بوابات الأزمان الأصيلة تفتح الأربعاء بـ"مهرجان قصر الحصن"
في قصر الحصن الذي ينطلق مهرجانه الأربعاء، لا يعرف زمن داخل الجدران الزمن خارجها.. في المهرجان ننتقل من مدينة متسارعة، إلى مدينة أصيلة.
في قصر الحصن الذي ينطلق مهرجانه الأربعاء ويستمر حتى 13 فبراير 2016، لا يعرف زمن داخل الجدران الزمن خارجها. زمانان لا يلتقيان.. تماما كما تصور لنا السينما الهوليودية الانتقال بين بوابات الأزمان والعوالم المختلفة، هكذا هي بوابة قصر الحصن تنقلنا من مدينة متسارعة معاصرة، إلى مدينة أصيلة لا تكترث بما يجري خارجها.
في مهرجان الحصن كل شيء أصيل وحقيقي، رائحة القهوة حقيقية، والجمال تتهادى بحركاتها الهادئة وكأنها ما غادرت صحراءها، وبيت الشعر والخوص والسدو والمحمل والجلسات والصقور، والماضي.. كلها حقيقية.
في ساحة قصر الحصن الداخلية لا تعد عبارات مثل "الأصالة الإماراتية" و"روح الصحراء" و"التراث الأصيل" مجرد روتين لفظي، بل تتجسد روحاً حقيقية مندغمة برائحة الطبيعة، فالرمل القادم من عمق صحراء أبوظبي جلب رائحته معه، والنخل اصطحب ألوان مزرعته، وبيت الشعر أحضر سدوه وضيافته من قهوة ومنحاس ورشاد ودلال وفناييل، ونادانا: "تفضلوا تقهووا". لكأن جميع العناصر اتفقت على اللقاء في ساحة قصر الحصن، ومنح الزوار فرصة نادرة للتعرف على إمارات تأتي من سنين ماضية.
انتشرت اللوحات الإعلانية الضخمة في المدينة معلنةً عن اقتراب موعد الدورة الثالثة من مهرجان قصر الحصن، عرفت المدينة أن حدثها المفضل في مكانها المفضل بات على الأبواب، فانتظرته بحماستها المعهودة للسنوات الفائتة، وأعلنت عن مشاركتها ببهجة صاخبة.
تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تنطلق الدورة الثالثة من مهرجان قصر الحصن بتنظيم من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة. يحتفي المهرجان في دورته هذا العام بمحورين أساسيين هما تراث وتاريخ أبوظبي.
ومن بين جدران قصر الحصن والكشف عن جزء من أعمال الترميم الجارية لجوهرة تاريخ المدينة، إلى جدران المجمع الثقافي واستضافته للمرة الأولى منذ سنوات لأنشطة وفعاليات، ليعود إلى ممارسة دوره الثقافي الذي اشتهر به وجعل منه أيقونة أبوظبي الثقافية. ما بين قصر الحصن وجدران ماضٍ عتيق من المرجان، والمجمع الثقافي وحضوره الثقافي الطاغي، تهجع مدينة متكاملة تزور من الماضي، تتنوع أنماط بيوتها ما بين "عريش" و"براستي" و"بيت شعر". مدينة تتعدد مناطقها وتحكي حكايات تراث الإمارات: منطقة الصحراء وكثبانها الرملية، منطقة البحر والواحة ومنطقة قصر الحصن ومدينة أبوظبي وغيرها.
يتميز مهرجان قصر الحصن عن سواه من المهرجانات التراثية الأخرى بتفاعله المكثف مع جمهوره، وتنوع برامجه التراثية والثقافية، فكل منطقة من مناطق المهرجان لها برامجها الخاصة، ففي الواحة يتعرف الزائر إلى حياة الواحات بقيامه بأنشطة زراعية كنادي المزارع الصغير، ونسج الخوص من سعف النخيل، و"الخلابة" كيفية تسلق شجرة النخيل، وغيرها.
وفي منطقة الصحراء، يبحث الزائر عن مصادر المياه، وحفر وبناء الآبار، ويتعامل مع الصقور ليتعرف على أهميتها في التقاليد الإماراتية، ويغزل نسيج السدو المستخدم في صناعة بيت الشعر، ويشاهد قافلة الجمال تقوم بأعمال التجارة التقليدية.
وبالانتقال إلى منطقة البحر يستكشف الزائر بيئة بحرية إماراتية متكاملة، من بناة القوارب وصيادي اللؤلؤ والسمك والبحارة إلى الحرفيين المهرة، ليتفرج على صناعة القراقير وشباك الصيد والأشرعة والمحامل والمجاديف، بل ويتعلم كيف يصنعها بنفسه. ويسمع أناشيد البحارة المتنوعة، ويتعرف غرض إنشاد كل منها، وميقاته.
منطقة أبوظبي لها عبقها الخاص، وبما أنها محور من محاور احتفاء المهرجان هذا العام، فلها حصة كبيرة. في إحدى زواياها يمشي أفراد شرطة قصر الحصن ممن تولوا مسؤولية حماية الحصن وحكامه من الشيوخ مشيتهم العسكرية. وفي زاوية أخرى تصدح أصوات طلاب المدرسة داخل الفصول بأناشيد ودروس التقليدية، وهناك يقبع الدكان وبجواره المقهى، زاوية مخصصة للحدادة وأخرى للفخار والبرقع والتلي وصباغة القماش ودروس الطبخ الإماراتي ورسم الحنة وتسريحة العجفة، والقائمة تطول.
وحول التجربة لفتت أروى النعيمي، مديرة مشاريع في "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" إلى أن "التجربة ستأخذ الزوار إلى مركز قصر الحصن، حيث يمكنهم القيام بجولة في المعرض الذي تم تحديثه مؤخراً ويقدم صورة عن الحياة اليومية لمجتمع أبوظبي في الماضي، ويستمعون إلى شرح عن أهمية "قصر الحصن" عبر القرون حتى اليوم، ومدى تأثير السياق التاريخي عليه لصياغة المخطط الرئيس لتطوير المنطقة المحيطة به في المستقبل".
وتقدم منطقة قصر الحصن احتفالية كاملة بالمعمار والآثار، فورشات العمل والعروض وكل الأنشطة تدور حول التنقيب عن الآثار وأساليب بناء المنازل والحصون في الماضي.. ولتوطيد علاقة الأطفال بتراثهم منحهم المهرجان فرصة المشاركة بالتنقيب بحثاً عن لقى أثرية قديمة، يمكنهم التصديق عليها من مهرجان قصر الحصن والاحتفاظ بها ذكرى. كما يمكنهم أيضاً بناء نماذج مصغّرة عن مبانٍ تقليدية. وهو ما تطرق له مارك كيفين، مدير قسم الهندسة المعمارية في "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" الذي لفت إلى "تنفيذ أعمال ترميم مهمة على أيدي فريق من الخبراء متعددي التخصصات.
وسيلمس الزوار هذا العام تغيرات كبيرة في "قصر الحصن"، عقب إزالة المزيد من الطبقات التي أضيفت إلى جدران القصر الخارجي في ثمانينيات القرن العشرين. وسيتمكن الزوار من رؤية المواد التي تم استخدامها لبنائه في الماضي، بالتزامن مع استعادة الحالة الأصلية لواجهته الخارجية. ونسعى إلى تحقيق التوازن بين اعتماد المواد التقليدية والتقنيات الحديثة لإعادة القصر إلى صورته في الفترة من 1939-1945".
مع نهاية عام 2015، أدرجت القهوة العربية على قائمة اليونيسكو التمثيلية للتراث الثقافي الإنساني غير المادي، وبهذه المناسبة يخصص المهرجان مساحة واسعة للتعريف بتقاليد وتراث القهوة العربية، فـ "فنيال" القهوة العربي لا يعني للإماراتيين مشروبا قويا منعشا فحسب، بل هو روح ضيافة ومشاركة وتراث متأصل بين الإماراتيين.
يتعرف زائر منطقة قهوة على تفاصيل اختيار حبات القهوة وتحميصها وتخميرها وضيافتها، وصولاً إلى تسجيلها على قائمة اليونيسكو. وفي بوتيك قهوة توجد مختلف الأدوات والعناصر الترويجية للقهوة، من "فنيال" القهوة، إلى مريول الطبخ، وفنجان الشاي وغيرها. يختتم زائر منطقة القهوة جولته فيها بالجلوس على "الشرفة" واحتساء نكهته المفضلة من القهوة، وتناول وجبة شهية من مطبخ إماراتي تراثي ومعاصر.
ومن جديد المهرجان الكشف عن أعمال الترميم في كل من قصر الحصن والمجمع الثقافي، ومشاركة النتائج التي توصل إليها فريق العمل في ترميم الحصن. ففي زيارته إلى الحصن يتعرف الجمهور على نشأته وتطوره وتعاقب حكامه وأهميته في التأسيس لمدينة أبوظبي، وذلك من خلال جولات في أجزاء معينة من المبنى، بصحبة مرشدين مختصين في جعبتهم شروحاتٍ كاملة عن المراحل التاريخية وعمليات الترميم الحالية.
وعند زيارة معرض ملامح فوتوغرافية، يعيش الزوار تجربة الأجداد بدءاً من واحات ليوا وترحالهم ما بين برٍّ وبحر، ما بين الواحات وسواحل أبوظبي، مروراً بتأسيس الحصن وبدء الاستيطان حوله والبيوت التي تناثرت جواره، وصولاً إلى الزمن القريب حيث استضاف جلسات للمجلس الاستشاري الوطني والمجلس الوطني الاتحادي، والمركز الوطني للوثائق والبحوث، وختاماً بزمن معاصر أضحى فيه أيقونة لمدينة مزدهرة احتلت مكانتها البارزة في العالم الحديث.
المجمع الثقافي في أبوظبي هو بحق ذاكرة أبوظبي المعاصرة، عند إغلاقه لعمليات الترميم والتجديد حزن بعض، وابتهج بعض، وانتظر بعضٌ آخر، فليس من شخص زار أبوظبي في العقود الماضية، إلاً وكانت له وقفة مع المجمع الثقافي.
وفي جهد خاص من منظمي المهرجان، يتم تقديم فعاليات وأنشطة متعددة في المجمع، منها معارض صور تؤرخ للمجمع ولأبوظبي، ووقفات مع ذكريات وشهادات أشخاص عرفوا المجمع عن قرب، ومسرح مفتوح يقدم تجارب ثقافية وعروض أداء، كذلك ستقدم محاضرات عن عمارة المجمع وعن صيانة المجمع.
للفنون المسرحية حصتها في مهرجان الحصن، ففي إحدى زوايا المهرجان يقع مسرح المهرجان الذي يقدم عروضاً تراثية مختلفة لاستقطاب فئات عمرية مختلفة، ومن عروضه لهذا العام عروض خاصة بالطيور والسفاري الليلي وباب الخير المستمر من العام الفائت.
يعد المهرجان بجديد دائما، حقق من وعده ما حقق هذا العام، وسنبقى بانتظاره في الأعوام التالية.
(الصور من مهرجان قصر الحصن)