في عيد العشاق.. الأحمر يلون سوريا.. تارة بالحب وتارات بالدم
بين جريح من ذكرى هذا العيد ومنتظر له بفارغ الصبر، يبقى عيد الحب مجرد يوم يشغل بال بعض السوريين عن واقع حياتهم الأليم ويقرح جروح الآخرين
بينما تعيش سائر المحافظات السورية مسلسل الموت بشكل يومي، ينتهز سكان دمشق فرصة حلول عيد العشاق ليسرقوا من الزمن لحظات جميلة تفصلهم عن واقعهم الأليم وتلونه بلون أحمر يشبه لون دمائهم المهدورة، لكن هذه المرة ليجبر قلوبهم المكسورة.
"قلوب السوريين كسرتها معاني الحرب والظلم والقهر، بداية من التهجير والدمار مرورا بالحصار واليأس، وصولا إلى الغرق والموت والدم، فلا بد لنا من أن نخلق بين كل هذا مساحة للحب على الصفحات التي لوثتها مشاهد الحروب في دفاتر القلب".. هذا ماقاله ابن مدينة دمشق الشاب محمد أبو الحسن، في حديثه لبوابة "العين" الإخبارية، عما تعيشه العاصمة الدمشقية -التي تعاني بدورها ظروف حرب قاسية- من أجواء الاحتفال بعيد العاشقين لهذا العام.
يرى محمد أن خمسة أعوام ونَيِّفا قضوها في الحرب، كانت كفيلة ليس بتدمير كثير من البشر والحجر فحسب، بل دمرت نفوس من بقوا على قيد الحياة أيضا، فالشعب السوري بحسب تعبيره "يتنشق الموت أينما كان".
ويصف الشاب الدمشقي مدينته في ثلاثة الأيام الأخيرة أنها "أشبه بباقة أزهار حمراء تغلفها ورقة مهترئة وربطة سوداء بالية".
مصدر ألم
لكن الشابة نهى العيسى، تجد في عيد الحب يوما للحزن والدموع، فهي لا تستطيع أن تحتفل بهذا اليوم مع خطيبها الذي اضطر أن يغادر البلاد بعد الحملة التي شنتها القوات النظامية لسحب الشباب السوري لتأدية الخدمة الاحتياطية إلى جانب عناصر الجيش السوري.
وبصوت مرتعش تقول نهى: "قبل ست سنوات تابعت مسلسلا بعنوان رسائل الحب والحرب، لكن في سوريا يبدو أن الوضع مختلف تماما، فرسائل الحب تمزقت ولم يبق هنا سوى رسائل الموت".
نهى تحمد الله على كل حال وتتابع: "نعم عيد الحب كان مصدر حزن هذا العام بالنسبة لي، لكن على الأقل أعلم أن زوجي المستقبلي في مكان آمن، ولن يمسه مكروه بإذن الله، وبضع شهور تفصلني فقط عن لقائه إلى حين انتهاء أوراق لم الشمل إلى السويد".
أما الشابة سوسن الحصري فقد اختصرت حديثها مع بوابة "العين" بذكر بضعة أبيات من قصيدة المتنبي التي تقول:
"عيد بأية حالٍ عُدتَ ياعيدُ...بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديدُ
أما الأحبةُ فالبيداءُ دونَهم...فليت دونك بيدا دونها بِيدُ
لم يَترُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كبدي...شَيْئاً تُتَيّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ
يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما...أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟"
تعاطف إنساني
وترفض سلمى صاحبة الـ 18 عاما، وهي طالبة جامعية، الاحتفال بهكذا أجواء ليس من منطلق إنساني فحسب، بل من منطلق الإحساس بالغير قائلة: "في الوقت الذي تقدم فيه فتاة لحبيبها هدية لتعبر بها عن مشاعرها اتجاهه، تفتقد الكثيرات من أقرانها أزواجهن وأحباءهن، سواء أكانوا شهداء أم مهجرين أم معتقلين، وربما لجأت تلك السيدات إلى مقارنات غير عادلة مع غيرهن وقد يقعن بحالة نفسية سيئة جراء ذلك، فما الفائدة من الإعلان عن مشاعرنا أمام من يفتقدها في الوقت الذي بإمكاننا أن نعبر لهم داخلياً دون أن نفتح جرح أحد".
