"النار" تحت "رماد" الحرب الباردة بين روسيا والغرب
روح الصراع بين الاتحاد السوفييتي، والغرب الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة، لا يزال قائما إلى اليوم .
"نحن لا ننظر إلى ما يحدث على أنه حرب باردة، ولا أحد في حلف الأطلسي يريد العودة إلى الحرب الباردة".. كان هذا هو جزء من تصريحات الجنرال فيليب بريدلاف، القائد العسكري بـ"الناتو"، والتي جاءت كرد فعل على تصريحاتٍ صدرت في وقت مبكر من رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، وقال فيها للصحفيين بمؤتمر ميونيخ للأمن إن العالم دخل "حرباً باردة جديدة" بعد أن هيمنت التوترات المتزايدة بين الغرب والشرق بشأن سوريا وأوكرانيا على اجتماع قادة العالم في ألمانيا.
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري صرح في ذات المؤتمر بأن على روسيا وقْف استهداف الفصائل المقاتلة في سوريا وسحب قواتها من أوكرانيا، وقال: "حتى اليوم فإن الغالبية العظمى من الهجمات الروسية تتركز على مجموعات المعارضة المشروعة".
صراع روسيا مع الغرب بقيادة أمريكا على أوكرانيا يشبه الحرب الباردة القديمة، ولكن نظراً للملامح الخاصة والمختلفة يمكن تسمية هذا الصراع ظهور "الحرب الباردة الجديدة" والتي ستنتهي بأحد السيناريوهات المحتملة.
الصراع الروسي مع الغرب بقيادة أمريكا حول أوكرانيا يشبه التوترات والحروب القديمة الباردة التي قامت بالوكالة بين التكتلات الغربية والشرقية، ولكن بسبب الخصائص المميزة والمتفاوتة يمكن أن يسمى هذا الصراع بظهور "الحرب الباردة الجديدة"، كما يمكن تقييم هذه الظروف على أنها بداية لحرب باردة جديدة مع معايير مختلفة، حيث إنه وفي الوقت نفسه يتحرك النظام الدولي نحو عالم متعدد الأقطاب، فقد أخذت الحرب الباردة الجديدة لون القرن الواحد والعشرين، وباتباع مواجهة واضحة وحادة مع الغرب أدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين البلاد حقبة جديدة من العلاقات الدولية والتي لم يسبق لها مثيل في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
سياسات بوتين تقع بشكل مباشر أو غير مباشر تحت تـأثير أفكار ألكسندر دوغين، الفيلسوف ومؤسس النظرية الأوراسية (النظرية التي ظهرت في حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي).
ووفقاً لنظرية أوراسيا فإن روسيا تنتمي ثقافياً إلى الشرق وينبغي أن تقف في وجه الغرب والعالم الأحادي القطب بقيادة أمريكا، وأيضا طلب المساعدة من المعارضة الغربية.
ويبرز ذلك من خلال تسليح موسكو للمعارضة والانفصاليين في شرق أوكرانيا وإرسالها قوات عسكرية بلباس مدني من أجل مساعدة أولئك وتعليمهم، بأنها تخطط لإيجاد ضغوطات وذلك لتجنب التقارب بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.
رداً على ذلك، اعتمدت أمريكا وبمساعدة الاتحاد الأوروبي وبعض الحلفاء الآسيويين استراتيجية فرض عقوبات على الاقتصاد الروسي وبعض المسؤولين الروس والذي ترافق برد فعل روسي ضد الاتحاد الأوروبي، فقد عزز، بدء الأزمة الأوكرانية وانضمام جزيرة القرم لروسيا ودعم هذا البلد للانفصاليين في دونيستك ولوهانسك شرق أوكرانيا الخلافات بين الغرب بقيادة أمريكا من ناحية، وروسيا من الناحية الأخرى.
العلاقات بين الجانبين دخلت في منافسة قوية وتوتر حاد، وتشير أبعاد وخصائص ذلك إلى توقع ظهور "حرب باردة جديدة".
قراءة المشهد المعقد، تصل إلى زاوية أخرى في الحرب الباردة الجديدة، في مرحلة ما بعد الأزمة الأوكرانية، وهي زيادة تقارب روسيا مع ايران، وتعزيز علاقاتها مع الصين، وتعزيز الدعم للأسد في سوريا، وحماس في غزة، وحزب الله في لبنان وسوريا، والحوثيين في اليمن، والقيام بدوريات جوية في المجال الجوي البريطاني ومثل هذه الأعمال التي تضر بالمصالح الغربية، تدعو إلى الاصطفاف والتكتل الروسي ضد الغرب بقيادة أمريكا.
وبسبب وصول الأزمة الأوكرانية لطريق مسدود لم تستطع أمريكا جذب الروس لقضايا مثل إرهاب داعش والذي تحتاج فيه إلى الدعم الروسي، بل وإن روسيا قررت أن تتحدى الغرب بالدخول إلى سوريا لدعم الأسد، بالإضافة إلى أن موسكو هددت بأنها لن تكون إلى جانب الغرب في المحادثات النووية، كما أن عدم دعم الصين العلني لروسيا يضع الموقف الروسي أمام تحديات في التكتل ضد أمريكا، ويمكن أن يعمل توقيع اتفاقية الغاز بين روسيا والصين على تقليص اعتماد روسيا على إيرادات بيع الغاز للاتحاد الأوروبي، وفي الوقت ذاته فإن تقليص بيع الغاز الروسي للاتحاد الأوروبي التي هي بحاجة ماسة إلى الطاقة سوف يشكل قوة ضغط كبيرة في يد روسيا في المستقبل، وعلى سبيل المثال فإن ألمانيا وبسبب اعتمادها الكبير على الطاقة الروسية لم تلتزم بسياسة فرض عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي بشكل كامل.
وبعد رفع العقوبات والحرب النفطية على روسيا وإيران التي تقودها أمريكا، أعلنت الحكومة الروسية مبدأها العسكري الجديد والذي ينص على أن موسكو تحتفظ بحقها في استخدام الأسلحة النووية رداً على استخدام السلاح النووي أو أي نوع من أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها. كما عمل الروس على رفع الفوائد البنكية رداً على انخفاض قيمة الروبل الناتج عن انخفاض سعر النفط، وكانوا قد سعوا لتنفيذ اتفاقية تبادل 500 ألف برميل من النفط يومياً مقابل سلع مع ايران، حيث إنه يمكن حصول روسيا على فوائد من خلال كسر قسم كبير من العقوبات على إيران وبذلك تؤمّن روسيا 60% من إيراداتها الاقتصادية من خلال النفط والغاز.
وفي النهاية، يبدو أن روح الصراع بين الاتحاد السوفييتي الذي تفكك في بداية تسعينيات القرن الماضي والغرب الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة التي انتصرت في حربها الباردة، لا يزال قائما إلى حدود اليوم، حتى وإن اختلفت صيغ وأماكن هذا الصراع.
aXA6IDMuMTM5LjIzOS4xNTcg
جزيرة ام اند امز