كوريا الشمالية وأمريكا: لماذا تفاقم التوتر؟
تقرير إخباري يحلل أسباب التفاقم السريع للأزمة الكورية الشمالية- الأمريكية
في ظل إعلان كوريا الشمالية عن إطلاق صاروخ بعيد المدى يحمل قمرًا صناعيًّا، رغم تحذيرات الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، زادت وتيرة الإدانة من عدد من الدول على رأسها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وتم وصف هذا العمل بأنه "يمثل عملاً مزعزعًا للاستقرار واستفزازيًّا وانتهاكًا صارخًا للقرارات المتعددة لمجلس الأمن الدولي"، مما جعل الأزمة بين واشنطن وبيونج يانج في تصاعد مستمر دون أية حلول تلوح في الأفق.
ويمتد تاريخ الاستفزاز بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية طوال 63 عامًا، بالذات منذ نهاية الحرب الكورية في 1953 وتقسيم الجزيرة الكورية إلى الشطر الشمالي الشيوعي والشطر الجنوبي الديموقراطي، لكن وتيرة الاستفزاز تصاعدت منذ أن أعلنت بيونج يانج عن تملكها لقدرات صاروخية بالستية، وهي صواريخ عابرة للقارات قد تستطيع حمل رؤوس نووية، سنة 2002. ومنذ ذلك الحين تعالت وتيرة القلق والاستفزاز من الجانبين على مر الـ14 عامًا الماضية، وصولًا إلى إعلان بيونج يانج أنها قد طورت قنبلة هيدروجينية في ديسمبر 2015.
لكن مع تعالي أصوات الإدانة لكوريا الشمالية، أصرت بيونج يانج على عمل التجربة البالستية الأخيرة ردًّا على الولايات المتحدة، لما وصفته "بالتدخل في شؤون أمنها القومي"، ويلاحظ أن وتيرة ردود الافعال للتجربة الأخيرة قد زادت بدرجة كبيرة، حيث إنها وصلت لمرحلة عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن في الأمم المتحدة، فضلًا عن عقد مشاورات مغلقة بين كل من كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة، نظرًا لزيادة وتيرة التجارب النووية وتصعيد لهجة التهديد من بيونج يانج لواشنطن، حيث إن امتلاك صواريخ بالستية يصل مداها إلى 9000 كيلومتر هو تهديد مباشر للأمن القومي الأمريكي، ويُحتم على واشنطن ردعه بكل السبل الدبلوماسية والعسكرية إذا تطلب الأمر.
وجاء ذلك واضحًا في الرد الأمريكي على التجربة الهيدروجينية في ديسمبر 2015 بإرسال قاذفة قنابل تستطيع حمل رؤوس نووية إلى المجال الجوي لكوريا الشمالية، في رسالة مفادها أن الولايات المتحدة ستقصف بيونج يانج لو تطلب الأمر.
وعلى الناحية الأخرى، قامت بيونج يانج بإعلان نجاح التجربة، وأن مدى صواريخها يستطيع الوصول إلى الولايات المتحدة، حسب ما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية لكوريا الشمالية، والجدير بالذكر أن خبراء من كلية الدراسات الدولية في جامعة جون هوبكنز بالولايات المتحدة يحذرون من أنه بحلول سنة 2020 هناك احتمال أن كوريا الشمالية ستمتلك ترسانة قوامها 100 صاروخ بالستي إذا ما استمرت التجارب على هذا النحو، وهو ما يضع الولايات المتحدة وحلفائها في آسيا، كوريا الجنوبية واليابان بالذات، في حالة هلع من أن تطولهم الهجمات المحتملة لبيونج يانج، وبالتالي هناك سعي حثيث من قبل الولايات المتحدة لفرض عقوبات مضافة على كوريا الشمالية، حيث إنها -بحسب تقدير الكثير من المحللين الاستراتيجيين- خطوة يائسة لتحجيم التوسع النووي لبيونج يانج، وقد يكون الخيار العسكري حيز التنفيذ في القريب العاجل.
لكن لكوريا الشمالية حسابات أخرى، حيث ترى أنها تحت تهديد دائم ومباشر منذ نهاية الحرب الكورية إلى يومنا هذا بسبب وجود القوات الأمريكية بشكل مركز على الحدود بينها وبين جارتها الجنوبية، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية المستمرة منذ سنة 2002. تلك الأسباب تدفع كوريا الشمالية لتحديث وتطوير برامج التسلح، خاصة أنها تحاول فرض الهيمنة الإقليمية والدولية عن طريق برنامجها النووي، لكن مع إعراب الصين عن قلقها من تلك التجارب، يتنامى مؤشر لتقلص الدعم الصيني لكوريا الشمالية، نظرًا لما تمثله تجارب الأخيرة وسلوكها الدبلوماسي من ضغوط دبلوماسية شديدة على بكين، مع العلم أن الصين قد طالبت كوريا الشمالية بشكل رسمي عدم إجراء عملية الإطلاق الأخيرة لوضع حد للتوتر الدبلوماسي، لكن هناك احتمال كبير أن تفقد بيونج يانج حليفتها الاستراتيجية والدبلوماسية، الوحيدة، بسبب الإصرار على عمل التجارب وزيادة الضغط الدولي والأممي على بكين.
التوتر القائم بين واشنطن وبيونج يانج في زيادة مطردة، والأزمة الكورية تعود لتلوح في الأفق بعد سلسلة التجارب النووية والصاروخية المتعددة التي قامت بها بيونج يانج، فواشنطن ترى بيونج يانج كتهديد مباشر لها ولحلفائها بسبب تلك التجارب، في حين أن بيونج يانج ترى واشنطن كعدو على الأبواب، يقف على حدودها ويراكم العقوبات الاقتصادية عليها؛ لذلك فالمشكلة بينهما في تزايد مستمر، وإذا ما استمرت كوريا الشمالية في تجاربها، فهناك توقعات أنها ستفقد دعم الصين، وبالتالي قد يشعل ذلك شرارة التدخل العسكري، لحماية حلفاء واشنطن في المنطقة وحماية الداخل الأمريكي، في حين أن بيونج يانج لن تسمح بالتدخل الأمريكي في شؤونها وفرض المزيد من العقوبات عليها، وبالتأكيد لن تسمح بالتدخل العسكري على أراضيها.
aXA6IDEzLjU5LjE5OC4xNTAg جزيرة ام اند امز