كذلك الأمر بالنسبة للشاب يزن طباع، المتطوع في جمعية "بسمة" لسرطان الأطفال، فهو يرى أن الاحتفال بعيد الحب وإنفاق النقود لايجوز نهائيا ولدينا مئات الأطفال في جمعية معالجة سرطان الأطفال بحاجة لأي مبلغ كان ليتمكنوا من استكمال علاجهم الكيماوي.
وكي لا يظهر بمظهر المتعاطف من الجمعية التي ينتسب إليها بحسب قوله، يقول يزن: "إذا استثنينا الأطفال المصابين بالسرطان، ألن نتذكر العشرين ألف طفل المحاصرين منذ شهور في بلدة مضايا التي تبعد بضعة كيلو مترات فقط عن وسط مدينة دمشق التي تلونت بحمرة هدايا وأزهار الفلنتاين منذ أيام"، موضحا أن سعر وردة وحدة في هذا الموسم التجاري قد يساهم في إنقاذ طفل من الجوع لا محالة..
واختتم يزن حديثه قائلا: "الأطفال وحدهم يستحقون الحب في كل يوم، فيجب أن نوجه مشاريعنا كلها لخدمتهم وإنقاذهم من كل شيء قدد يهدد حياتهم ونفسيتهم ومستقبلهم، وهذا برأيي أهم من كل الأعياد".
مورد رزق
عيد الحب بالنسبة لأحمد الشاعر، وهو صاحب محل للهدايا والأزهار في سوق "الشعلان"، هو بحسب قوله "موسم تجاري ليس إلا، فبغض النظر عن المعنى الذي يريده الكثيرون من عيد الحب، إلا أنه بات يعنيني في المرتبة الأولى تجاريا لأنه يوسع مورد رزقي، فمع ارتفاع سعر الدولار وتحوّل الحياة في دمشق إلى جحيم اقتصادي بتنا نعاني الأمرين في سبيل تحصيل قوتنا اليومي، ولعل تزايد الطلبات على الهدايا والورود في هذا اليوم سيسهم في زيادة المبيعات وسط ركودها باقي أيام السنة".
وعن الحركة الشرائية في السوق يقول أحمد: "نظراً لتردي الأوضاع الاقتصادية فإن الحركة الشرائية في ركود مستمر والبيع انخفض إلى ما دون الربع عن سنوات ما قبل الحرب، فالناس باتت تفكر في لقمة عيشها قبل كل شيء، لكن رغم ذلك لا يزال هناك طلب على الورود الحمراء والهدايا والتحف وأوراق الزينة".
أما عن الأسعار فتحدث أحمد قائلا: "الأسعار ليست بالقليلة إطلاقاً فسابقاً كان سعر الوردة الحمراء "الجورية" على سبيل المثال 250 ليرة سورية، أما اليوم فيصل سعرها إلى 2000 ليرة سورية، وأن سعر أية دمية حمراء يتراوح بين 5.000 و10.000 ليرة سورية، في حين أن متوسط دخل الفرد في سوريا أصبح يساوي 25.000 ليرة أي مايعادل ثمن 12 وردة، حتى بات البعض فعلاً يستعيض عن ذلك بالورود الاصطناعية".
بين مؤيد ومعارض لهذا العيد، وبين صعوبة الحياة وتزايد متطلباتها على البعض ومظاهر الترف والإسراف عند البعض الآخر، وبين جريح من ذكرى هذا العيد ومنتظر له بفارغ الصبر، يبقى عيد الحب مجرد يوم واحد فقط يشغل بال بعض السوريين عن واقع حياتهم الأليم ويقرح جروح البعض الآخر.
aXA6IDE4LjIyNy40OC4xMzEg
جزيرة ام اند امز