أزمة نقص الدولار ترفع سعر الدواء في مصر بمعدلات غير مسبوقة
ارتفاع أسعار الدواء في السوق المصرية نتيجة لأزمة نقص الدولار، وتسعير الشركات للدواء على حسب العرض والطلب
يواظب "أحمد علاء" 47 عاماً على الذهاب أسبوعياً لصيدلية مجاورة لمنزله على مدار العشر سنوات الماضية منذ علمه بمرض "النقرص"، لشراء الدواء المُعالج للمرض الذي وصفه له الطبيب "كولشيسين"، والذي يواظب على استخدامه يومياً امتثالاً لتعليمات طبيبه المعالج الذي شدد عليه المواظبة على استخدامه منعاً لحدوث مضاعفات المرض.
كعادته، ذهب "علاء" الذي يعمل موظفاً حكومياً بوزارة التعليم، مشواره الأسبوعي المعتاد للصيدلية المجاورة لشراء الدواء الذي اعتاد استخدامه يومياً لمنع ومُعالجَة نوبات النقرس، لكنه وجد سعر الدواء الذي اعتاد شراءه بعشرة جنيهات، قفز سعره إلى 50 جنيهاً خلال أسبوع فقط، يقول علاء: "البائع في الصيدلية أبلغني بأن ارتفاع سعره بهذه الطريقة غير المعقولة سببها ندرته، وارتفاع تكلفة إنتاج الدواء عموماً بعد أزمة ندرة الدولار، وأن الزيادة الكبيرة لها علاقة بقرار الشركات بتسعير الدواء حسب مسألة العرض والطلب".
يوضح التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تحت عنوان "أهم مؤشرات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك" أن الدواء يعد الجزء الأكبر من الإنفاق الصحي للأسر في مصر، إذ يبلغ إنفاق الأسر المصرية على المنتجات الدوائية والأجهزة الصحية 54,3 % من الإنفاق الإجمالي على الصحة.
يبرر "علي عوف" رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، في تصريحات لبوابة "العين" الإخبارية ارتفاع أسعار الأدوية لما أسماه "أزمة نقص الدولار" التي جعلت العديد من الشركات عاجزة عن استيراد المواد الخامة المستخدمة في صناعة الأدوية خصوصاً في ضوء القرار الوزاري بشأن تسعير الدواء الصادر في 2012، ما أدى إلى نشاط السوق السوداء بتخزين كميات ضخمة من الأدوية الاستراتيجية رخيصة السعر، بغرض تعطيش السوق وإعادة طرحها بأسعار باهظة.
يضيف "عوف" أن وزارة الصحة تعلم أن هناك نقصا كبيرا في الأدوية بجانب ارتفاع المعروض منها، مؤكداً ضرورة تحركات سريعة لدعم الشركات الوطنية المُنتجة للأدوية في مصر بقرار عادل لتسعير الدواء خصوصاً بعد ارتفاع تكلفة المواد الخام، وتحكم الشركات الأجنبية التي لا تخضع للقرارات التسعير في سعر الدواء بمصر.
وكان وزير الصحة السابق، فؤاد النوواي، قد أصدر قراراً برقم 499 لسنة 2012، والذي وضع من خلاله نظاماً جديداً لتسعير الدواء استناداً لمرجعية سعر البيع للجمهور في العالم، بما ينهي أسلوب التسعير المتبع في مصر منذ فترة طويلة، وهو القرار الذي تتجه الدولة لتعديله تجنباً لما أرجعته "خسارة الشركات بعد ارتفاع سعر الدواء".
يقول "علاء غنام" مدير برنامج الحق في الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في تصريحات خاصة لبوابة "العين" إن الارتفاع الكبير لأسعار الأدوية مرتبط بشكل أساسي بأزمة نقص الدولار، لاستيراد الشركات المصرية كافة المواد الخام وتركيبها داخل مصر، خلاف دولة كالهند التي تتولى تصنيع المواد الخام بنفسها، مؤكداً أن تعديل سياسة تسعير الأدوية لا ينبغي أن تغفل العوامل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وأن تكون عملية التسعير متوافقة مع مستويات الدخل الحقيقية وليس مع متوسط الداخل المعلن والذي غالباً ما يبتعد تماماً عن واقع المجتمع المصري الذي يقع 25.3% منه تحت خط الفقر، بالإضافة إلى وقوع قطاع كبير من العمالة في القطاع غير الرسمي.
يُذكر أن الإنفاق الإجمالي على الدواء يمثل حوالي 37% من جملة الإنفاق الكلي على الصحة ما يعادل 8.5 مليار جنيه من إجمالي 23 مليار جنيه حسب الحسب الختامي للموازنة العامة للدولة لعام 2014 / 2015.
من جانبه، قال الدكتور طارق سلمان، مساعد وزير الصحة للشئون الصيدلية، في تصريحات لبوابة "العين" إن الوزارة اعتمدت عدة خطوات لمواجهة أزمة نقص الدواء تضمنت تشكيل لجنة لتعديل قانون تسعير الدواء لمحاولة تحريك أسعار منتجات وأدوية 8 شركات مملوكة لقطاع الأعمال، مؤكداً أن هذا القرار جاء لتوفير الأدوية باستمرار، وإنهاء مخاوف الشركات من طرح منتجاتها تجنباً للخسارة بعد ارتفاع تكلفة المواد الأولية للدواء، وكذلك لزيادة إنتاجيتها.
وبشأن توفر الدولار اللازم للاستيراد المواد الأولية للدواء، أوضح "سليمان" أن «الوزارة» خاطبت وزارة المالية والبنك المركزي، لتوفير الاعتمادات المالية الخاصة للقضاء على ارتفاع هذه الأدوية إثر ارتفاع سعر الدولار، والحد من نشاط السوق السوداء في تجارة الدواء، والتي نشطت نتيجة تراجع الشركات الكبري عن عملية الإنتاج بسبب الأسعار المنخفضة.
"هل تعديل الدولة لقرار تسعير الدواء رقم 499 لسنة 2012 في صالح المواطن؟" يجيب عن ذلك "غنام" خبير السياسة الصحية: هذا القرار ينبغي أن يأتي ضمن استراتيجية شاملة وسياسة دوائية وطنية شاملة ومدفوعة من منطلق تنموي، ومتوازنة تتسم بالشفافية والاتساق مع التزامات الدولة بالقوانين، من خلال تأسيس مجلس أعلى للدواء مستقل عن وزارة الصحة يتسم بالحياد، ويضم كافة الأطراف العاملة في قطاع الصيدلة والدواء ويضم ممثلين عن المجتمع المدني والمواطنين يشرف على وضع السياسات والاستراتيجيات الدوائية".
أخيراً، يؤكد "غنام" خبير السياسات الصحية، أن الدولة يتحتم عليها النظر للخدمات الصحية والدواء نظرة خاصة باعتبارها من السلع العامة التي لا يجب أن تخضع فقط لقواعد العرض والطلب للسوق"، مضيفاً أن خصوصية الحق في الصحة والحق في الدواء يجب أن تحدد التزامات الدولة من أجل الوفاء بهذه الحقوق الشاملة مما يقتضي عدم تركها لقوانين السوق المطلقة أو آليات العرض والطلب.