تبدأ المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام غداً أو في يوم آخر قريب ولا يعرف أحد نهايتها، على رغم تحديد استيفان دي ميستورا
تبدأ المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام غداً أو في يوم آخر قريب ولا يعرف أحد نهايتها، على رغم تحديد استيفان دي ميستورا، ومن ورائه مجلس الأمن، 18 شهراً لصوغ دستور جديد تليه انتخابات حرة بإشراف الأمم المتحدة، تنتهي بإقامة حكم غير طائفي يشمل جميع مكوّنات الشعب السوري.
المفاوضات تفتقد لحماسة المشاركين فيها، كأنهم يُساقون إلى المجهول، بل إلى تيه في الزمان يعقب تيه قادة المعارضة في المكان، مثلما يعاني النظام زلزلة مكانه.
هي مفاوضات بلا أمل، يتوقع الجميع فشلها لكنها ستستمر، لحاجة السوريين والإقليم والعالم الى علامة تنتظر النهايات الغامضة لحروب تقتلع السوريين وتحيل ما بنوه ركاماً. وهي مفاوضات تضيء في ليل سورية مثل إعلان مكهرب، يقول إن الطاولة في انتظار السوريين حين يرغبون في الجلوس إليها، ولكن لا أحد يحس بالرغبة لأن التوجُّس يعم الجميع.
كأن النظام لم يبق نظاماً حين ارتُهِن الى داعميه الروس والإيرانيين، وكأن المعارضة عاجزة عن إقناع العالم بقضيتها العادلة حين يرى أركانها قادمين إلى جنيف من عواصم إقليمية ودولية وليس من بلدهم سورية. وإنها لمفارقة حين لا يأمن المعارضون على أنفسهم في مناطق لا تطاولها أيدي النظام، والمفروض أن تكون هذه المناطق مبدئياً نموذجاً للمعارضة، تنافس من خلاله النظام ليس فقط عسكرياً وإنما مدنياً ايضاً، بحشد نخب من أطياف فكرية وطبقية ودينية تمثل سورية الديموقراطية التعدُّدية الحافظة حريات شعبها افراداً وجماعات. هنا تأكل الجماعات المتطرفة حصة المعارضة البشرية والجغرافية كلها، فيما تشارك النظام حصته بالقصف والسيارات المفخخة.
مفاوضات مديدة ستذكّرنا بمثيلاتها حول فيتنام وحول النووي الإيراني، وقد قال السوريون، غالبيتهم على الأقل، رأيهم قبل انعقادها، لأن النزوح بالملايين لم يحصل لأسباب أمنية إنسانية بقدر ما كان استفتاء دانَ المتسلّطين على أرض سورية وشعبها، من دون أن يحدّد البديل، وهو لم يجده فآثر الاقتلاع على البقاء في كنف النظام والمعارضة المسلحة. ومبعث استحضار فيتنام والنووي الإيراني، ان المفاوضات ستقرر مصير وطن حساس جغرافياً اسمه سورية، لذلك فهي تتم شكلاً بين سوريين في حين انها بين قوى إقليمية ودولية، وهي ستطول في انتظار تقاطع المصالح على سورية، وحينها تعلن نتيجة المفاوضات حول سورية، ومعها محيطها الجغرافي بالتأكيد.
من يذكر أقوال باراك أوباما في مطلع الثورة السورية بأن على بشار الأسد أن يرحل، وزيارات سفيره روبرت فورد الى مناطق المعارضين، خصوصاً إلى حماة؟ أوباما اليوم غيره بالأمس وسفيره بلغ سن التقاعد، والسياسة الأميركية كما يعبّر عنها وزير الخارجية جون كيري اعتمدت برنامج موسكو في صدد الأزمة السورية وربما تتعدّاه الى اعتماد برنامج طهران.
القوى الكبرى تتغيّر مواقفها، وهذا طبيعي، فيما النظام السوري ومعارضوه على حالهم، يكرّرون معاندات انطلاق الثورة وبدايات قمعها، لذلك تتواصل محادثات كبار الإقليم والعالم حول مصير سورية، محاطة بالكتمان، في موازاة مفاوضات سورية - سورية هي مزيج من مأساة وملهاة.
فجأة يتذكر مثقف سوري اسرائيل: إذا لم تختر تل أبيب إسقاط الأسد فلن يسقط. ويوضح أن كلامه ليس اتهاماً بقدر ما هو بيان طبيعة المصالح. يتراجع الأميركيون والروس إلى مسافة تفصلهم عن الثورة السورية، ليبقى الوقت المديد المستقطع كافياً لدمار سورية. وينهي المثقف كلامه بأن هذا الوضع مخزٍ ومفضوح.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة