لكن السؤال الأكثر أهمية هو: هل توقف هذا الباب الخلفى لإهدار المال العام أم أنه لا يزال مستمرا؟!.
نشكر المستشار محمد عبدالرحمن، قاضى التحقيق فى «قضية فساد وزارة الداخلية»؛ لأنه أعاد لخزينة الدولة ١٧٨ مليون جنيه من ٨٠ مسئولا بينهم ١٩ لواء شرطة.
لكن السؤال الأكثر أهمية هو: هل توقف هذا الباب الخلفى لإهدار المال العام أم أنه لا يزال مستمرا؟!.
للأسف الشديد فإن وقائع هذه القضية أو بعضها على الأقل تكشف عن أن الفساد يمكن أن يكون مقننا وتحت حماية الدولة وسائر الأجهزة المختصة، ويستطيع المسئول الحصول على الملايين من دون ان نتمكن من حتى مساءلته.
بعض المتهمين قال لقاضى التحقيق، كما نشرت الزميلة «المصرى اليوم» أمس، إنه لم يكن قادرا على رفض تسلُّم الحوافز والمكافآت لأنها صادرة من السلطة المختصة، أى من رؤسائه، ومن الوزير الأسبق اللواء حبيب العادلى، وكانت تصرف باعتبارها حافزا شهريا نظيرا ما يسمى «الجهود غير العادية التى كان يبذلها»، ولكنهم لم يكونوا يعلمون أنها تندرج تحت باب «احتياطى مواجهة الأهداف الأمنية».
مرة أخرى، أن يكون هناك تحقيق فهذا شىء جيد، وأن يتم رد الأموال فهذا أكثر من جيد، لكن علينا أن نسأل مرة أخرى: إذا كان هذا ليس فسادا فما هو الفساد؟!.
كيف يمكن أن يحصل لواء شرطة أو أى مسئول فى أى جهة على ٣٧ مليون جنيه، وكيف يحصل «مندوب أو أمين شرطة» سواء كان فى أمن الدولة أو حتى «أمن العالم» على أربعة ملايين جنيه؟!!!.
ماذا فعل هذا اللواء، وهذا الأمين أو المندوب حتى يحصل على هذا المبلغ من اللحم الحى للمصريين؟.
المأساة الأكبر أننا كشعب وبرلمان وجهات رقابية لا نعرف كيف يدار هذا «العالم السرى للصناديق الخاصة».. ومن أين تأتى الأموال وكيف يتم صرفها وإنفاقها وعلى أى أساس يتم ذلك؟!.
تحدث الجميع تقريبا عن كارثة الصناديق الخاصة وضرورة إخضاعها للقانون وللعلنية والشفافية، حتى لا نتفاجأ بأن قلة من المسئولين تحصل على الملايين وربما المليارات فى حين يتضور معظم الشعب جوعا.
للموضوعية فالصناديق الخاصة ليست موجودة فقط فى وزارة الداخلية، هى موجودة فى وزارات وهيئات ومؤسسات كثيرة ومتعددة، واختلفت تقديرات الأموال فيها ما بين ٣٦ مليار جنيه إلى أرقام فلكية لم يتم تأكيدها. هى أموال تأتى فى الغالب من الرسوم والتمغات والغرامات التى تفرضها هذه الهيئة أو تلك الوزارة على المواطنين وبدلا من توريدها للخزانة العامة، تذهب إلى جيوب الكبار أو حتى «الصغار المحظوظين»!.
على الحكومة والرئاسة وجميع أجهزة الدولة الرقابية أن تدرك أنه ما لم يكن هناك توجه واضح وحسم وردع فى معاقبة ومحاسبة المسئولين عن هذا الفساد، فإن الشعب لن يصدقهم حتى لو بذلوا كل الجهود فى كل المجالات.
موضوع «فساد الكبار» جوهرى ورئيسى وحاكم وشارح وكاشف لرغبة الحكومة فى مكافحته، وما لم يصل للناس إحساس وشعور حقيقى بالجدية فى مواجهته، فسوف يفقدون الثقة فى كل شىء، وسوف يصل إليهم يقين أن حجم الفساد قد يصل إلى ٦٠٠ تريليون دولار وليس فقط ٦٠٠ مليار جنيه!!.
نريد من الحكومة أن تكون القدوة وتكشف لنا الحقيقة الكاملة فى شأن الصناديق الخاصة، وحجمها، وكيفية إنفاق أموالها، والأهم: هل لا يزال هذا النزيف مستمرا.. أم توقف؟ ونريد من مجلس النواب أن يناقش هذه الظاهرة و«يغلق حنفية الفساد هذه بالضبة والمفتاح».
إذا فعل ذلك فإنه سيثبت عمليا أنه مجلس الشعب فعلا.. والسؤال: مَنْ يتقدم من النواب والأحزاب لفتح عش الدبابير؟.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة