لمن يعرفها بحق.. هى ليست يوماً ولا ثمانية عشر يوماً.. لأنها ليست «فورة» كانت.. ولكنها «صراع» كائن وممتد..!
لمن يعرفها بحق.. هى ليست يوماً ولا ثمانية عشر يوماً.. لأنها ليست «فورة» كانت.. ولكنها «صراع» كائن وممتد..!
٢٥ يناير كائنة.. فى سنين سبقتها غاب فيها معنى الوطن.. وفى أيام تكثف فيها غياب المعنى والمنطق والإنسانية فاستحال الغياب غضباً وثورة.. والأهم.. فى شهور وسنين بعدها لا يعرف مداها إلا الله ستظل صراعاً قائماً- تدافعاً أو صداماً- حتى يسترد المصريون وديعتهم المستحقة من الزمان فيحيوا أناسى أحراراً مكرمين.. فى وطن يَعِدُ العدل ولا يحيا إلا به..!
حقيقة ذلك الصراع الممتد والباقى معنا حتى حين.. أنه صراع قيمى مبدئى.. وليس صراعاً سياسياً أو اجتماعياً أو طبقياً.. وصرفه إلى غير كونه كذلك.. إهدار لطاقة المجتمع وإجهاض لأى إصلاح مأمول..!
هو بين «ماضٍ» لا يعرف إلا «شرعية القوة» وطموحاً جامحاً للهيمنة والسلطة والاحتكار.. و«مستقبلٍ» يملك «قوة الشرعية» وحُلماً- لن يلين- فى وطن عدلٍ ودولة راشدة وحكمٍ مُوَسَدٍ لأهله.. وحياة كفاية ورفاه..!
هو ليس أبداً صراعاً على تغيير طبيعة نظام سياسى لإحلال نظام سقط بآخر قد جاء.. أو تناطح أيديولوجيات قد جاء موعد أن ترث إحداها الأخرى..!
حتى وإن فهمه أهل الماضى من «طامحى» كل سلطة هكذا.. بل أرادوه تناحراً للعلو والغلبة..!
حتى وإن أرادوه صداماً صفرياً.. النصر فيه هو الاستئثار بالسلطة بدعاوى الاصطفاء أو الخيرية أو الأحقية التاريخية.. على أرضية النقاء الوطنى أو الدينى..!
هو فى حقيقته أقرب إلى ما أراده عدول المصريين و«أهل حكمها».. تدافعاً لا صداماً.. مضماراً للترقى والإصلاح.. فى وطن يسع كل اختلاف أبنائه.. لا مكان فيه لدعاوى النقاء الوطنى أو الدينى أو احتكار الوطنية أو الدين.. وطناً يقبل الاختلاف من أجله لا الاختلاف عليه..!
ولكن يظل التحدى الرئيسى فى هذا الصراع.. هو أن تجيب «مصر» عن سؤال مستقبلها الحائر بين «وهم السلطة» و«أهلية الحكم»..!
آن لمصر أن تضع الأمور فى نصابها وتعدل ميزاناً مائلاً.. طال ميله حتى كادت مصر أن تخرج من التاريخ..!
آن لمصر أن تضع صيغة واضحة لمستقبلها مؤداها أن ملكية القرار لا تغنى عن إبصاره.. صيغة عملية فى كل مؤسساتنا تتحلى بالصدق والموضوعية واستشعار عمق الخطر الذى نحن فيه.. صيغة تقول إنه..
لن يملأ «فراغ الرؤية» الذى يعترى مصر منذ خمسين سنة- على الأقل- آمال جوفاء تحملها عناوين رنانة مقروءة أو مسموعة..
ولن يملأ «فراغ الأهلية» ادعاء لمعرفة أو انتحال لصفات السبق والكمال أو العنصرية الجيلية أو المؤسسية..!
ولن يملأ «فراغ الحكم» الذى شاخت الدولة المصرية فى ظله لأكثر من أربعين سنة.. وتهتكت مؤسساتها تعليماً وصحة وأمناً وإعلاماً وفناً.. القبض على مفاتيح «سلطة».. وحين يأتى استحقاق «الحكم».. «يحلها ربنا بمعرفته» كما يقول المأثور الشعبى..!
سؤال مصر الحائر ظل حائراً..لأن «أهل الحكم»- من الأكفاء القادرين- مبددون.. مشتتون نفسياً قبل أن يكونوا مشتتين فعلياً..!
يقابلنى منهم كثير.. تتجسد «معضلة الحكم» فى مصر فيهم.. يغلبهم النبل السياسى فلا يزاحمون بالمناكب فى مضمار اللعبة القديمة وقواعدها الرثة..!
تنقصهم الثقة فى النفس وعنفوان المبادرة والمبادأة.. فيغيب عنهم أنهم المنوط بهم إعادة القيمة والمعنى والاحترام لقواعد مؤسسات جديدة تحمل من القديم أسماءه وبعضاً من نجاحاته وكل إرث تحدياته، ولكنها مؤسسات بفلسفة جديدة ورؤية جديدة.. مؤسسات مصرية حقيقية.. لا فراغ هيكلى يستخدم للتدليس على المجتمع أو لتأجيل وإجهاض محتوم غضبه.. مؤسسات مصرية فى التعليم والإعلام والصحة والأمن والعدل والسياسة والاقتصاد تنتمى لعصرها..!
أعرف أنهم فى مرمى نيران الاغتيال المعنوى والحصار المادى من أهل الماضى.. وهذا يجعلهم شغوفين بـ«هم» الوطن أكثر منهم شغولين به.. يؤثرون السلامة أو ما يتصورونه سلامة..!
يستنيم بعضهم لحجة أنه ليس عليه نصيب من «حكم» لأنه ليس له موقع فى «سلطة».. وعلى الرغم من أنه يرى أن موقع السلطة لا يغنى بالضرورة عن قدرة القيام على استحقاقاته..!
لا يعرفون أن بهم وعليهم قامت مؤسسة جديدة هى مؤسسة الحكم المدنى أو الأهلى.. نشأت فى شوارع وميادين مصر فى يناير ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٣ وقبل ذلك وبعد ذلك فى مجتمع مدنى واع.. نشأت لتُنجح غضبة ثورتهم الممتدة من ٢٠١١ إلى ٢٠١٣ فى إزاحتها ما لا تريد.. ولكن لم تفعل فى مضمار الحكم بعد..!
لا يعرفون أن بانسحابهم من دورهم الواجب يكرسون فراغ حكم لا تؤمن عواقبه..!
وأخيراً.. للذين مازالوا يظنون أن ٢٥ يناير كانت يوماً أو بضعة أيام غضب من التاريخ وكفى.. مآلها أن تُغتال أمناً وإعلاماً.. أقول لهم إن ٢٥ يناير كانت «ثورة».. والثورات كالزلازل.. لا نتنبأ لها بساعة حدوث ولا بمقدار قوة ولا بلحظة رحيل..!
٢٥ يناير.. لم يرحل زلزالها بعد.. وستبقى حقيقة قائمة وحادثة.. ما بقيت أسبابها قائمة وحادثة.. وما بقيت ثنائية «الحكم» و«السلطة» على ميلها وحيرتها!
فَكِّروُا تَصِحُّوا..
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة