أزمة التمويل تحاصر مشروعات مصر القومية
سلسلة المشروعات القومية التي أطلقها الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"،تواجه عجزًا في توفير مصادر تمويل لها ما يهدد باستكمال تنفيذها
تواجه سلسلة المشروعات القومية التي أطلقها الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" عجزًا في توفير مصادر تمويل لها ما يهدد باستكمال تنفيذ هذه المشروعات، وذلك على خلفية الركود الذي يعيشه الاقتصاد المصري، والعجز الكبير في موازنة الحكومة وتراجع الدعم الخارجي بعد أن تلقى الاقتصاد ما يزيد عن 20 مليار دولار من المساعدات والمنح الخليجية في المرحلة الانتقالية التي تلت 30 يونيو، بجانب انسحابات المستثمريين الأجانب في بعض هذه المشاريع بعد توقيعهم لمذكرة تفاهم مع الحكومة المصرية.
كان العام الماضي شهد إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي تنفيذ عدد من المشروعات القومية العملاقة خلال فترة ولايته الرئاسية كمشروع قناة السويس الجديدة وما تشمله من توسيع وتعميق للمجرى الحالي، وكذلك حفر تفريعة جديدة موازية وعدة أنفاق تحت القناة، وتطوير إقليم قناة السويس وجعله مركزًا لوجستيًا وصناعيًّا، والمثلث الذهبي للتصنيع ويستهدف الاستفادة من الثروات المعدنية في صحراء مصر الشرقية، وإحياء مشروع توشكى المتعثر، والذي تم إطلاقه في 199، واستصلاح 4 مليون فدان زراعي في سيناء والصعيد لتنمية هذه المناطق وزيادة الحصيلة الزراعية، ومدينة العلمين الجديدة والتي تهدف لإحداث تنمية متكاملة في منطقة الساحل الشمالي الغربي، وبناء شبكة طرق تبلغ حوالي ٣ آلاف كيلو متر تربط المحافظات المختلفة، وتسعى لتطوير حركة النقل والتجارة، وإنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر، وهو المشروع التي قدرت الحكومة تكلفة تنفيذه بـ300 مليار دولار.
يقول فخري الفقي، مستشار صندوق النقد الدولي السابق بواشنطن في تصريحات لبوابة "العين": إن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وإجراءات الحكومة البيروقراطية وتراجع معدلات الاستثمار والمشكلات المتزامنة في تمويل الاستثمار وزيادة المديونية الخارجية والداخلية، تؤكد عدم توافر مصادر تمويل لهذه المشروعات القومية الكُبري يمكن التعويل عليها على المدى القصير، موضحًا أن انعكاسات هذه الأزمات تتجلى في انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، وفشل سياسات البنك المركزي في السيطرة على أزمة العملة.
يضيف "الفقي" أن تجليات تراجع التمويل اللازم لهذه المشروعات تظهر في الموازنات التقشفية التي بدأت وزارة المالية إعدادها بجانب إعلان الحكومة طرح حصص من الشركات والبنوك الحكومية في البورصة المصرية خلال الفترة المقبلة، فضلًا عن انسحاب عدد من الشركاء الخليجيين في هذه المشروعات في ضوء خلافات بين الطرفين.
وعن مستقبل هذه المشروعات، يجيب "الفقي": "مصير مجهول ينتظر هذه المشروعات لغياب الكثير من المعلومات عن الإطار التشريعي لهذه المشاريع، وعدم وضوح الجهة المسئولة عن هذه تنفيذها، والأزمة المرتبطة بتوفير مصادر التمويل الضخمة لاستكمالها".
من جانبه، يستبعد "عمر النشيطي" مؤسس "مجموعة مالتبيلز للاستثمار"، وهي شركة لإدارة الأصول المالية بدبي، تمويل هذه المشروعات القومية من داخل موزانة الحكومة، قائلًا لبوابة "العين" الإخبارية: "موازنة الحكومة تعاني عجزًا متصاعدًا منذ الثورة، مما يدفع لتمويلها خارج الموازنة كما هو الحال في طرح شهادات استثمار قناة السويس الجديدة" موضحًا كذلك أن التعويل على تمويلها من خلال البنوك المحلية سيؤدي إلى أزمة سيولة حقيقية في القطاع المصرفي على المدى المتوسط، خاصة مع حاجة القطاع للاستمرار في تمويل عجز الموازنة، بجانب أن هذه المشروعات القومية الكبرى تتسم بميزانية ضخمة.
يضيف "الشنيطي" أن التعويل على الاستثمارات الأجنبية والدعم الخليجي لتمويل هذه المشروعات مسألة ليست مضمونة في ظل أزمة النفط الكبرى، والإجراءات البيروقراطية التي تواجه الاستثمار الأجنبي في مصر، وهو ما ظهرت تداعياته في انسحاب شركة العبار في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، مؤكدًا أنه كان من الضروري انتهاج توجه تدريجي في دراسة وإطلاق هذه المشروعات بشكل يتناسب مع موارد الاقتصاد وأولوياته.
كانت الحكومة المصرية قد ألغت مذكرة التفاهم المبرمة مع شركة «كابيتال سيتى بارتنرز» التى يديرها رجل الأعمال الإماراتي، محمد العبار، بشأن تنفيذ العاصمة الإدارية الجديدة، وهو الأمر الذي برره "العبار" في مقابلة مع تليفزيون "العربية" "بأن الحكومة المصرية غيرت رأيها في بعض البنود ويحق لها لأن الاتفاق غير ملزم، وبالتالي لم نتفق على وجهة نظر واحدة، ولذلك انسحبنا من المشروع".
من جانبه، يقول محمود الصعيدي، عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، في تصريحات لبوابة "العين": إن اللجنة تضع على أولوياتها التباحث مع وزارة الاستثمار أسباب تعطيل تنفيذ هذه المشروعات القومية، والجهات التي ستعتمد عليها في تمويل هذه المشروعات، موضحًا أن اللجنة بصدد الاستماع لرؤية الوزارات المعنية بتوقيع مذكرات التفاهم لهذه المشروعات لحين الوصول لسبب واضح لتأجيل تنفيذ هذه المشاريع .
يستبعد "الصعيدي" عدم استكمال تنفيذ هذه المشاريع على المدى البعيد مكتفيًا بالقول: "الأمور ستنفرج قريبًا".
ويقول "هاني سري الدين" رئيس هيئة سوق المال الأسبق، في تصريحات لبوابة "العين" الإخبارية الدولة تواجه مشكلة حقيقية في توفير مصادر تمويل لهذه المشاريع، خصوصًا أن التعويل الرئيسي على الاقتراض من المؤسسات الدولية لن يكون حلًا على المدى البعيد؛ لأن الدولة المصرية لا يمكن أن تقوم على الاقتراض وحده دون إصلاح أداء الاقتصاد الكلي، وتطوير مواردها".
يضيف "سري الدين" أن الأزمة الكبرى في هذه المشاريع ليس وجودها في حد ذاته، بقدر ما قد تخلق للمستثمر الأجنبي انطباعًا سلبيًا عن طبيعة الإجراءات البيروقراطية المرافقة لتنفيذها، خلافًا لما هو ينبغي في أن تكون آلية لتشجيع الاستثمار الأجنبي في البلاد، وإيصال رسالة إيجابية بتوفر كافة الظروف المهيأة للاستثمار.