يبدو أنه لم يعد أمامنا إلا اللجوء إلى البرلمان لتعديل العوار التشريعى الذى يتيح للنائب العام منح نفسه سلطة مطلقة فى فرض حظر النشر
يبدو أنه لم يعد أمامنا إلا اللجوء إلى البرلمان لتعديل العوار التشريعى الذى يتيح للنائب العام منح نفسه سلطة مطلقة فى فرض حظر النشر فيما يشاء من قضايا حتى لو لم تتوافر فيها الشروط المقبولة للحظر مثل مساسها بالأمن القومى أو الخوف من التأثير على التحقيقات.
وكنت قد نشرت فى 30 يوليو 2015 مقالا بعنوان «إن بعض الحظر إثم» تعليقا على قرار حظر النشر فى اتهام أحد القضاة بالحصول على رشوة جنسية وقلت إن التوسع فى قرارات حظر النشر لتشمل قضايا «تافهة» لا تمثل أى خطورة على الأمن القومى ولا تنطوى تحقيقاتها على معلومات حساسة، يضر بحق الشعب فى المعرفة من ناحية، وبسمعة مؤسسة العدالة من ناحية أخرى.
وبعد أن فاجأنا النائب العام بوجود قضية تحمل رقم 75 لسنة 2016، أمام نيابة أمن الدولة العليا بشأن تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عن الفساد فى مصر وتقرير لجنة تقصى الحقائق للرد عليه وحظر النشر فيها، يصبح الأمل فى البرلمان لحماية حق الشعب فى المعرفة وضبط سلطة النيابة فى حظر النشر حتى لا يصبح توسع النيابة فى ممارسة سلطة حظر النشر تقييدا لحرية تدفق المعلومات والحصول عليها باعتبارها أصلا من أصول النظام الديمقراطى فى البلاد، ووجها من أوجه التمييز بين المواطنين فيكون الحظر و«الحماية الإعلامية» من نصيب المتهم إذا كان من علية القوم مهما كانت تفاهة القضية، كأن تكون تورط ضابط وقاض فى تجارة آثار أو تورط ضابط فى رشوة جنسية، وتكون الإباحة و«الاستباحة الإعلامية» إن كان من عوام الناس أو المغضوب عليهم.
أما المعضلة الجديدة فهى أن قرار حظر النشر جاء رغم إحالة ملف القضية إلى البرلمان، وهو ما يفرض على السيد النائب العام الخروج علينا ليوضح هل مناقشات مجلس النواب لقضية «جنينة ــ لجنة تقصى الحقائق» ونشر هذه المناقشات يمثل انتهاكا لقرار حظر النشر؟ وهل الحصول على تصريح من نائب تحت القبة عن القضية ونشره يمثل انتهاكا للحظر؟
ومن حسن الحظ أن قرارات حظر النشر ليست أحكاما قضائية محصنة ضد التعليق والتعقيب لذلك فإن بحث هذه القضية يظل أمرا مباحا بل ومطلوبا. ويجب ألا يقبل الإعلام بهذه السلطة المطلقة التى تغل بها النيابة يد الإعلام عن ممارسة عمله بطريقة انتقائية وغير مبررة فى أحيان كثيرة.
أخيرا فإن هناك فراغا تشريعيا فى تنظيم سلطة النيابة فى الحظر لدرجة أنه لا يوجد سبيل قانونى للطعن على قرارها إذا ما ارتأت حظر النشر فى أى قضية ولا توجد ضوابط واضحة ومحددة تنظم ممارسة هذه السلطة حتى لا تتغول على حق الشعب فى المعرفة وعلى مبدأ المساواة بين جميع المتهمين.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة