التكامل في العقيدة هو التعريف الأنسب والمفهوم الأعم والأشمل الذي يجب أن يستقر في قلب الإنسان أولاً ثم عائلته ومجتمعه بعد ذلك.
هناك في القمة العالمية للحكومات وأمام الآلاف من القادة والمسؤولين على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي وقف سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية متحدثاً عن الحلم والتحديات التي تعرقل أو قد تقف في طريق المسير نحو التنمية الشاملة، ومدى أهمية وضرورة اتخاذ القرار لمواجهة هذه التحديات، ثم أشار قائلاً: "مثلما أطفينا حريق الفندق سوف نطفئ حريق اليمن، وسيعود اليمن سعيداً مثلما كان سعيداً، بالعقيدة التكاملية للتحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ".
العقيدة التكاملية..!!
هذه الكلمة التي قرع جرسها أُذني لأقف مع نفسي متسائلاً عن ماهية تلك العقيدة التي يقصدها سموه ؟
رغم أن الربط كان واضحاً مغزاه في عميق التشبيه بين الحريق الذي شب في حلم الإمارات بأن يكون لدينا أرقى كيلو متر مربع في العالم وبين الحريق الذي شب في اليمن محاولاً إحراق حلم أن تكون الجزيرة العربية مستقرة وآمنة تتطلع الى مستقبل زاهر ومشرق.
ماهي إلا أيام معدودة وفي الهند تحديداً أثناء الزيارة الرسمية لسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة - حفظه الله، وجدت نفسي أقف أمام سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وكان حينها بجانبي ثُلة من المثقفين والإعلاميين، فبادرناه بعد السلام والتحية بتأكيد أننا جنود للوطن وأننا مستعدون للدفاع عنه بأرواحنا.
ابتسم سموه ورد قائلاً "كلنا جنودٌ للوطن" ألا يحتاج الطبيب للقلم الذي يكتب به؟ ألا يحتاج لسماعة الفحص الطبي؟ ألا يحتاج الدواء لعلاج مرضاه؟.
قلنا: نعم
قال: هذه "عقيدة التكامل" التي تكوِّن الإنسان وتبني وتحمي وتعمر الأوطان، وكل منا يقع على عاتقه دور في حب وطنه والدفاع عنه، لا يقل أهمية عن ذلك الجندي الشجاع الذي جعل جسده درعاً لوطنه وشعبه، فجميعنا نكمل بعضنا في بناء الوطن والذود عنه وعن مقدراته .
وكان لهذه الكلمات وقع مؤثر جعلني أتطرق لكتابة هذا المقال، فقد كنت دائماً حين ألقي بعض المحاضرات المتواضعة أبحث عن التعريف المناسب لمفهوم التعاضد والتكاتف من أجل الوطن، ووجدت ضالتي في كلمة سيدي سمو الشيخ سيف بن زايد في تلك القمة وذلك اللقاء.
إن التكامل في العقيدة هو التعريف الأنسب والمفهوم الأعم والأشمل الذي يجب أن يستقر في قلب الإنسان أولاً ثم عائلته ومجتمعه بعد ذلك، ليشكل سداً منيعاً وجسراً متيناً لوطنه وأمته من الأطماع سيراً إلى الرقي والتطور والمستقبل المشرق.
كل منا يحمل في طياته عقيدة تخصه وتعنيه ليس لأحد سلطانٌ عليها وتتفاوت من شخص لآخر بتفاوت الإيمان بها وإن كانت الحقيقة أن العقائد التي تتأصل في قلوبنا على الرغم من اختلافها إلا أنها تلتقي بالفطرة في عقيدتين أساسيتين الأولى: عقيدة التوحيد لله ﷻ والثانية : العقيدة الوطنية، فالتكامل بين العقائد تخرج من بوتقته معانٍ كثيرة منها الإخلاص والوفاء والأخلاق وترتسم معالمه بالأعمال والإنجازات والتفوق وبالتطور والريادة .
وحتى تتكامل العقيدة لا بد أن نربط أفعالنا بما نؤمن به وبما يصب في مصلحة ذلك الإيمان وأن نصحح مسار عقيدتنا إن رأينا أنها توجهنا في اتجاه يضر بنا وبغيرنا وخصوصاً ( الوطن)، فالموظف يحافظ على وظيفته ويجتهد فيها حباً في وطنه أكثر من حبه لمردودها المادي، والتاجر يجتهد في تجارته سعياً نحو دعم اقتصاد وطنه أكثر من حقه المشروع في بزوغ اسمه في عالم المال والتجارة، والعسكري يتفانى في تدريباته ليذود عن حمى وطنه، والمعلم يسقي شجرة هذا الحب بكلماته ونصائحه من خلال مهنته النبيلة، فإن ارتبطت بالمقابل دون النظر لمردودها على الطلاب تجاه وطنه خاب وخسر، وكذلك المهندس والطبيب والمحامي وغيرهم من المهنيين في شتى المجالات، والتلميذ في دراسته، جميعهم يجب أن تصب أعمالهم دائماً في مصلحة الوطن والمواطن، فبهم ترتقي الأمم والأوطان، فإن اختاروا النأي بأنفسهم عن حب الوطن وعدم ربط عقيدة المصلحة الشخصية بعقيدة مصلحة الوطن وحبه والدفاع عنه لن تجد في أعمالهم سمواً ولا رُقيّا .
ولاشك أن ثقافة التكامل إن ترسخت أثمرت وانتشرت بين الشعوب، فترتقي بهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى وحدة المصير ووحدة البناء والتطوير والعلم ليصبح التعاون والشراكات والتعاضد والوقوف جنباً إلى جنب في السراء والضراء سمة تتميز بها شعوب المنطقة عن غيرها، ولن تجد دولة ما تسيء لجيرانها طعناً وقذفاً واتهاماً، ولن تجد تلك الدولة تحيك المؤامرات وتجعل من حضنها مسكناً دافئاً للإرهاب والتطرف، ولن تجد من الأساس قادة وحكاما يتنازلون عن عروبتهم ودينهم لأجل حفنة مصالح وعدوا بها مقابل مشروع تقسيم الوطن العربي، معتقدين بأنهم تحت الضمان من عدم الوقوع في براثن الخراب والدمار.
ولك أن ترى في الإمارات أنموذجاً حياً وحقيقياً لقادتنا، فهم خير مثال للعقيدة التكاملية، وهذا ما جعل الإمارات محط احترام وتقدير عند قادة وشعوب العالم أجمع، ولك أن تشاهد حجم الزيارات رفيعة المستوى المتبادلة بين القيادات في الإمارات والدول الأخرى من مختلف القارات.
جميعنا جنود مرابطون في ثغور المعركة مع اختلاف مسمياتنا، وتتحد أهدافنا وتتكامل في اتجاه واحد، فبالعقيدة التكاملية في الضمائر يتكامل المجتمع ويتكاتف ويترابط يداً بيد من أجل الوطن الذي سيزدهر وسيرتقي دائماً وأبداً بإذن الله تعالى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة