وتستعيد قوة جيشها وشرطتها واستطاعت ان تعيد البناء مرة أخرى فى ظل سلطة مستقرة ودستور يحدد مسار الأشياء والبشر ورئيس اختاره الشعب بكامل إرادته وبرلمان ظهر فى ظروف صعبة يحدث هذا كله وهناك من كان يتصور انه جاء الدور علينا فى الخراب والدمار والموت.. خرجت مصر من كل هذه الأزمات وبدأت مشوارها مع البناء والتقدم ولا أعتقد انه من الوطنية الأن ان يقف الشعب ضد مسيرته أو أن نختلف على اهمية الأمن والإستقرار او ان ننكر ان كل ما حدث كان إرادة شعبية فلم يكن الدستور لعبة سياسية ولم يكن انتخاب السيسى إرغاما لأحد ولم يكن البرلمان مزوراً رغم كل ما حدث فيه من تجاوزات.. فى المقابل جاءت المشروعات الكبرى تحمل مصر الى المستقبل كانت قناة السويس بأموال الشعب وكان إعادة بناء جيش مصر وهو قلعتها الحصينة وعودة الشرطة المصرية لسابق عهدها ثم بدأت مشروعات التنمية فى سيناء وزراعة مليون ونصف مليون فدان كل هذه الأشياء تحمل للمصريين الأمل فى ان تعود مصر كما حلمنا بها دائما.. ان المهم فى ذلك ثلاث نقاط أساسية :
أولا : أن نحرص كل الحرص على أمن هذا الوطن واستقراره لأن ما حدث حولنا وما قرأناه فى التاريخ ان الإنقسام هو أخطر امراض الشعوب وهو طريق واسع للخراب والدمار والكراهية.. لقد شهد الشارع المصرى انقسامات كثيرة فى السنوات الخمس الماضية وهى تراث لأعوام سبقت وعلينا الأن ان نعيد لمصر وحدة شعبها ولا نترك الخلافات الصغيرة تفرق شملنا وتشتت صفوفنا ولهذا تمنيت لو اننا وقفنا امام ذكرى ثورة يناير بكل الوفاء والعرفان لدماء شهدائنا لأنهم جميعا أبناء مصر الأوفياء الأبرار.
ثانيا : ألا نترك الرئيس عبد الفتاح السيسى وحده فى رحلة البناء اننا نقدر جهده واحلامه ولكنه يحتاج شعبا يحميه ويسانده ويشد من أزره ليس معنى ذلك أن نقبل كل شئ بلا حوار ولكن يجب أن نعيد للحوار قدسيته وللكلمة احترامها وأن نخرج من مستنقعات الجهل والتخلف وفوضى الإعلام ان اسهل الأشياء فى الدنيا تخريب الأشياء وأصعب ما فيها البناء ونحن نستطيع ان نعيد لمصر دورها وريادتها وكل ما حولنا يدعونا لذلك لأننا بالفعل امام فرصة تاريخية ان نعيد مصر التى احببناها بهيبتها وشموخها وحضارة شعبها وليس امامنا الأن غير ان نعمل حتى ولو تأجلت الثمار بعض الوقت.
ثالثا : أمامنا تحديات كثيرة من عصور سبقت..قضايا الفساد وهى عبء ثقيل يتطلب الكثير من الحسم والحكمة والحرص على مصالح الشعب.. وامامنا قضية الشباب وهى قضية معقدة تحتاج الى قدر كبير من التجرد والحرص على مستقبل هذا الوطن والشباب ليس فقط الحرية والرأى الآخر وخلافات الفكر والرؤى ان الشباب الفرص المتكافئة والعدالة وشراكة الأحلام ومواجهة كوارث المخدرات والبطالة والفقر وقبل هذا الفكر المتطرف الذى يحميه الإرهاب.. وامامنا أيضا قضية الفقر لأن فقراء مصر أنبل وارفع من فيها فقد كانت معاناتهم فى السنوات الماضية وساما للوطنية الحقيقية وجاء الوقت لكى نرد لهم بعض ما قدموا من الصبر والمعاناة.
كل ثورة يناير ومصر الصامدة المؤمنة العفية قادرة على أن تصنع مستقبلا يليق بنا. من قصيدة «هانت على الاهل الكرام دمانا» سنة 2012
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة