يعتقد البعض أيضا واهما، أنه لولا قتل اثنين من عناصر الشرطة فى مدينة الإسكندرية لخالد سعيد، ما قامت الثورة فى ٢٥ يناير ٢٠١١
فادية حمدى، شرطية البلدية أو المرافق فى مدينة سيدى بوزيد التونسية، تتعرض للوم شديد من كثيرين، بل أحيانا تلوم نفسها، لأنها صفعت محمد بوعزيزى بائع الخضراوات التونسى، وبعدها انتحر بحرق نفسه، الأمر الذى فجر احتجاجات كثيرة، أسقطت زين العابدين بن على. ثم امتدت إلى مصر، فأطاحت بحسنى مبارك يوم ١١ فبراير ٢٠١١، ومنها إلى ليبيا، فأسقطت القذافى، ثم إلى اليمن، فأطاحت بالرئيس اليمنى على عبدالله صالح. لكن هذه الرياح أحرقت سوريا ولاتزال.
يقول البعض إن بوعزيزى لم يكن مظلوما أو شهيدا، بل ربما حاول التحرش بموظفة البلدية، ذات الخمسين عاما، فقامت بصفعه، الأمر الذى دفعه للانتحار. ويقول البعض إنها كانت تؤدى عملها، والدليل أن القضاء برأ ساحتها لاحقا.
بغض النظر عن السبب الذى دفعه للانتحار، فعلى السيدة فادية حمدى ألا تلوم نفسها أو يلومها آخرون، لأن الثورة فى تونس وسائر البلدان العربية، كانت ستتم لهذا السبب أو ذاك.
بسطاء وسذج كثيرون يعتقدون أنه لولا إحراق بوعزيزى لنفسه، لظلت الأمور على طبيعتها فى كل العالم العربى، وما كنا قد شهدنا كل هذه الدماء والخراب والدمار الذى قلب المنطقة رأسا على عقب.
يعتقد البعض أيضا واهما، أنه لولا قتل اثنين من عناصر الشرطة فى مدينة الإسكندرية لخالد سعيد، ما قامت الثورة فى ٢٥ يناير ٢٠١١، وما ينطبق على بوعزيزى ينطبق تماما على خالد سعيد وكل شرارات الربيع العربى.
ما ينبغى على الجميع أن يعلمه ببساطة، أن الثورة كانت ستقع سواء قتل خالد سعيد أم لا، وسواء تم حرق كنيسة القديسين فى الإسكندرية فى ليلة رأس السنة عام ٢٠١١ أم لا.
الثورات لا تحدث لانتحار بائع خضار، أو مقتل شاب بحشر البانجو فى فمه حشرا. وبالطبع لا تنشر من شمال أفريقيا، إلى المشرق العربى فى سوريا، أو جنوبه فى اليمن، أو قلبه فى مصر، لمثل هذه الأسباب البسيطة.
فى مصر والمنطقة العربية، وطوال أكثر من أربعين عاما، مات الكثيرون فى السجون والمعتقلات، وتعرض الآلاف للتعذيب ولم تقم الثورة، عانى معظم المصريين من الفقر والتهميش وتردى الخدمات وغياب الحريات ولم تقم الثورة.
ما يجعل الثورات تقوم ليس وجود فقر أو غياب للحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية فقط، بل توفر الظرف الموضوعى، وبالطبع وجود قوى سياسية واجتماعية منظمة.
لو أن الثورات تقوم بسبب مقتل ناشط أو انتحار بائع، لنشبت الثورات كل يوم تقريبا.
ما الهدف من كل هذا الكلام السابق؟!
ببساطة شديدة، هناك من يعتقد واهما، بأن عدم قيام المصريين بالثورة فى ٢٥ يناير، كان سيجنبهم كل ما حدث لاحقا من تعثرات وعراقيل ومعوقات ومشاكل فى معظم مجالات الحياة.
على هؤلاء أن يدركوا أن كل الأخطاء التى ارتكبها نظام مبارك طوال ثلاثين سنة، قد تراكمت فى لحظة معينة، وقادت إلى الانفجار الكبير فى ٢٥ يناير. الذين يدافعون عن مبارك، لا يريدون أن يروا الشمس، أو يدركوا أن هذا النظام تبخر وتلاشى تماما فى اللحظة التى احترق فيها مقر الحزب الوطنى فى ميدان عبدالمنعم رياض، وانهار فيها النظام القمعى الذى كان يديره حبيب العادلى. عندما يخرج ملايين المصريين للهتاف فى كل الميادين «الشعب يريد إسقاط النظام» ومعظمهم من الشباب، فالمعنى الوحيد أن هذا النظام قد وصل إلى قمة شيخوخته وتفسخه، ولا يستحق أن يعيش ليوم واحد.
هل تآمر البعض من الداخل أو الخارج لإسقاط النظام؟ ربما، لكن جوهر الأمر، أن النظام فسد وترهل وفقد ثقة معظم شعبه، وبالتالى اعتصم الملايين فى الميادين.
المؤامرة وحدها لا تستطيع إسقاط رئيس أو نظام، هى تنجح فقط، عندما تكون هناك ظروف موضوعية تساعدها، وثورة ٢٥ يناير قامت لأن الشباب كانوا يريدون بلدا نظيفا ومتقدما وحرا ومتنورا وبه عدالة ومساواة للجميع.
هل حاول الإخوان توظيف ذلك لصالحهم؟! نعم، حدث ذلك، والشعب عاقبهم فى ٣٠ يونيو بقسوة. هل حاول الأمريكيون وغيرهم دمج الإخوان فى المشهد مرة أخرى؟ نعم حدث، لكن غالبية الشعب المصرى رفضت ذلك.
والذى يبقى فى النهاية هو المطالب الطبيعية التى رفعها المصريون منذ ٢٥ يناير وحتى ١١ فبراير ٢٠١٣، أى «العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية».. هذا هو الجوهر، والباقى تفاصيل.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة