السياج الأمني الإسرائيلي.. هواجس الأمن تستحضر ثقافة "الغيتو"
قرار إسرائيل إقامة المزيد من الأسيجة الأمنية بمحيطها، يثير تساؤلات عن دوافع هذا التوجه
يثير قرار إسرائيل إقامة المزيد من الجدر والأسيجة الأمنية بمحيطها، تساؤلات عن دوافع هذا التوجه بعد 68 سنة من تأسيسها وتوقيها 3 اتفاقات سلام مع جيرانها، فهل هي عقلية الغيتو القديمة تعززها الهواجس والمخاوف الأمنية؟ وهل هذه المخاوف واقعية في ظل تغير أنماط المعارك؟ أم هو الفشل في الاندماج بالمحيط؟ .
وقال المحلل السياسي رجب أبو سرية إن التوجه الإسرائيلي الذي تفتق عنه ذهن نتنياهو يدلل أن إسرائيل "لا تعرف طريق التعايش، وما زالت تصدّ عن عمد وعن قصد، وبدافع من الاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، رياحَ السلام وتواصل التنكر للحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني في الاستقلال".
ثقافة الغيتو
كان رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أعلن أن حكومته تعكف على إعداد خطة متعددة السنوات تقضي بإقامة "أسيجة أمنية" على امتداد جميع "حدود إسرائيل" وسد جميع الثغرات في السياج الأمني بالضفة الغربية المحتلة.
وعدّ نتنياهو خلال جولة نفذها الثلاثاء الماضي، في منطقة السياج الأمني المقام على امتداد الحدود مع الأردن وفي منطقة "تمناع" قرب إيلات إحاطة "إسرائيل" بالأسيجة والعوائق "ضرورة للدفاع عن نفسها من الوحوش في منطقة الشرق الأوسط"، على حد تعبيره.
وقال أبو سرية لـ"بوابة العين" إنه "يبدو أن إسرائيل لم تتحرر بعد من ثقافة الغيتو والعزلة الاجتماعية والمجتمعية، التي طالما أثقلت كاهل يهود العالم".
وأضاف أنه "رغم كل التنازلات التي قدمها العرب والفلسطينيون للتوصل إلى حل وسط سياسي، إلا أن إسرائيل تصر على الانغلاق على الذات، وعدم التعايش مع جيرانها، لذا فهي تُبقي على فتيل التوتر، وعلى خيار الحرب قائماً طول الوقت، وتحتفظ بشعور الأقلية رغم أن هناك أتباع ديانات وطوائف وقوميات أقل عدداً من اليهود في العالم".
دولة واحدة بين النهر والبحر
من جهته، قال خبير الخرائط الفلسطينية، المفاوض السابق، خليل التفكجي، إن قضية الجدار ليست وليدة اليوم أو الأمس لدى الإسرائيليين، هي منذ العام 1973، عندما أسست رئيس الوزراء غولدا مائير لجنة "غفيني"، وكانت تقصي بتقليص أعداد الفلسطينيين في القدس واستمرت منذ تلك السنة حتى اليوم في تنفيذ هذه السياسة عبر هدم المنازل ومصادرة الأراضي حتى يصل عدد المقدسيين إلى 22%، لكنهم اليوم وصلوا لأكثر من 35%.
وأضاف تفكجي في حديثه لـ"بوابة العين" أن الجدار المطروح حاليا من جهة القدس يهدف إلى تغيير الواقع الديمغرافي وهو المدينة المحتلة، فيما يعني الجدار في الضفة ترسيم الحدود من جانب واحد، مع الاحتفاظ الإسرائيلي بمنطقة الغور (شرق الضفة) التي تشكل ثلث مساحة الضفة، فيما الجدار يقام غرب الضفة".
وقال إن "هذه الجدر لتحقيق الرؤية الصهيونية بألا يكون إلا دولة واحدة بين النهر والبحر دولة إسرائيل فقط، وبذلك لا مكان للدولة الفلسطينية في الاستراتيجية التي ينفذونها حالياً.. هم يريدون الدولة الفلسطينية في الأردن بينما تبقى الضفة مجموعة كانتونات محاصرة بالمستوطنات والشوارع الاستيطانية".
الصراع على الديمغرافية
وأكد تفكجي أن تصريحات نتنياهو تأتي في إطار الصراع على الديمغرافية للسيطرة على جغرافيا نظيفة من غير اليهود.. لذلك يعملون الآن بخطى متسارعة في الضفة لتوسيع المستوطنات، ليصلوا بعدد المستوطنين هناك خلال سنوات قليلة لمليون مستوطن مقابل تسهيلهم هجرة الفلسطينيين بكل السبل.
وقال إن "الاسرائيليين يستغلون الحجج الامنية المحيطة بإسرائيل والانتفاضة في الضفة لتنفيذ مشروعهم الصهيوني الكبير بين النهر والبحر"، لافتا إلى أن التجمعات الفلسطينية لم تكن بهذا التفكيك منذ نشوء القضية الفلسطينية، نظرا لأن أوضاع المخيمات في سوريا ولبنان وغزة محاصرة والضفة مستفرد بها وعرب 48 والقدس معزولة ومنسية.. أفضل ظروف لتنفيذ مخططاتهم".
الهواجس الأمنية
وكان نتنياهو قد قال إن "دولة إسرائيل التي أراها ستكون محاطة بكاملها بالجدران لأننا نريد أن نحمي "الفيلا" التي نعيش فيها وبالتالي إحاطة إسرائيل بالجدران والعوائق الأمنية"، "في المحيط الذي نعيش فيه يتوجب علينا حماية أنفسنا من خطر الحيوانات الضارية والمفترسة، لذلك نعد خطة متعددة السنوات لبناء جدار يحيط بدولة إسرائيل من كافة الجهات حتى نحمي أنفسنا في هذا الشرق أوسط".
ويثير حديث نتنياهو عن المخاوف الأمنية جدلا حول حقيقية تأثير الجدار في تبديد هذه المخاوف.
وشكك أبو سرية، في جدوى هذا الهدف، مذكرا بدروس التاريخ قائلا إنه "لم تصمد "مسادّة" بحصونها في وجه الغزو الروماني، كذلك كل حصون التاريخ لم تحقق الغرض الأمني بالدفاع عن الدول والشعوب في وجه الغزو الخارجي، ما لم يكن هناك احترام متبادل بين الشعوب المتجاورة".
وأضاف "لعل في درس طروادة ما يغني من برأسه عقل، عن الذهاب بتفكيره إلى حقول الوهم".
واعتبر أن "ما قاله نتنياهو من حماية إسرائيل من الحيوانات المفترسة، في المحيط، إنما يرتد إليه، ذلك أن الحيوانات المفترسة هي التي يتم وضعها في الأقفاص لحماية الناس من شرها، وليس العكس".
والجدار الذي تخطط إسرائيل لإقامته على الحدود مع الأردن هو الرابع، بعد الجدران التي أقامتها على الحدود الجنوبية، الشمالية والشرقية مع الضفة، لتكتمل بذلك تقريبا إقامتها لجدران الفصل والعزل على الجهات الثلاث، ولا تبقي أفقا أمامها سوى الغرب حيث البحر يصلها بالعالم الخارجي.
رسائل طمأنة
أما أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا محمود يزبك، فأشار إلى وجود مخاوف حقيقية وكبيرة جدا جدا في هذه الأيام لدى الإسرائيليين، خاصة مع الحدود عند غزة.
ورأى يزبك في تصريحاته لـ"بوابة العين" أن حكومة نتنياهو تعمل على تطمين المجتمع الإسرائيلي لسلامة الوضع الأمني والسيطرة، "لكن كل تلك التطمينات لم تنفع"، مشيرا إلى نتنياهو عقد اجتماع لحكومته الأمنية المصغرة مرتين في الآونة الأخيرة لبحث المخاطر الحقيقية، ودفع بمئات الجرافات والحفارات على حدود غزة للبحث عن الأنفاق بعد الانتقادات الحادة من الإسرائيليين، وكل ذلك لطمأنتهم لكن لم يتحقق الهدف.
وأضاف "عندما لم تنفع الخطوات الإسرائيلية السابقة، ذهب نتنياهو إلى استدعاء فكرة الجدار من الحدود مع الأردن، ليطمئن المجتمع الداخلي بأنه سيقيم سياجا حول الحدود مع الأردن وسوريا ولبنان والضفة وغزة ومصر لمنع دخول أي كائن حي دون إذن إسرائيلي .. كل هذا ليبعث الاطمئنان في نفوس الإسرائيليين".
وأشار إلى أن مخططات إقامة الجدران قديمة، حيث في الضفة منذ سنوات، وفي هضبة الجولان عندما بدأ الإسرائيليون يستشعرون بالخطر إثر الاقتتال السوري، أقاموا جدارا هناك، والآن سيكتمل مع الأردن ولبنان.
وقال إن "القضية تنطلق من منظور عسكري استراتيجي لخلق شعور بالأمن والأمان، لأن لديهم مخاوف حقيقية من متغيرات كبيرة قد تحصل في المنطقة ".
وأضاف "هو يريد إغلاق الفيلا بالمفتاح، حفاظاً على الإسرائيليين خاصة في ظل ما تحدثه الانتفاضة في المجتمع الإسرائيلي، وما يحصل حول إسرائيل في سوريا وقد يمتد لغيرها، لذلك أعد خططا للمواجهة، أهم خطة للمواجهة إقامة الجدار لطمأنة الإسرائيليين".
aXA6IDE4LjIyMS4xODMuMzQg جزيرة ام اند امز